تنتقل ل خيارات عبد الاله بن كيران رئيس الحكومة المغربية المكلف، من بحث عن أغلبية مريحة لحكومته إلى الاختيار، بعد ان أتت اشارات واضحة من الأحزاب برغبتها في المشاركة، وبانتظار هيئاتها المقررة لتعلن ذلك رسميا. ومن المقرر أن يطلق بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية، ذات المرجعية الإسلامية، الاسبوع المقبل، جولته الثانية من المشاورات الرسمية لضمان أغلبية لحكومته التي كلفه العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 9 تشرين الاول/اكتوبر الجاري بتشكيلها، بعد فوز حزبه في المرتبة الأولى في مجلس النواب (125 مقعدا) الذي انتخب يوم السابع من الشهر نفسه مقاعده ال395. الجولة الأولى من مشاورات بن كيران شملت 6 أحزاب، هي الحركة الشعبية (31 مقعدا) وحزب التقدم والاشتراكية (12 مقعدا) اللذين شاركاه في حكومتيه (2012-213 و201-2016) وحزب الاستقلال (46 مقعدا) الذي شاركه حكومته الأولى والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (20 مقعدا) الذي جلس على مقاعد المعارضة الساخنة طوال ولاية بن كيران الأولى والاتحاد الدستوري (14 مقعدا) المعارضة الباردة والحركة الديمقراطية الاجتماعية (3 مقاعد). وضمن عبد الاله بن كيران من مشاوراته هذه مشاركة مؤكدة من حزبي الاستقلال والتقدم والاشتراكية، والتزام من الاتحاد الاشتراكي بتسهيل مهمته ووعد بالدعم من الحركة الاجتماعية والانتظار الإيجابي من الحركة الشعبية التي تعقد مجلسها الوطني يوم السبت 29 تشرين الاول/اكتوبر لحسم قرارها وهو اليوم نفسه الذي يعقد التجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا) الشريك المتعب بحكومة بن كيران الثانية (2013- 2016) مؤتمرا استثنائيا لانتخاب رئيس جديد بعد استقالة صلاح الدين مزوار. الدكتور سعد الدين العثماني رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، الذي كان إلى جانب بن كيران، خلال المرحلة الأولى من المشاورات مع الأحزاب السياسية قال أنه كان من الضروري انتظار انعقاد مؤتمر الأحرار وبرلمان الحركة قبل بدء المرحلة الثانية من المشاورات «لأنهما أولا كانا حزبين مشاركين في الحكومة الماضية، ثم إنهما رقمان مهمان في الساحة الحزبية». ويؤكد المشاركون في المشاورات، من كل الأحزاب السياسية، ان الجولة الأولى التي انطلقت يوم 16 تشرين الاول/اكتوبر اقتصرت على الخطوط العريضة لرؤية بن كيران لحكومته، دون الدخول في التفاصيل، ان كان بالنسبة لعدد الحقائب الحكومية أو نوعيتها، وهي المسألة التي سيبدأ التفكير فيها، بعد ان يضع اللمسات الأولية بعد الردود النهائية للأحزاب المدعوة للمشاركة، وهي ردود ستحمل في طياتها مطالب (شروط) كل حزب، ستدخل بن كيران في مرحلة ليست سهلة عليه، لانها ستكون متناقضة أو متضاربة وعليه ان (يرضي) الجميع أو يضحي بأحد الأحزاب. قبل بدء المشاورات، وحتى قبل الاقتراع، أكد حزب العدالة والتنمية استبعاد حزب الأصالة والمعاصرة، غريمه المثير للجدل (102 مقعدا) ليس فقط من المشاركة بالحكومة بل أيضا من اشراكه في المشاورات، وسعى حزب الأصالة والمعاصرة إلى افشال بن كيران قبل بدء المشاورات وحرض أحزاب الاستقلال والتجمع والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي على عدم المشاركة وحرمان بن كيران من الأغلبية، وهو ما لم تقبل به هذه الأحزاب التي وجدت في تكليف الملك لبن كيران شخصيا تشكيل الحكومة (الدستور يمنح الملك اختيار شخصية أخرى من الحزب غير بن كيران) إشارة عن عدم الرغبة في ذهاب البلاد نحو أزمة دستورية، لان الدستور المغربي لم يتحدث عن حالة ما بعد فشل رئيس الحكومة المكلف بتأمين الأغلبية. الفقهاء الدستوريون قالوا بان لا حل إلا إعادة الانتخابات، والوضع المغربي لا يحتمل سياسيا وماليا انتخابات جديدة، لذلك رفضوا محاولات الأصالة والمعاصرة، ووضعوه في عزلة، وهو ما شجع بن كيران على (وضع يديه بماء بارد) خاصة فيما يتعلق بالتجمع الوطني للأحرار، الذي اتفق مع الاتحاد الدستوري على تشكيل فريق برلماني موحد (51 مقعدا)، اعتقد ان بن كيران سيكون في وضعية المحتاج لمشاركة التجمع الذي يعاني أصلا من أوضاع حرجة بعد تقديم رئيسه صلاح الدين مزوار استقالته. التجمع، وقبل بدء بن كيران مشاوراته الأاولية، أعلن عن (شروط) للمشاركة وردت في بلاغ لمكتبه السياسي وهي «ضرورة تعهد بن كيران باحترام أخلاقيات التحالف وميثاق الأغلبية، وتجاوز الصراعات الحاصلة في الحكومة السابقة» ورد بن كيران انه لا يخضع لأي ابتزاز ولا أحد يفرض عليه شروطا، وأدرك التجمع ان بن كيران ليس في حاجته لضمان أغلبيته وأجل اتخاذ القرار للجولة الثانية من المشاورات لتكون مشاركته شبه مؤكدة لان وجود رئيسه المقبل، عزيز اخنوش، وزير الفلاحة منذ 2012، في الحكومة المقبلة، رغبة المراجع العليا، لاستكمال الأوراش التي فتحها في هذا الميدان. الجميع ينتظر نتائج المؤتمر الاستثنائي للتجمع ونتائج المجلس الوطني للحركة الشعبية، وقبل الكشف الرسمي عن مكونات الأغلبية المقبلة، ستظهر ملامحها في انتخابات رئاسة مجلس النواب، وهو المنصب الذي يطمح إليه الاتحاد الاشتراكي والتجمع، وسيكون جزءا من المفاوضات حول عدد الحقائب الحكومية ونوعيتها.