في مغامرة صحفية بالرقة والموصل، رصد الكاتب والباحث العراقي أحمد الملاح في تحقيق صحفي القصة الكاملة للمناهج الدراسية في ظل دولة الخلافة الإسلامية، وكشف حقيقة ما يقدم للطلاب بالمدارس في أماكن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، في سورياوالعراق، وانتهى إلى أن الوضع التعليمي في الرقة والموصل ينذر بخطر تسرّب آلاف الصغار من التعليم خوفاً من تجنيد التنظيم لهم. الملاح في تدوينة له ب"هافينغتون بوست عربي"، الخميس 10 ديسمبر/ كانون الأول 2015، تحدث عن تجربته في الوصول للمعلومات حول مناهج التنظيم، وكيف تم إعدادها وكيف التقى بعدد من الموظفين بجامعة الموصل، حيث تم وضع المناهج، وكيف وصل إلى أحد أعضاء اللجنة التي أعدت تلك المواد الدراسية.
رحلة إعداد مناهج تنظيم الدولة
وأكد الملاح أنه قبل تاريخ 10 يونيو/حزيران 2014، تاريخ سيطرة تنظيم الدولة على الموصل ثاني أكبر مدن العراق من ناحية عدد السكان والمساحة الجغرافية، لم يكن أحد يتكلم عن إعداد مناهج خاصة بالطلاب، ولم يكن أحد يتوقع أن تطرح مناهج للمراحل الدراسية توافق فكر وطرح التنظيم الأيديولوجي. وقال إن كل ما كان موجوداً هو عبارة عن تعليمات تطرح تحت توقيع ديوان التعليم وتوزع في الرقة وبعض المدن السورية، ولم تكن تتجاوز حينها غير منع بعض المناهج القديمة وتحريم الاختلاط بين الطلبة وبعض التعليمات للمدرسين والمدارس، وإرسال بعض عناصر التنظيم الى المدارس لغرض تجنيد الطلبة للقتال خاصة في المراحل الإعدادية. الملاح وصف تغير الأوضاع بعد سيطرة التنظيم على الموصل بقوله: "حدث انقلاب كبير في منهجية التنظيم حول النظر الى ملفات التعليم فقد أصبح الامر ملحاً خاصة بعد أن أصبح ما يقارب ثلث سكان العراق تحت سيطرتهم وإعلانهم أنها خلافة إسلامية، وبرزت مشكلة التعليم بشكل كبير جداً ما دفع التنظيم لاتخاذ خطوة كبيرة، وهي إعداد مناهج خاصة بدولتهم التي يروجون الى أنها أصبحت من الدول الكبيرة". وحسب الملاح فإن أولى الخطوات جاءت بعقد ديوان التعليم في ولاية نينوى "الموصل" اجتماعاً موسعاً بغرض اختيار نخبة من كوادره والكوادر القريبة منه تعمل على إعداد مناهج خاصة، وتم الطلب من اللجنة العمل بتفرغ كامل وستوفر لها الإمكانيات لهذا العمل.
شهادات حية
في تحقيقه الخاص استطاع الكاتب والباحث العراقي أحمد الملاح أن يصل إلى أحد الموظفين العاملين في المكتبة المركزية في جامعة الموصل وهو "سمير ع. م" الذي قال: "تم إبلاغنا بأن المكتبة المركزية في جامعة الموصل ستكون مقراً للجنة إعداد المناهج، وأن موظفي المكتبة سيكونون في إجازة طوال فترة عمل اللجنة". سمير أضاف أنه تم منع الموظفين من زيارة المكتبة طوال فترة عمل اللجنة، وأن عدد اللجنة قارب 50 شخصاً في الاختصاصات المختلفة عملوا طوال 9 أشهر لإعداد مناهج تبين أنها في ما بعد مناهج بنسخة تجريبية. ويقول الموظف "م. س" في جامعة الموصل إن التنظيم منع أي أحد من الاقتراب من المكتبة المركزية طوال تلك الفترة، وأن وجبات الطعام كانت تصل بشكل منتظم لأعضاء لجنة الإعداد، وكانت قيادات من تنظيم الدولة تزور اللجنة بين فترة وأخرى. الملاح نجح أيضاً في الوصول لأحد أعضاء اللجنة وهو مدرس متقاعد لمادة الرياضيات، والذي قال إنه أجبر على العمل في اللجنة بدافع من ابن أخيه، وهو أحد عناصر التنظيم، وعلق على المناهج التي تم وضعها بأنها تجميع من مجموعة مناهج قديمة وإعادة صياغة للأمثلة بما يتوافق مع رغبات التنظيم إضافة للاختصار الشديد. عضو اللجنة في كلامه لأحد أقاربه الذي نقل المعلومات للملاح، قال: "عناصر من ديوان التعليم وعدد من الذين كانوا في لجنة الإعداد هم من المؤمنين بفكر التنظيم ولهم كلمة الفصل في أي وضع للمناهج، وكانت المناهج بمتابعة من رئيس ديوان التعليم الذي كان يشرف على اللجنة بشكل مباشر". الإصدار الذي بثه التنظيم على الشبكات الاجتماعية تحت عنوان "عام على الفتح" في الذكرى السنوية الأولى له في سيطرته على مدينة الموصل، ظهرت واجهة بناية المكتبة المركزية في جامعة الموصل وأبواب قاعاتها الداخلية، وقد تم وضع عناوين مثل "لجنة مادة الجغرافية" و"لجنة مادة الرياضيات" دلالة على أنه مكان وضع المناهج الجديدة الذي اعتبرها التنظيم من أبرز إنجازاته خلال عام من دخوله مدينة الموصل، وهي رسالة للجميع بأنه يبني دولة حقيقية بكل تفاصليها.
مدارس تنظيم الدولة
الملاح رصد في تحقيقه أن مدارس تنظيم الدولة الإسلامية تمتد بين دولتي العراقوسوريا، وتشكل الموصل والرقة حجر الاساس في الاراضي التي تقبع تحت سيطرة تنظيم الدولة، والتي لم تخرج من سيطرة التنظيم منذ دخولها ولا توجد محاولات حقيقية لاسترجاعها أو إخراج التنظيم منها، ما دفع التنظيم لتنفيذ أجندته الخاصة بشكل واضح عن بقية المناطق التي يسيطر عليها. هذه الصور مسربة من مدارس تنظيم الدولة تظهر فيها على لوح التعليم كلمة "كَتَبَ": فعل مضارع لأنه يقبل السين وسوف! ويقول مدرس اللغة العربية "أ. ع"، في ثانوية المدرسين في الموصل، إن مستوى التعليم الذي يقدم اليوم في مدارس تنظيم الدولة لا يمكن أن يقال عنه تعليم أصلاً. ويقول خالد عبدالله، أحد طلاب الإعدادية الشرقية بالموصل، إنه ترك التعليم بسبب خوفه من عناصر التنظيم الذين يزورون المدرسة بانتظام للبحث عن مقاتلين جدد، ما دفعه لترك التعليم والهروب إلى تركيا للعمل. في إحصائيات قام بها الملاح في مدينة الموصل والرقة أكدت أن مدرسة واحدة من بين 3 مدارس لاتزال تعمل، ووجد أن نسبة المدارس التي يديرها التنظيم ولاتزال تعمل تصل إلى حوالي 35٪، وهذا يعكس حجم الإقبال الضعيف من الطلاب وعدم وجود كوادر تعليمية أيضاً، إضافة لعدم اعتراف العالم بشهادات تلك المدارس وضعف المادة العلمية، كما أن خوف الاهالي من تجنيد الابناء دفعهم لمنعهم من الذهاب للمدارس.
جامعات تنظيم الدولة
وفي التعليم الجامعي، وحسب تحقيق الملاح، تعد أبرز الجامعات التي يديرها تنظيم الدولة الإسلامية هي جامعة الموصل والأنبار والفرات، وهي من أبرز وأهم الجامعات العراقية والسورية، وقد أصدر التنظيم من بداية دخوله لمدينة الموصل تعليمات بإلغاء مجموعة كليات وهي "كليات الحقوق، العلوم السياسية، الفنون الجميلة، الآثار، التربية الرياضية، قسم الفلسفة، قسم إدارة المؤسسات السياحية والفندقية". وتعد هذه الخطوة أحد أبرز القرارات التي اتخذها التنظيم بحق التعليم الجامعي. وفي وقت لاحق قام التنظيم بفصل مجموعة الكليات الطبية لتكون خارج "ديوان التعليم" وترتبط مباشرة ب"ديوان الصحة" لتكون المجموعة الطبية التي تضم "كلية الطب العامة، كلية طب الاسنان، كلية الصيدلة" منفصلة عن التعليم لتسمى الجامعة الطبية وفتحت في الموصل والرقة. بينما صدر بيان بفصل الطلاب عن الطالبات وتحديد عدد معين فقط من الكليات المسموح للطالبات بدراستها وهي التربية والمجموعة الطبية. كما توقفت الجامعات الأهلية عن الدوام نهائياً وفتحت مواقع بديلة خارج سيطرة تنظيم الدولة، فكلية الحدباء الجامعة بأقسامها توقفت نهائياً عن العمل داخل الموصل ونقلت عملها الى مدينة كركوك، كذلك كلية النور الجامعة.
أزمة الطلاب
وزاد من أزمة الطلاب إصدار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية كتاباً تعد فيه أي دوام أو امتحانات تحت ظل تنظيم دولة باطلة وغير معترف بها، الامر الذي دفع عدداً كبيراً من الطلبة لترك المدينة والتوجه الى مدن عراقية خارج سيطرة التنظيم للتقديم في امتحانات أعدتها الوزارة العراقية لتكون مواقع بديلة لطلبة جامعات الموصل والانبار وصلاح الدين، بينما لم يحدث تحرك لاحتواء طلاب سوريا من قبل النظام أو المعارضة. وتعد الجامعات تحت حكم التنظيم شبه متوقفة رغم تقليصه عدد سنوات الدراسة لتكون عامين في بعض الكليات و4 سنوات لكلية الطب بدل 6 سنوات، لكن عدم الاعتراف بها والتضييق على الطلبة وعدم وجود مناهج ومدرسين رغم تهديد التنظيم للكوادر التدريسية غير الملتحقة بالدوام بعقوبات تصل إلى القتل ومصادرة الأموال، إضافة لحالة النزوح العامة التي حدثت بسبب دخول التنظيم للمدن التي يسيطر عليها حيث تصل الى التقديرات لنزوح ما يقارب 47٪ من سكان تلك المدن الى خارجها.
ديوان التعليم بقيادة المصري "ذو القرنين"
الملاح أكد في تحقيقه أن ديوان التعليم هو من أول الدواوين التي أنشأها تنظيم الدولة الإسلامية للعناية بموضوع الطلبة من رياض الأطفال وحتى الجامعات، ووضع على رئاسة هذا الديوان شخصية مصرية تعرف ب"ذو القرنين" كما يظهر في توقيعه لكتب والتعليمات الصادرة من ديوان التعليم تحت اسم "مسؤول ديوان التعليم". ويعد ذو القرنين شخصية مثقفة ذات اطلاع واسع، حسب مصادر مقربة منه، وهو ألماني الجنسية من أصول مصرية غادر ألمانيا ملتحقاً بتنظيم الدولة ليشغل هذا المنصب بالذات، وتذكر تلك المناصب عنه أنه متابع قوي ومحاور عنيد، اتخذ ذو القرنين مقراً له في الموصل ويعد المشرف الاول على لجنة وضع المناهج لتنظيم الدولة. قبل إعداد المناهج صدرت تعليمات للمدارس والكادر التعليمي الذي يخضع لحكم التنظيم مفادها تغيير المناهج يدوياً كما مبين بالبيان التالي: ثم فرض التنظيم على المدرسين دورات شرعية بغرض تثقيفهم بما يطلبه منهم التنظيم في تعليم الطلاب في المدارس. وفي وقت لاحق أعلن ديوان التعليم عن حاجته لموظفين بسبب إعفاء موظفين من مناصبهم وتعيين بدلاً عنهم مدرسين يتم إخضاعهم لدورات سريعة لا تتجاوز 60 يوماً قبل بدايتهم العمل كمدرسين ومعلمين في المدارس التي يسيطر عليها التنظيم. . كل هذه التغيرات ولم تصدر الى هذه اللحظة المناهج الجديدة التي يعتقد انها ستكون مفاجأة كبيرة وأنها ستحمل فكر ومنهجية التنظيم.
فترة التعليم في المدارس
15 سنة كفيلة بأن تدخل جامعات التنظيم، حيث أصدر التنظيم تعليماته بتقليص سنوات الدراسة لتكون 9 سنوات بدل 12 سنة كما يتبين في المرفق:
وبعد انتظار دام أكثر من عام على وعود بتغيير المناهج بدأت تظهر تسريبات عن مناهج تنظيم الدولة وكانت أغلفة الكتب أول ما تسرب: ثم ظهرت بعض القصص حول تعليم الطلاب الذبح بالسكين وغيرها من القصص التي لم تستند الى الحقائق وفقط كان الامر دون وقائع حتى بداية العام الدراسي الحالي، حيث لم يستطع التنظيم طباعة الكتب للطلاب، لذلك قام بطباعة الكتب على أقراص مدمجة وتوزيعها للطلبة وهم بدورهم يقومون بعملية الطباعة. خلقت هذه الخطوة حالة من الاستهجان في أوساط الطلبة، ولكنها كانت طريقة جيدة لتسريب المناهج الى الخارج، حيث يمكن بسهولة إرسال المناهج الموجودة على قرص مدمج بصيغة "pdf" وكانت عبارة عن قسمين: القسم الأول: وهو قسم مخصص للأساتذة وليس للطلبة وجاء تحت عنوان "دليل المعلم"، وهو عبارة عن مجموعة توجيهات خاصة بالمعلمين والمدرسين عن كيفية تقديم المادة العلمية، وكذلك عما يطلبه منهم التنظيم من تثقيف حول السلوكيات أو الإرشادات التي يرغبون في تطبيقها في المدارس. القسم الثاني: وهو القسم المخصص للطلبة، ويلاحظ أن التنظيم يضع في كل المواد ما يحاول به تعزيز انه دولة مستقلة ويحاول حتى في الامثلة المطروحة وضع الطالب تحت مفهوم انه ضمن دولة مترامية الاطراف متعددة الاولويات. الباحث العراقي عرض في تحقيقه أمثلة من كتاب مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي كنموذج عن طريقة طرح المناهج للمواضيع. المثال الاول: المثال الثاني: المثال الثالث: المثال الرابع: الملاح أكد أنه لو تصفحت مناهج التنظيم للمراحل المختلفة ستجد عدداً كبيراً من هذه الامثلة توصل لنتيجة واحدة وستخرج لك مقاتلا وليس مهندسا أو طبيبا أو أي شيء آخر. ويرى ناشطون في مجال التعليم وحقوق الطفل أن هناك بوادر كارثية مستقبلاً في التعليم في المدن التي تقبع تحت تنظيم الدولة، وذلك لحجم التسرب من المدارس والضعف في المواد وعدم وجود محفزات لدفع الأهالي لإرسال أولادهم للمدارس خوفاً من التجنيد، الامر الذي يدق ناقوس الخطر حول حجم الامية التي ستكون في بلدين بحجم العراقوسوريا.