كثيرة هي الوقائع والأحداث التي تحدث في مجتمعنا ويذهب ضحيتها أناس تدخلوا فقط لفض المنازعات بين المواطنين فأصبحوا في عداد الموتى أو المصابين أو المسجونين... إذ هناك حالات كثيرة لمغاربة تدخلوا في منازعات لإصلاح ذات البين ورأب الصدع ونبذ العنف فأصيبوا بإعاقات جسدية أو جروح بليغة... فأصبحت قصصهم يضرب بها المثل بين الأسر كوسيلة تحذيرية من مغبة التفكير في الانخراط في فض نزاع ما مستقبلا، لذا فمعظم المغاربة، اليوم، يتخوفون من فض المنازعات، إذ تجدهم يكتفون ب«استلذاذ الفرجة» بدل استقباح الفعل الذي يتناقض مع قيم وثقافة المجتمع المغربي، الأمر الذي ينذر، بحسب المتتبعين، بأزمات اجتماعية سببها غياب ثقافة الصلح وانتشار ثقافة العنف، في ظل تراجع دور المؤسسات التعليمية ودور الشباب ودور المجالس العلمية التي يجب عليها في هذه الظرفية أن تزكي مشاعر المصالحة بين المغاربة، خاصة الشباب والمراهقين. جا يفك مات لم تكن فاطمة «اسم مستعار» التي تقطن بالمدينة القديمة في الدارالبيضاء (44 سنة) تعتقد أن نهايتها ستكون على يد ابن حارتها، إذ فاجأها الموت على حين غرة، إثر نزاع نشب بين أبناء حيها، وتطور إلى استعمال سيف من الحجم الكبير غرس في بطن فاطمة بالخطأ بعد أن تدخلت «باش تفك»، فغرقت في بحر دمها وغرق الحي في حزن شديد لما ألم بسيدة لم ترد سوى الخير لأبناء حيها فكانت نهايتها مأساوية، بحيث وجدت جثتها في مستودع الأموات بإحدى المستشفيات بالعاصمة الاقتصادية والناس يسردون قصتها «جات تفك ماتت». ليست فاطمة هي الضحية الوحيدة التي لقيت حتفها بهذه الطريقة، إذ أن هناك العديد من الحالات التي يؤسف لها ويتداولها الناس في حديثهم، منبهين أبناءهم من عواقب “الفكان”. عتيقة، مثلا، تنصح أبناءها دائما بالابتعاد عن “المضاربات”، قائلة “دخل سوق راسك أولدي هادشي وراه غير البلا والمصايب”، فيستمع الابن لكلام أمه لأنها في الأخير تريد مصلحته وتجربة الزمن علمتها أن “لي تيفك تيعاني من بعد”. ومن الحالات الأخرى، نجد قصة با عمر، مسن كان يشتغل “كواي”، ذات يوم اشتغل على غير عادته في إصلاح بعض الأواني المعدنية مستعملا آلة “الشاليمو” وقنينة غاز يذيب بها قطعا معدنية لسد ثقوب تلك الأواني، مستغلا مساحة ضيقة بزاوية أحد الأحياء في الحي المحمدي في الدارالبيضاء حيث يوجد “حانوته” البسيط، سمع با عمر صوت الضجيج يتصاعد، فإذا بأحد المارة يخبره أن جيرانه في عراك شديد، نهض مسرعا من محله، صاعدا الدرج، لعله يستطيع أن يفك النزاع قبل وقوع الكارثة، فإذا بضربة عصا تفاجئه مباشرة على الرأس ليسقط في الحال ميتا. وبأحد الأحياء في العاصمة، أيضا، كان هناك بائع “كرموس” يستقبل زبناءه يوميا بالقرب من إحدى المدارس، وفي ذلك اليوم “المشؤوم”، يروي أحد المواطنين، لمح أحد الأشخاص برفقة فتاة قيل إنها خليلته، كان يتشاجر معها ويضربها وهو في حالة هستيرية، فلم يصبر “مول الكرموس” وقام بمحاولة ثني المعني بالأمر الذي قيل إنه كان “مقرقبا” عن الاستمرار في ضرب الفتاة التي كانت برفقته، لكن الأمر تطور فجأة وذهب “المقرقب” إلى عربة “الكرموس” وأخذ السكين وأجهز به على مول الكرموس الذي سقط في الحال مضرجا في دمائه في منظر آلم كل من شاهده. وبعيدا عن الدارالبيضاء، نسرد حالة وقعت في وقت سابق جنوب المغرب، تحديدا بمدينة انزكان، حين دخل شخصان في نزاع قرب ضريح سيدي الحاج مبارك لأسباب تافهة، إذ يقول مصدر من المنطقة إنهما شرعا في تبادل اللكم والضرب، حينها كان هناك شخص يشتغل في نقل البضائع مستعملا عربة يدوية بسوق الجملة للخضر والفواكه، يمر بالقرب منهما، فلما استرعاه أمر المتنازعين هب لفض النزاع بينهما وثنيهما عن مواصلة الخصام وتبادل اللكمات، دون أن يظن أن ذلك سيكون سببا في وفاته بعد تلقيه ركلة طائشة من رجل أحدهما، وجهت بالخطأ إلى جهازه التناسلي، وكانت كفيلة بإسقاطه جثة هامدة تاركا وراءه أسرة مشردة بدون معيل. دير خير ما يطرا باس معظم الأشخاص الذين يتدخلون لفض النزاعات تجدهم عند انتهاء النزاع يقولون: “دير خير ما يطرا باس”، في إشارة منهم إلى أن ذلك الفعل الذي كان يعد خيريا في نظرهم تحول إلى وبال عليهم وعلى عائلاتهم، فإذا كان فض النزاعات ومحاولة الصلح بين المتخاصمين، في السابق، يتم بسهولة ويسر، فاليوم، يقول علماء الاجتماع، “المضاربات” اختلفت وأصبحت همجية أكثر وعنيفة بشكل قوي، تستعمل فيها مختلف الوسائل التي قد تؤدي إلى القتل “كالسكاكين والعصي والقنينات الزجاجية والحجارة” الأمر الذي يجعل المرء يتردد في الإقدام على خطوة التدخل لفض نزاع ما. وإذا كانت هناك حالات لأشخاص عرفوا بقوتهم في فض هذه النزاعات، إذ يهابهم المتخاصمون بفضل سلطتهم أو نفوذهم أو هيبتهم التي ترتبط إما بالسن أو بدرجة التدين، فإن أعداد هؤلاء بدأت تتضاءل، فمعظم الناس أصبحوا، عند وقوع مشادة كلامية أو بالأيدي، يفضلون الفرجة من بعيد دون التدخل، كما تجد في بعض الأحياء، خاصة الشعبية منها، النساء عند سماع أصوات الشجار يبدأن في مناداة أبناءهم قصد الدخول إلى البيت خوفا من تطور الأحداث ووقوع مالا تحمد عقباه. النسبة إلى سعيد فإن التدخل لفض النزاع هو رد فعل نابع من أخلاق الشخص، أولا، ومن حبه للخير، ثانيا، لهذا يقول إنه هو، أيضا، لم يسلم من نتائج “الفكان”، حادثة سعيد وقعت قبل تسع سنوات عندما أفرط شباب من منطقة “كريان سنطرال” في شرب الخمر، فبدؤوا في السب والشتم ثم دخلوا في الشجار والصراع، خرج سعيد الذي لم يستطع النوم وبدأ في تهدئة الشبان الهائجين لأنه ابن حيهم وهم يحترمونه، لكن الرياح تجري في بعض الأحيان بما لا تشتهي السفن، يتابع سعيد، فضربة عصا صوبها شخص إلى جبينه جعلته يسقط أرضا ويدخل في غيبوبة نقل بعدها إلى المستشفى بعدما أصيب بجرح غائر تطلب تجميله 9000 درهم. الآن سعيد، وبعد مرور تسع سنوات، ندم على تدخله لأنه لم ينتظر عواقبه، ولكن مع ذلك مازال لم يتعلم من الدرس، يتابع ضاحكا، فبعد انتقاله مؤخرا إلى الهراويين، يضيف، وجد طفلين يتشاجران فنهاهما عن ذلك، ولما هم بالرحيل تفاجأ بأحدهما يقوم بضربه بالحجارة، ثم لحقت به عائلته المكونة من أخواته الثلاث “أشبعوني سبا وشتما مع العلم أنني لم أفعل سوى الخير، وكانت الأمور ستتطور لولا تدخل بعض السكان”، يقول سعيد. عبد الرحيم “سائق طاكسي” لم يسلم هو أيضا من مصائب تدخله من أجل فض النزاعات، فذات مرة يحكي أنه كان في محطة وقوف سيارات الأجرة يحتسي كأس الشاي كالمعتاد، فإذا بصديقه، سائق طاكسي أيضا، يصل إلى المحطة وهو في عراك مع زبون، فتدخل عبد الرحيم لكنه أصيب في ذراعه بكسر نتيجة ضربه بقطعة حديد. المخاطرة دون إدراك العواقب عدد ضحايا فض النزاعات في المغرب في تصاعد مستمر بسبب حالة العنف التي أصبحت تسود نفوس الشباب، والتي تتداخل فيها مجموعة من العوامل الاجتماعية والتربوية والدينية والتكنولوجية... بحيث أصبحت النفوس، بحسب البعض، لا تحب الخير لغيرها، فازدادت حدة الأحقاد واستحوذ “الشر” على بعضها حتى أصبحت لا تفكر إلا في ما هو أسوأ، لا تهاب الموت ولا تخاف السجن. في المقابل، هناك صنف خير يعيش في المجتمع يحب الخير لغيره ولا يقبل مظاهر العنف داخل المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه، غير أن هذا الصنف في بعض الأحيان قد لا يدرك مخاطر تدخله لفض النزاع إذا ما أقدم على بذلك دون تخطيط مسبق، كحالة صابر بدرب مولاي الشريف في الحي المحمدي بالدارالبيضاء، الذي مازال “أولاد الحومة” يتداولون قصته. قصة صابر، الذي أصيب بإعاقة في إحدى يديه، تعود إلى نزاع كان قد نشب بين جزار بالحي وأحد الزبائن، الضحية تدخل من أجل فض النزاع، فقام بدون إدراك بمسك السكين من الجهة الحادة فبترت يده وأصبح معاقا. بالدارالبيضاء، أيضا، وبالقرب من مقهى في الحي المحمدي كان يجلس عبد السلام “اسم مستعار” بجانب محله لبيع الملابس الرياضية، عندما استرعى انتباهه شاب يتحرش بفتاة، فقام من مكانه مطالبا الشاب بالانصراف بطريقة حبية، ناهيا إياه عن الفعل غير الأخلاقي الذي يقوم به، فما كان من الشاب الطائش إلا أن بدأ في شتم صاحب المحل بكلام ساقط، واسترسل في ذلك حتى استفزه وحاول ضربه فقام صاحب المحل بمطاردته، فإذا بأم الشاب تأتي من الوراء، بعد علمها بخبر النزاع، وتقوم بضرب الشاب بحجر على مستوى الرأس سقط بسببه أرضا، وليس هذا فحسب، بل إن ابنها الطائش حمل بدوره حجرا كبيرا وضرب الشاب في ذقنه ولم يرحم حالته وهو مغمى عليه، حالة من بين حالات تصف حدة الغليان الذي أصبحت تعيشه معظم الأحياء والذي ينذر، بحسب المتتبعين، بكوارث إن لم تتجند هيئات المجتمع المدني للتنديد به. في المنازعات التي يكون مسرحا لها الأحياء والشوارع في المدن المغربية نجد بأن الأطفال، في بعض الأحيان، يكونون من ضمن مسبباتها، بحيث تجد في بعض الأحيان أن صراعا عنيفا قام بين أفراد أسرتين سببه لعب أطفال، كاحتكاك بين أطفال في إحدى الحدائق بالعاصمة الاقتصادية تسبب في مشاجرة بين أولياء أمورهم، والسبب هو أن والد أحد الطفلين اعتدى بالضرب على الآخر وتشابك معه، فجاء والد الطفل المضروب وبدأ في الشجار رافضا ما تعرض له طفله، والغريب في الأمر أنه بعد تطور الصراع بين الوالدين بدأ طفلاهما يتدخلان من أجل إيقافهما، فتدخل أحدهما وقام بركل الطفل بدون إدراك فسقط مغمى عليه، لكن من حسن الحظ أن الدوريات الأمنية كانت موجودة بعين المكان، حيث أحضرت عناصر من الوقاية المدنية الذين قاموا بإنقاذ الطفل وتم فتح تحقيق في الموضوع. وفي مراكش تحول شجار بين تجار سوق الجملة للخضار إلى جريمة قتل هزت المدينة، أسبابها تعود إلى نشوب شجار بين تجار في سوق بسبب الاختلاف في أسعار بعض الخضار، فتحول الأمر من نقاش إلى عراك ثم إلى قتل أحد الباعة الذي وجهت له ضربة قوية بواسطة آلة حادة أدت إلى شق رأسه بينما جرح تجار آخرون حاولوا فك النزاع . جا يفك دخل الحبس الأشخاص الذين يحاولون التدخل بين شخصين متنازعين قد يتحولون، بقدرة قادر، إلى “ضحايا”، وينتهي بهم الأمر إلى أداء ضريبة هذا التدخل الذي يكون أساسه فعل الخير، وإجراء الصلح وفض النزاع أو الخلاف بطرق حبية بعيدة عن العنف، إلا أنه في حالات يسوء الوضع ويصبح المتدخل طرفا ويجني على نفسه بنفسه، وقد تتطور الأمور ويصبح جانيا تلفق له التهمة بدلا عن غيره، كما هو الشأن بالنسبة إلى بعض الحالات التي سنقدمها من خلال هذه السطور . المكان مدينة مكناس، الزمان زوال يوم مشمس من شهر رمضان الأخير، حين هاجم لص أحد المواطنين الذين كان يتمشى في أحد شوارع المدينةالجديدة “حمرية” وسطا على هاتفه النقال ولاذ بالفرار كالبرق، لم يستطع الضحية، آنذاك، ملاحقة هذا اللص الماكر، ما جعل أحد الشبان من الذين عاينوا هذا الحادث يتطوع لملاحقة المتهم وجرى وراءه لمسافة طويلة تمكن من خلالها من وضع يده على هذا اللص بعد مجهود بدني كبير، إلا أن المفاجأة “المصيبة” هي أنه حين أحكم فاعل الخير قبضته على هذا اللص وبقي ينتظر قدوم الضحية من أجل أن يتسلم هاتفه النقال، سقط المتهم جثة هامدة بين يدي فاعل الخير الذي بقي مندهشا لهول ما رأته عيناه، وهو الشاب الذي يعرف بسلوكه الحسن ويشق مستقبله الدراسي بثبات، والذي لم يكن يتخيل يوما بأن إقدامه على فعل الخير سيزج به وراء القضبان وسيعرضه للمتابعة والمحاكمة. حالة أخرى بنفس المدينة، وهذه المرة بالحي الشعبي النزالة الرداية، ففي شهر رمضان سنة 2009 نشب نزاع بين شخص متهم بترويج المخدرات وبعض الجيران، تحول إلى مواجهة وتشابك بين هؤلاء الأطراف، أحد الجيران فاعل خير تدخل، آنذاك، من أجل الصلح وثني المتخاصمين عن تبادل الضرب بينهم، لكن ذلك التدخل كلف صاحبه كثيرا وانتهى به المطاف وراء القضبان أيضا، فضربة طائشة وجهت لمروج المخدرات تسببت في إسقاطه جثة هامدة بين يدي الجار المتدخل، حيث قضى بسبب ذلك أربع سنوات في سجن تولال بتهمة سببها التدخل من أجل فعل الخير فض نزاع جيرانه. كما كلف الحادث، أيضا، متدخلة أخرى في الصلح بين المتنازعين وهي أم زوجة الضحية- كلفها- نصيبا من المعاناة الصحية وأدت ثمن هذا التدخل بتعرضها لجروح بليغة وأضرار صحية بسبب ضربات طائشة تلقتها من طرف المتنازعين .
وبالعودة إلى مدينة الدارالبيضاء، هناك حالة غريبة بطلها سائق دراجة نارية كان في طريقه إلى العمل فاصطدمت به سيارة، فنشب بينه وبين سائقها شجار، تطور إلى عراك ليفاجأ سائق الدراجة بمتدخل شاب حاول إنهاء الشجار، يقول حسن، الذي كان يهم بضرب سائق السيارة بخوذته في لحظة غضب: “فوجئت بأن الضربة أسقطت المتدخل لفك النزاع أرضا”، أصبح حسن في موقف لا يحسد عليه، وهو ينظر إلى ما تسببت فيه يداه بدون قصد، سقط الضحية أرضا مضرجا في دمائه وقد أصيب بكسر في أنفه، نقل على إثره إلى المستشفى، بعدها، يضيف حسن، ذهب لزيارته في المستشفى إلا أنه أصيب بالذهول عندما طالب الضحية بتعويض مادي قدره 4000 درهم، فاعتبر حسن أنه يساومه علما أنه يؤكد أنه أراد منحه مبلغ 2000 درهم على اعتبار ضعف مدخول حسن المادي. مضت أيام بعدها لتأتي الشرطة لمنزل سائق الدراجة من أجل تهمة محاولة القتل يتابع المتحدث “قضيت ثلاثة أيام طالع نازل في المحكمة وكدت أسجن لولا تدخل عائلتي التي أدت حوالي 20000 درهم في المحكمة”. د. عبد العلي بنيعيش*: يجب تدريس فلسفة التربية في المناهج التعليمية لتحقيق الصلح واللاعنف بين المواطنين - ما هي الدوافع التي تجعل المغاربة يتدخلون لفض النزاعات دون إدراك للعواقب؟ عندما يتدخل الإنسان لفض المنازعات فهو يرفض مظهرا من مظاهر التصادم داخل مجتمع مسلم له ثقافة وتراث، فهذا التدخل يكون من منطلقات أخلاقية ودينية وتربوية سلوكية... فهذا الشخص يرفض مظاهر السلبية على المستوى الذاتي وعلى المستوى الاجتماعي، لذلك فأنت تجده ينزع للخير ويعتبر بأن النزاع أو الصراع يدخل ضمن الرذائل والمعاصي، لهذا تجده دائما يحاول أن يقوم بإصلاح ذات البين، فهو شخصية توافقية داخل المجتمع بسمته الإنسانية الاجتماعية التي تجد فيها صفات العطف والحنان والرفق . أما على المستوى الاجتماعي، فهو يعتبر تدخله شيئا ضروريا لأن النزاع يخل بسمعة الوطن لذا فتدخله لوقف المنازعات وحتى الملاسنات في بعض المرات، يعد في نظره تدبيرا قبليا قبل وقوع الأسوإ وتطور الصراع إلى جريمة قتل أو اغتصاب أو سرقة أو ربما عاهة مستديمة. هذا المتدخل يتوهم، أيضا، بأنه في مكان الطرف الأضعف ومن أجل الحفاظ على توازن القوى فهو يحاول، من باب الإنصاف، إنقاذ الطرف الضعيف لأن الطرف الآخر استأسد عليه. - ما هي الآثار الناجمة عن التدخل لفض المنازعات؟ يقال: إذا أقدمت على أمر فتدبر عواقبه، فبلا إدراك لعواقب التدخل لفض المنازعات يكون الإنسان مقدما على المخاطرة بحياته، لذلك فعلى المتدخل أن يراقب ميزان القوى ويخطط بحذر قبل الإقدام على خطوته، خاصة إذا كان هناك استعمال لأدوات حادة في النزاع، لهذا نجد بأن كثرة الإصابات التي يتعرض لها من يقدمون على التدخل لفض النزاعات أصبحت تبعد الآخرين عن التدخل فتولد عند المغاربة عزوف على التدخل، فعمت السلبية النفوس وأصبح المرء مدركا أنه في حال الاعتداء عليه لن يجد من ينقذه إلا من رحم ربي. إذن، ما نعيشه اليوم من عزوف عن التدخل لفض المنازعات هي ثقافة دخيلة بسبب التحولات التكنولوجية والتشتت الأسري والفكري، ففي سنوات السبعينات كان الجار ينوب عن الأب في حال وقوع نزاع بين أبناء الجيران، أما اليوم فقد أضحى هناك استلذاذ „للمضاربة“ والاقتصار فقط على الفرجة، في الزمن الجميل كان الناس يحترمون الأكبر منهم سنا أما اليوم فقد اختلطت الأمور. - ما هو الحل إذن؟ في السابق كان للزوايا دور كبير في الصلح بين الأطراف المتنازعة بحيث كانوا يجنبون الناس الكثير من الاصطدامات، فتراجع الثقافة الروحية وغياب الدور التربوي والسلوكي للمدارس التعليمية جعل مثل هذه الظواهر السيئة تطغى على المجتمع المغربي في تناقض مع تقاليده وثقافته ودينه، لهذا فإن المدارس والمؤسسات التعليمية يجب أن تنخرط في زرع مبادئ التصالح داخل المجتمع فضلا عن دور رجال الأمن الذين تراجعوا عن أداء دورهم فهم لا يتدخلون في المنازعات حتى تقع الجريمة . من الحلول، أيضا، إعادة التوازن الاجتماعي من خلال الانخراط في أنشطة جماعية تمتص العنف الاجتماعي وتمتص اللامساواة واللا توازن من خلال بناء دور الشباب والمركبات الثقافية ... من الحلول، أيضا، أن على الدولة والمجتمع أن يسعيا لتكريم وتقدير وتحفيز كل متدخل إيجابي لإيقاف صدام أو فض نزاع أو تحقيق مصالحة بين الأطراف المتنازعة، كما يقتضي أن تدرس مواد باسم علم فض المنازعات أو فلسفة التربية على تحقيق الصلح واللاعنف بين المواطنين.