بعد مرور نصف المدة المخصصة لعملية الإحصاء العامّ السادس للسكان والسكنى، الذي انطلق في الفاتح من شتنبر الجاري ويستمر على غاية ال20 منه، تتوقف «الأخبار» عند مجموعة من الطرائف والتخاريف التي صادفت العملية، بدءا من تحضير وإنجاز هذه العملية وصولا إلى تنزيل التعليمات ميدانيا وما رافقتها من اختلالات لم تكن في حسبان مندوبية الحليمي. على امتداد مسار العملية، ظل هاجس الخوف يطارد أغلب المكلفين بإحصاء الناس، منهم من تعرض للإهانة من طرف المستجوبين ومنهم من طاردته الكلاب ومنهم من سلبت أمتعته ومنهم من وجد نفسه في مواجهة مواقف لم تكن المندوبية السامية تتوقعها. «الأخبار» ترصد أبرز المواقف التي جعلت عددا من الباحثين في عداد ضحايا عملية أريد لها أن تكشف عن المعيش اليومي للسكان، قبل أن تكشف عن الجانب الخفي في مجتمعنا. ممنوع من الإحصاء لأسباب سياسية جاءت أول انتفاضة ضد العملية الإحصائية من المنطقة الشرقية، حين أصدرت المندوبية الجهوية للتخطيط قرارا بمنع الكاتب العام لحزب الحركة الشعبية بجماعة ادريس القاضي في وجدة، من الانضمام لفريق عمل الإحصاء العام للسكان والسكنى، بمبرر ممارسته «عملا سياسيا» بحكم انتمائه لحزب سياسي. ولأن المبرر «السياسي» أسقط الرجل من لائحة الباحثين، فإنه تقدم بشكاية مباشرة إلى والي الجهة الشرقية، تحدث فيها عن سوابقه الإحصائية في مختلف مراحلها منذ سنة 1982، وعن خبرته الميدانية الطويلة، وأن قبعته السياسية لا تتعارض مع المهمة، حيث أن مشاركته في «الاستحقاقات الإحصائية» تمت تحت ألوان أحزاب سياسية دون أن تفسد السياسة للود قضية، مشيرا إلى انتمائه لحزب مشارك في الحكومة ولا يخضع لأي شكل من أشكال المنع. وجه المعني شكوى مماثلة للنائب الإقليمي لوزارة التعليم في أفق التحقيق في سر إسقاط اسمه من لائحة الباحثين والمراقبين، وأصر على إحصاء السكان والسكان رغم أنف المندوبية السامية، ولأنه رجل تعليم فقد اعتبر المشاركة في العملية واجبا وطنيا وحرمانه منها تشكيكا في وطنيته، لكن المندوبية تمسكت بموقفها خوفا من استغلال الإحصاء في إحصاء الأصوات.
كلاب تهاجم المكلفين بالإحصاء في الأيام الأولى من العملية تعرض أحد المكلفين بعملية الإحصاء في عمالة إقليم إنزكان، لجروح وصفت بالخطيرة، بعد أن هاجمه كلب من فصيلة «بيتبول». رمى الباحث محفظته وحاول الفرار من مخالب الكلب الشرس الذي يوجد في ملكية رجل تعليم. تم نقل الباحث على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات بمستشفى إنزكان، حيث حقنه الطاقم الطبي بلقاح ضد سعار الكلاب بينما اختفى الكلب عن الأنظار، بالرغم من حضور رجال الأمن إلى منطقة القليعة «مسرح الجريمة» والشروع في التحقيق حول ملابسات الحادث، ومكان اختفاء الجاني، حيث استنفر قائد المنطقة بتنسيق مع الشرطة كل الإمكانيات للبحث عن الفاعل الهارب، في الوقت الذي عينت المندوبية الجهوية للتخطيط بديلا للباحث المصاب. لم يكن باحث القليعة هو المستهدف من هجوم الكلاب، فقد تعرض باحث إحصائي لهجوم فيلق من الكلاب الضالة في ساعة مبكرة من الصبح في الأحياء الجانبية لمنطقة الدروة، مما جعله يستنجد بعربة نقل أزبال مكنته من الإفلات من «كمين» كاد أن يحوله إلى «وجبة فطور».
الوزيرة تنتفض ضد استمارة الحليمي بعد أن انتقدت الوزيرة شرفات أفيلال حملة تحدي دلو الماء والثلج، التي أطلقها المشاهير وانخرط فيها البسطاء، عادت الوزيرة المكلفة بالماء، والتي تعتبر من أكثر الوزيرات، «شغبا» في تشكيلة عبد الإله بنكيران، لتثير الاهتمام إلى قضية الإحصاء العام للسكان والسكنى، وتدلي بدلوها في هذه القضية التي لا تدخل في إطار اختصاصاتها، حيث قالت في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي إنها «فوجئت بل صدمت أثناء استقبالها للمكلف بالإحصاء في اختزال دورها فقط في الزوجة في حين خصصت للأب مسؤولية رب الأسرة». قدر المكلف بالإحصاء قاده إلى منزل الوزيرة التي فتحت معه نقاشا معمقا وأعلنت عن ثقوب في جدار الاستمارة، مؤكدة أن مسؤولية الأسرة مشتركة بين الرجل والمرأة وفق مقتضيات مدونة الأسرة، متسائلة: «لماذا نزحف ضد التيار؟»، لتختم مداخلتها بعبارة «الله يهدي من خلق». لم يجد الباحث بدا من الاعتراف بأن مهمته هي ملء الاستمارات وليس مناقشتها، وحين غادر المكان ردد في قرارة نفسه «قدمي دفوعاتك سيدتي الوزيرة لرئيس الحكومة وليس لعبد مأمور مثلي».
بورجوازي يكلف بستانيا بالرد على أسئلة الباحثين يقول المهدي، وهو باحث ضمن فريق الإحصاء العام للسكان والسكنى بالدارالبيضاء، إنه يعاني من صعوبات في استكمال ملء الاستمارات، لأن وجوده في أحياء راقية فوت عليه فرصة القيام بعمله على الوجه المطلوب، فغالبية سكان الحي المصنف في خانة المنطقة البورجوازية، لازالوا يقضون عطلهم خارج الدارالبيضاء ومنهم من يفضل الاستماع بالبحر في سكن بحري للاستجمام ولا يعودون إلى سكناهم إلا في الليل، وحتى الذين يقيمون في هذه الأحياء يرفضون رفضا تاما استقبال الباحثين بدعوى عدم وجود وقت كاف للرد على أسئلة عديدة. يقول المهدي الذي خبر تضاريس العملية الإحصائية من زمان، إن كثيرا من السكان يحرصون على معاملة فريق الإحصاء بتحقير ظاهر، وفي أحسن الأحوال باستخفاف، «طرقنا ذات صباح باب فيلا فقابلنا صاحبها فشرحنا له المغزى من العملية، لكننا فوجئنا بمناداته على بستاني كان منهمكا في تشذيب العشب ومنحه تفويضا للرد على أسئلتنا بنبرة استفزازية». ويعاني أغلب المكلفين بالعملية الإحصائية داخل الأحياء الراقية، من إشكالية التواصل مع «علية القوم»، لذا فهم يعودون إلى قواعدهم حاقدين على التصنيف الطبقي، وعلى فئة تعتبر نفسها خارج الانتماء للمحصيين.
معركة بين زوج وحماته بسبب سوء فهم للعملية ساهمت عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى في اندلاع خلافات أسرية، خلال الرد على أسئلة الباحثين أو حول من له صلاحية الإجابة على الاستفسارات، لكن ما حصل في دوار الصهد بمدينة تمارة يستحق الوقوف عنده، ذلك أن الاستمارة قادت أفراد أسرة إلى مخفر الشرطة، بعد أن نشب خلاف بين زوج وحماته تحول إلى ملاسنات ثم إلى معركة بالأيدي والأقدام بسبب الإحصاء. حسب «الأخبار» المستقاة من عين المكان، فإن الزوج الذي كان منخرطا في الرد عن استفسارات الباحثين، تلقى سؤالا حول الأشخاص الذين يتقاسمونه السكن والذين يقطنون معه في نفس البيت الصفيحي، فصرح بأنه مقيم في بيته رفقة زوجته فقط، «الأمر الذي أثار حفيظة حماته التي ظنت أنه إحصاء من أجل إعادة إيواء قاطني هذا الدوار الصفيحي، حيث احتجت بشدة وقالت إنها تقطن بدورها رفقة ابنتها، ما خلف حالة من الصراع تحولت إلى تبادل للضرب، فقررت الانصراف» يقول شاهد عيان من فريق الباحثين. عصيان مدني ضد الإحصاء في منطقة تمازوزت بضواحي مراكش، اضطرت القوات المساعدة مدعمة بأعوان السلطة إلى التدخل بعنف ضد أشخاص رفضوا المشاركة في عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى، «وجاء رفض الشيوخ للمشاركة في الإحصاء تعبيرا عن الإقصاء الممنهج الذي تعيشه منطقتهم، التي تنام وتستيقظ على وقع الحرمان والخصاص». وقال مصدر حقوقي إن الغريب في حملة العصيان هاته أن مدبريها رجال طاعنون في السن أمازيغ لا خلفية ولا مرجعية سياسية لهم، علما أن جماعة تمازوزت يرأسها محام وبرلماني ينتمي لحزب الاستقلال. وشرعت السلطة في البحث عن دواعي العصيان، وما إذا كانت القضية تتعلق بدعم داخلي أو خارجي، من شأنه تأجيج الصراع القبلي أو السياسي، ليتبين أن النية سليمة وأن القضية لا تتجاوز رد فعلي طبيعي ضد إسقاط منطقتهم من مشاريع التنمية وحرمانها من مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
تحرش جنسي يحول البحث إلى معركة شهدت مدينة تطوان وتحديدا حي طابولة الشعبي واقعة طريفة، حين تعرض باحث في عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى لهجوم من طرف شاب من نفس الأسرة موضع البحث. أصل الخلاف شروع شاب وسيم ضمن فريق الباحثين في استجواب فتاة تنوب عن والدتها في الرد على أسئلة الباحث، وحين سأل الشاب الفتاة عن سن أخيها حاولت هذه الأخير استفسار أمها عن التاريخ الحقيقي لميلاد شقيقها إلا أن هذا الأخير فاجأ الباحث بهجوم لاذع وبكلمات نابية متهما إياه بالتحرش بشقيقته وطالبه بإخلاء المكان قبل أن يشرع في توجيه ضربات للشاب الذي غادر المكان. ولم يكتف المعتدي بطرد الباحث واستحضار قاموس البذاءة، بل ركب شاحنته وطارد المكلف بالإحصاء بين دروب وأزقة طابولة، وشرع في رشقه بالحجارة مسببا له إصابات على مستوى الوجه وباقي أنحاء من جسده. في ظل هذا الوضع نظم المشاركون في العملية وقفة احتجاجية أمام العمالة منددين بالاعتداءات التي طالت عددا منهم مطالبين بتوفير الأمن لهم وضمان حقوقهم المعنوية. سرقة هاتف باحث في أول يوم للإحصاء في منطقة مغوغة بمدينة طنجة، استهل باحث في مجال الإحصاء عمله خلال أول يوم من العملية بسرقة هاتفه الذكي المحمول، وذلك تحت التهديد بالسلاح الأبيض، حيث تمت محاصرته من طرف شابين يحمل كل منهما سيفا، حيث تحول الباحث إلى مبحوث عنه وخضع لعملية تنقيب في جميع جيوبه أسفرت عن غنيمة حددت في هاتف من النوع الرفيع ومبلغ لا يزيد عن مائة درهم. حاول الباحث تقديم ملتمسات للصين، وعرض عليها الاكتفاء بالمائة درهم لحاجته الماسة إلى هاتفه، إلا أن أحدهما أكد له بأنه سيتقاضى مبلغا ماليا هاما من وراء عملية الإحصاء ونصحه باقتناء هاتف لا يقل جودة عن الهاتف المسروق، وبعد فشل المفاوضات قرر الباحث منح كل ما في حوزته لمحتجزيه بما في ذلك استمارات الإحصاء، لكنهما رفضا الاستيلاء على الوثائق والاكتفاء بالهاتف والمائة درهم. المندوبية السامية للتخطيط توصلت بشكايات حول ما يتعرض له الباحثون، لكنها قالت بلغة ساخرة «لا يمكن أن نوفر 53600 حارس أمن لتأمين سلامة نفس العدد من الباحثين الميدانيين». وفي مدن أخرى تعرض أكثر من باحث لسرقة الهواتف ليس من طرف لصوص وقطاع طرق بل من طرف مستجوبين أنفسهم (بفتح الواو).
انتحال صفة مكلف بالإحصاء من أجل النهب شهدت مدينة سلا حالة غريبة، حين انتحل شخصان صفة «باحث» في مجال الإحصاء العام للسكان والسكنى، وطرقا باب بيت تقطنه سيدة ستينية. استغل الشخصان وجود الزوج خارج المدينة، وقررا السطو على المنزل، وحين كانت السيدة تجيب على أسئلة «الزائرين» بنوع من الاستعصاء نظرا لضعف حاسة السمع، تبين لها أن عين أحدهما تمسح المكان قبل أن يقوم بجولة في البيت دون استئذان، مما ولد حالة من الخوف والهلع في دواخلها، وحين سألته عن سر جولته التفقدية في مرافق البيت أجابها بأنه بصدد البحث عن دورة المياه فرخصت له بذلك وانخرطت في الرد على الأسئلة، إلا أن تأخره جعل الشكوك تسيطر عليها من جديد، وحين بحثت عنه وجدته بصدد البحث في دولاب عن أشياء ثمينة فأطلقت صرخة عجلت بفرار النصابين، ليتدخل الجيران استجابة لنداء الاستغاثة ويشرع شباب المنطقة في مطاردة باحثين تبين أنهما يوهمان السكان بمهمة البحث والتقصي ويحملان على صدورهما شارة مزيفة، إلا أنهما اختفيا على الأنظار، بينما وضعت شكاية لدى الدوائر الأمنية حول الموضوع.
رب أسرة يجلد ابنته بسبب تعويضات الإحصاء أخفت باحثة في عملية الإحصاء المبلغ الحقيقي للتعويضات التي تحصل عليها من وراء مشاركتها في العملية، إذ قالت لوالدها إن المبلغ لا يتعدى مائة درهم عن كل يوم عمل، مما جعله يعفيها من أي اقتطاع أسري، لكن حوارا بالصدفة مع أحد المعلمين المشاركين في العملية جعل الأب يقف عند المبلغ الحقيقي للتعويضات، بل إن المعلم كشف عن فحوى المرسوم الصادر بالجريدة الرسمية والذي يتضمن جدولا تفصيليا بالتعويضات اليومية التي يستفيد منها المشاركون في إحصاء السكان والسكنى، حيث تبين له أن ابنته الباحثة تتقاضى عن عملها الميداني 200 درهم وأنها تقاضت عن فترة التكوين 170 درهما، عكس الأرقام التي أدلت بها. ونشب خلاف داخل الأسرة حول سر إخفاء الرقم الحقيقي للتعويض، وقرر الأب منع ابنته من متابعة العملية لولا استعطاف الأم التي تدخلت بخيط أبيض وأقنعت الأب ب«بياض» الكذبة.