أسدلت ابتدائية الدارالبيضاء، خلال الأسبوع الماضي، الستار على قضية الطفل الذي أفقدته عملية ختان خاطئة جزءا من عضوه الذكري، بأن قضت له بتعويض مالي يقدر ب 10 ملايين سنتيم. أسرة الضحية رفضت بشكل قاطع هذا الحكم واعتبرته مجحفا في حق ابنها، مشددة على تشبثها بمراحل التقاضي كاملة من أجل إنصاف ابنها. إلهام الناعوري، والدة الطفل ضحية الختان الفاشل، تقول في حديث ل «الأخبار» إن الجاني يجب أن ينال جزاءه، بعد الأضرار التي لحقت بالطفل والأسرة نتيجة هذا الخطأ الطبي.
«إنه مبلغ مالي لا يغطي مصاريف استشفاء الطفل بفرنسا أو كندا التي ولد بها»، تقول إلهام الناعوري، والدة الطفل ضحية عملية الختان الفاشلة، مضيفة في حديثها إلى «الأخبار» أنها كمهندسة دولة أُجبرت على ترك عملها جانبا والتفرغ لقضية ابنها، الذي وإن فقد جزءا من قضيبه على يد طبيب عمومي، فإنه لن يفقد جزءا من حقه في التعويض المادي والمعنوي، عبر فتح جبهات مواجهة «مختلفة» سواء مع «لوبي» الأطباء الرافض لفكرة مقاضاته على خلفية الأخطاء الطبية، أو مع جهاز القضاء، الذي يميل إلى التسويات الحبية في مثل هذه القضايا، أكثر من ميله إلى إحقاق الحق بالضرب بيد من حديد على الجناة والحكم بالتعويض اللائق للضحايا، حسب تعبير الناعوري. وقالت محدثة «الأخبار»، التي تحمل رفقة ولدها وزوجها الجنسية الكندية، إن الأسرة قررت العودة إلى المغرب استجابة لبرنامج كانت البلاد قد أطلقته لاستقطاب الأدمغة المغربية بالخارج، مضيفة أنه بعد عامين على استقرارها بالدارالبيضاء، قررت إجراء عملية الختان لابنها المزداد في العام 2010.
تواطؤ لأجل طمس الجريمة بالنظر إلى تكوينها العلمي في مجال الهندسة، ارتأت إلهام الناعوري رسم خريطة «طبية» للعملية التي سيقدم عليها ابنها، فعرضته أولا على طبيب للأطفال لإجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة، درءا لأي عارض جانبي قد يصيب الطفل، وبعد ذلك قصدت طبيبا عموميا محملة بملفها الطبي «المتكامل» فاتفقت معه على تاريخ 2 ماي 2013 موعدا لإجراء عملية الختان، وهو التاريخ الذي لم يُؤشر عليه إلا بعد اتصاله بطبيب التخدير، وفق ما أخبر به زبونته. صباح يوم العملية حضرت الأسرة إلى عيادة الطبيب «المعالج» وهي تحمل كاميرا لتوثيق حدث الختان، إلا أن ممرضة مساعدة عرضت على الأسرة اصطحاب الطفل بمفرده لقاعة الجراحة بعد إخبارهم بأن عملية التخدير ستتم عبر ثلاث مراحل. رافق الطفل محمد هاشم الرمضاني ممرضته سليما معافى، وبعد هنيهة خرج إلى والدته شبه مغمى عليه، فصاحت الأخيرة في وجه الممرضة التي أعادته على الفور إلى مكتب الطبيب، وطلبت من الوالدة التريث قليلا. «وأنا أنتظر رفقة زوجي تدخل الطبيب لإنعاش ابننا، لتهييئه لعملية ختان سليمة، سنوثقها بالصوت والصورة وفق ما اتفق عليه، فإذا بالطاقم الطبي ينهي إلى علمنا خبر انتهائه من إجراء العملية، بعد أن اخترق نحيب الطفل جدران المكتب» تقول إلهام الناعوري، مضيفة أن الصراخ والبكاء دليل على إجراء العملية دون تخدير. طلبت المهندسة من الطبيب مدها بتقرير حول العملية للتأكد من حالة «التشوه الخلقي» التي ادعى الطبيب (ف ب) تدخله لمعالجتها، فاستجاب لطلبها لإبعاد شبهة الخطأ الطبي التي رفعتها في وجهه، وعلى وجه السرعة حمل الزوجان ابنهما صوب مصحة خاصة بالأطفال، فأجريا له عملية مستعجلة لإزالة أربع غرز كانت تسد المسلك البولي للضحية، إلا أن «الفظيع تقول الناعوري في حديثها إلى الجريدة، تمثل في رفض طبيب المصحة الإشهاد على بتر جزء من الحشفة، وهو البتر الذي عاينته الأم لدى عرض ابنها على أكثر من طبيب، وشهد بذلك أحدهم، وذلك قبل سماحها بإجراء العملية التي اكتفى الطبيب ذاته بوصفها «جرحا سطحيا». أمام حالة الشد والجذب بين الأم «المفجوعة» في ولدها وبين فريق مختلف من الأطباء، أبدى عناصره شبه تضامن بينهم لطمس معالم «الجريمة» تقول الناعوري، قررت التوجه صوب القضاء فطلبت في شكاية موجهة إلى وكيل الملك بابتدائية عين السبع، متابعة الطبيب (ف ب) الذي أجرى العملية، بناء على الفصل 433 من قانون المسطرة الجنائية، الذي يعاقب على الجرح غير العمد، وبناء كذلك على الفصل 434 الذي يقول بتشديد العقوبة في بعض الحالات. استجابت النيابة العامة للطلب الأول وأبعدت الفصل الثاني، رغم إلحاح الطرف المشتكي على الفصل الثاني، مدليا للمحكمة بشهادة طبية لجراح للأطفال يقر فيها ببتر جزء من قضيب الطفل، وحدث أن تابعت النيابة العامة الأم المشتكية بتهمة التشويش على المحكمة، فأصدرت في حقها حكما غيابيا بأداء غرامة تصل إلى 400 درهم.
صدمة الخبرة والتقاضي في 17 مارس 2014 قضت المحكمة في الدعوى العمومية بإدانة الطبيب (ف ب) بثلاثة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ، بينما قضت في الدعوى المدنية بحكم تمهيدي يقول بعرض الطفل الضحية على الخبرة الطبية لتحديد نسبة العجز الجزئي أو الدائم، والكلي أو المؤقت، مع بيان مدى تأثيره على وظائف الجهاز التناسلي للطفل، وبيان نوعية التشويه وما إذا كان مهما أو على درجة من الأهمية أو مهما جدا، وفق ما جاء في نص الحكم، الذي تتوفر الجريدة على نسخة منه. رفض خبير أول قبول النظر في الموضوع، فتم تعيين خبير ثان بالمحكمة العسكرية بالرباط، كان هو الآخر قد رفض الاستجابة لإرساليتين من النيابة العامة، مؤرختين في 18 يونيو 2014 و8 شتنبر 2014، لم تجد المعنية بعدها بدا من اصطحاب مفوض قضائي، شهد برفض إدارة المستشفى التوقيع على توصلها بالملف الطبي للضحية. بعد طول انتظار، حدد الخبير العسكري، الكولونيل ماجور ( م ع )، الذي يرأس قطب الكلي والمسالك البولية، 8 يناير الماضي موعدا لعرض الطفل الضحية عليه، وما إن حل الموعد حتى حملت الأم ابنها وملفا طبيا معززا بخبرة فرنسية وأخرى كندية، تؤكد على عدم وجود تشوه خلقي كما ادعى الطبيب الخصم، وتؤكد الخبرة الأجنبية ذاتها على وجود خطر مدى الحياة يتعلق بانسداد المسالك البولية، ناهيك عن عاهة دائمة. بعد الانتهاء بعث الخبير العسكري بتقريره إلى المحكمة، فاعترضت الأسرة لأسباب عديدة منها أن معاينة الطفل تمت في 8 يناير 2015، والحال أن الخبرة مؤرخة بتاريخ 24 مارس 2013، وهو تاريخ يسبق تاريخ ختان الطفل أصلا، ناهيك عن كون الخبرة نفسها تشير إلى وجود «نذب» وليس بترا لجزء من القضيب. أسباب دفعت محامي الأسرة إلى الطعن شكلا ومضمونا في الخبرة بناء على الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية، مطالبا بإجراء خبرة ثلاثية تهم الجوانب النفسية والجنسية وجانب المسالك البولية للضحية. في الأسبوع الأول من الشهر الجاري أُدخل الملف للتأمل، ويوم الاثنين الماضي قضت المحكمة بفرض تعويض على المشتكى به، يقدر ب 10 ملايين سنتيم، وهو ما أغضب أسرة الضحية، التي تساءلت عن مصير طلبها رفض الخبرة، تقول الناعوري مضيفة أن المحكمة لم ترد على النقطة ذاتها سواء بالرفض أو بالقبول، قبل أن تختم بأنها ستتوجه إلى استئناف القضية بعد طلب فتح تحقيق فيها من قبل وزارة العدل.