تجددت الأزمة بين السلطات المغربية وجماعة العدل والإحسان بشأن السماح لأعضاء الجماعة بالاعتكاف في المساجد خلال العشر الأواخر من شهر رمضان. وفي الوقت الذي تفرض فيه السلطات المغربية إجراءات تقول إنها “تؤطر” (تنظم) عملية الاعتكاف بالتنسيق مع السلطات الأمنية، تعتبر الجماعة أن تشديد شروط قبول الراغبين في الاعتكاف، ومنع البعض من ممارسة هذه الشعيرة التعبدية هو “استمرار لخيار الدولة في احتكار الشأن الديني وتأميمه وفرض الرقابة عليه”. جماعة العدل والإحسان، (أكبر الجماعات الإسلامية في المغرب)، قالت على لسان عضو دائرتها السياسية، حسن بناجح، إن السلطات المغربية رفضت السماح لعدد من أعضائها بمدن شرقي المغرب مع بداية العشر الأواخر من رمضان بالاعتكاف في المساجد. بناجح أضاف في تصريح للأناضول أن السلطات المغربية ردت على طلبات التراخيص الكتابية التي تقدم بها أعضاء الجماعة بجواب منع كتابي دون توضيح الأسباب، فيما طوقت قوات الأمن بعض المساجد لمنع المعتكفين من الإقامة فيها. وذكرت تقارير صحفية محلية أن توترا أمنيا شهده محيط بعض المساجد شرقي المغرب قبل أيام، حيث كان أعضاء من الجماعة يعتزمون الاعتكاف بها، فيما ذكر الموقع الإلكتروني لجماعة العدل والإحسان أن “المواطنين والمواطنات تظاهروا إثر ذلك خارج المساجد تعبيرا عن امتعاضهم لتطويق رجال الأمن لها وإخراج المعتكفين منها”. وطالبت الجماعة في بيان لها العلماء “بإصدار بيانات تبين حق الناس في الاعتكاف في المساجد في الأيام العشر الأواخر من رمضان”، فيما تعذر على الأناضول الحصول على رد من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية على جملة هذه الوقائع. وقال بناجح إن “منع الاعتكاف هو خيار مرتبط بالدولة، وبسياستها في احتكار الحقل الديني وهيكلته وفقا للتصور الذي يخدمها، فعملها على حصار المساجد وتأميمها، يجعلها أقرب إلى المؤسسات الإدارية منها إلى دُور صلاة وعبادة”. وتعود الأزمة بين جماعة العدل والإحسان في المغرب والسلطات حول فتح أبواب المساجد للراغبين بالاعتكاف خلال شهر رمضان، إلى بداية الصراع السياسي في الثمانينات من القرن الماضي بين السلطات المغربية وهذه الجماعة، التي تصر على النأي بنفسها عن المشاركة في الحياة السياسية في البلاد، لتعود وتطفو على السطح من جديد مع حلول العشر الأواخر من رمضان من كل عام. فبينما تشدد السلطات على أن السماح بأداء هذه الشعيرة التعبدية للراغبين، يتم وفق “أطر محددة وطبقا لضوابط خاصة”، تُلزم التحقق من هوية المعتكفين بناء على طلبات كتابية، تدعو الجماعة لجعل أبواب المساجد مفتوحة في وجه الجميع دون محاذير أو انتقاء للمعتكفين طبقا لانتمائهم السياسي. وتقول السلطات المغربية إنها تعمل على تأطير الاعتكاف في المساجد خاصة في شهر رمضان، حيث تشترط طبقا لمذكرة أصدرتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في هذا الشأن سنة 2006، إرسال طلب كتابي يضم أسماء الراغبين في الاعتكاف إلى مصالح الوزارة المختصة، إضافة إلى أسماء المساجد التي سيعتكفون بها، ويتم البث في هذه الطلبات وإخبار أصحابها بالترخيص لهم من عدمه. تكرار منع أعضاء من جماعة العدل والإحسان في المغرب، يتزامن هذا العام مع قرار أصدره العاهل المغربي الملك محمد السادس، قبل أيام يُحظر بموجبه على وعاظ وأئمة المساجد الخوض في الشؤون السياسية خلال الدروس الدينية أو الخطب التي يلقونها داخل المساجد، أو انخراطهم في العمل السياسي ، وهو ما استبشر به البعض ورأى فيه اتجاها “لتحييد السياسة عن الدين” في المملكة، و”خطوة للقطيعة مع استغلال بعض الجماعات لمنابر دور العبادة في شؤون السياسة”. واعتبر آخرون أن هذا القرار يندرج في إطار تكريس دور المؤسسة الملكية كإمارة للمؤمنين لا ينازعها في ذلك أي تنظيم سياسي وإن أشهر ورقة انتمائه الإسلامي. بناجح حذر في تصريحاته للأناضول من أن هذا القرار “ستترتب عنه نتائج عسكية”، وقال إن “احتكار الخطاب الديني في المساجد من قبل أئمة الدولة”، على حد وصفه، سيؤدي إلى “تنميط الوعظ والإرشاد الديني ويضعه في قالب جامد، ينأى به عن كل تجديد”. وأضاف أن “منع انفتاح الحقل الديني على تيارات ومشارب مختلفة، وتوفير الدولة لجو من الحرية داخل المساجد والسماح بتأطيرها بشكل موازي من طرف جماعات تعتمد المنهج السلمي المعتدل، بدل احتكاره، يُهدد بتغذية التطرف لدى الشباب وتحويل بوصلتهم في اتجاه جماعات إرهابية متطرفة وعنيفة”. السلطات المغربية، التي دخلت غمار إعادة هيكلة الحقل الديني منذ التفجيرات التي هزت مدينة الدارالبيضاء عام 2003 وتم تحميل التيار السلفي المسؤولية عنها، تقول من جانبها إنها تعمل عبر هذه السياسة على “نشر مبادئ الإسلام المُعتدل القائمة على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف، وتحصين الشباب من كل الأفكار التي قد تُخلُ بمعتقداته السليمة”.