رنين الهاتف يعلو على هدوء الفجر وسكينته ، يملأ الدنيا صخبا ينذر بيوم كباقي الأيام المعهودة بباب شالة ، أبادره بحركة لا إرادية فأخرسه خوفا من أن يغزو أحلام رضيعة تنام بالقرب من سريري ، سنة من نوم تغافلني على حين غفوة مني ، أرى خلالها أطفالا يافعين في مدرسة حداثية يسألونني داخل فصل مهترئ عن الفرق بين الحب والعشق ، أفكر قليلا في جواب مقنع ، أسأل نفسي عن معنى الحب لغة وشرعا ، وعن مصدر العشق ، وعن أسباب ومسببات كل منهما ، أتعمق في لحظات تسترجع ذكريات مضت ، أعرِّج من خلالها على أقوال الفلاسفة والفقهاء والشعراء والأدباء في المسألة ، أجد أن الحب أخذ وعطاء ، وهو قبل كل ذلك فطرة وغريزة زرعها الله في قلوب البشر ، فلا خير في قلب لم يذق حبا ، ولا حياة لإنسان لم يزره العشق في يوم من الأيام ، والفرق بين العشق والحب كالفرق بين الأرض والسماء ، فالحب يقتضي تحركا قلبيا قد تنعدم فيه الشهوة ويستبد به التعقل ، والعشق قد يرتبط بشهوة جنونية تتجاوز ما للحب من فضائل وخصال ليسقط صاحبه في أنانية مستعلية أو استعباد دائم ، فإذا أحببت فقد تحركت إنسانيتك ، وإذا عشقت فقد تحركت حيوانيتك ، والمرء إن أحَبَّ جادَ وإن أحِبّ سادْ . لمسة من حنان مصفى تبعث في جسدي ارتياحا تشير علي أن طلق الأحلام وأجل الإجابة فقد حان وقت العمل ، أفكر في قطع اليد التي ضغطت بأصابعها على نهاية حلم من أحلامي المتعددة ، يمنعني حنانها من إلحاق الأذى بها ، أتسلل من تحت الفراش وأجنحة الظلام المبسوطة على غرفة نومي تجبرني على السير في ثناياها وتجنب الضغط على زر نور كهربائي كي لا أفجع الرضيعة في أحلامها البريئة ، أتوضأ على عجل ، أصلي شفعا ووترا وفجرا وصبحا بسرعة برق يخطف الأبصار ، أتأبط معطفا شتويا اختلط لونه الأصلي بسواد دخان جمعه بالجملة وبالتقسيط من مخلفات زيوت ومحروقات سيارات الأجرة بباب شالة ، وأضع سكينا يحاكي الخنجر في جيبي وكلي أمل أن ينجيني ربي من تربصات قطاع الطرق بوجهي أثناء سيري بدوار الحاجة ، أودع زوجتي بعدما أرسلت قبلة على الهواء إلى الرضيعة التي تمنع جنود اليأس من احتلال الجزر القلبية التابعة لدولة جسدي المكتوي بنار الفقر والبؤس ، أوصد الباب من خلفي بعدما أقبل يد أم عجوز تظهر الابتسامة في وجهي وترثي لحالي كلما أدرت ظهري عنها ، أصل إلى باب شالة ، الوضع هادئ والشمس تمتنع عن التكرم بإشراقة تزيل صفعات برد قارس يجثم على خدي ويعرقل تحركاتي ، تمتلئ المحطة شيئا فشيئا بسيارات أجرة منها ما يشهد على عهد محمد الخامس ومنها ما يساير العهد الجديد ، أسجل أرقام المأذونيات بالترتيب ، فالويل كل الويل لي إن أنا سهوت في لحظة من اللحظات عن تسجيل رقم أو تشابهت علي الأرقام ولم أدقق في أرقام الأولين و الآخرين ، فالحرب ستقوم بين السائقين لا محالة ، ولن يتحمل وزرها في نهاية المطاف إلا أنا . يتبع