تخليدا للذكرى 15 لتأسيسها، نظمت جمعية التنمية للطفولة والشباب A.D.E.J فرع بني ملال ندوة تحت عنوان: "قراءة في الحراك الاجتماعي بالعالم العربي"، وذلك يوم الأحد 06 يناير 2013 على الساعة العاشرة صباحا بالنادي الثقافي لمدينة بني ملال، من تأطير الرفاق: اليمني بلكاسم، محمد الضو، صالح أوباب. وقد تم استهلال الندوة بكلمة لمكتب الفرع التي ذكرت بالمنطلقات الفكرية والأهداف العملية والمبادئ التي تسترشد بها الجمعية في التطلع نحو الديمقراطية بأفق تقدمي، وفي هذا السياق يأتي اختيار موضوع: الحراك الاجتماعي من أجل تعميق الفهم حول مخاضه والقوى الفاعلة فيه والاتجاه الذي يصب فيه. ابتداء، تناول الكلمة الرفيق محمد الضو الذي انطلق من كون مجتمعاتنا في الرقعة الجغرافية التي يطلق عليها العالم العربي هي مجتمعات طبقية قائمة على استغلال الإنسان للإنسان، وأن الطبقة السائدة فيها هي الطبقة البرجوازية التي تحتكر ملكية وسائل الإنتاج، والمرتبطة بالتبعية للامبريالية التي تحتكر السوق الدولية وشركاتها المتعددة الجنسيات وعبر الديون الخارجية. هذه الوضعية أفرزت أنظمة سياسية استبدادية من المحيط إلى الخليج، تمارس هجوما كاسحا على الحريات العامة وعلى حق الجماهير الكادحة في الصحة والتعليم والعيش الكريم...، رغم ما تبثه في الوقت نفسه عن وهم الديمقراطية وحقوق الإنسان. على صعيد البناء الفوقي ثمة هجوم مواز على الفكر الاشتراكي العلمي من خلال نشر الفكر الظلامي، وتمييع مفهوم "الحرية" وتقديمه عبر أشكال فنية مبتذلة تعمق استلاب الجماهير فكريا، وتكرس ثقافة صرف النظر عن القضايا الحقيقية؛ يقابله انكماش دور الاشتراكيين نتيجة الهجوم الكاسح للامبريالية والضربات التي تلقوها داخليا وبفعل ما يعيشونه من تصدعات ومشاكل بينية. إن عناصر الاحتقان هذه، مضافا إليها حالة الانهيار التي يمر منها الاقتصاد الرأسمالي واندفاع نظمه الامبريالية إلى العمل على إعادة ترتيب العالم وفق ما يجدد ديمومتها، فركزت اهتمامها على المنطقة العربية نظرا لأهميتها الإستراتيجية كخزان يضم أكبر احتياطي عالمي من النفط والغاز، وطرحت نظريات لإعادة ترتيب "نظام عالمي جديد" و"سايكس بيكو جديد"... أمام تضافر هذه العوامل الداخلية والخارجية كان من الطبيعي أن تنتفض الشعوب كتعبير سياسي عن حدة الصراع الطبقي، وتم الإطاحة ببعض الأنظمة التي انتهت صلاحيتها، لكن الجماعات الظلامية هي من قطف الثمار؛ وتدخل الامبريالية لنشر الصراعات الإثنية والطائفية لضرب وحدة الوطن ووحدة الصراع الطبقي، أي تفتيت الأوطان لتدعيم الكيان الصهيوني في المنطقة. لقد كشف ذلك عن ما سماه هنري فيبر "وعي متمرد" عفوي وقاصر عن إدراك الأسباب، وعي يقف عند المظاهر ولا ينفد إلى إنتاج وعي سياسي الوعي الطبقي. الخلاصة: أن الحراك الاجتماعي في صيرورة وسيرورة والتراكمات الكمية فيه ستؤدي لإنضاج تراكمات نوعية. المداخلة الثانية تطرق فيها الرفيق صالح أوباب إلى مرحلتين من تطور الحراك: تميزت الأولى بحالة سكون هو لحظة من لحظات تفاعل الحركة وتراكمها، تبلور فيها لدى بعض القوى اليسارية وهم إمكانية "التغيير" من داخل نفس بنية النظام السياسي، ووصلت إلى حد عقد أنصاف الحلول مع الأنظمة القائمة، كما أسقطت من اعتبارها الأمل في وجود حركة أو حراك فساهمت في تجريف الحقل السياسي. المرحلة الثانية هي انفجار الانتفاضات التي غلب عليها الطابع العفوي، حيث تبدت كصدفة –والصدفة شكل لتحقيق الضرورة- أي بدون تنظيم سياسي أو قيادة سياسية وإن كان الفاعلون فيها سياسيون (حتى إن مرشد جماعة الإخوان في مصر وصف المحتجين في ميدان التحرير بداية الانتفاضة بأنهم "شوية عيال"!!). ومن بين خصائص هذا الحراك أن صلة التواصل بين نشطائه انبثقت من خلال وسائل الاتصال الالكتروني، كما أن الشعارات والمطالب المرفوعة فيه تشكلت بشكل تدريجي ومتدحرج، فلم تكن مرهونة بسقف سياسي معين بخلاف ما تعرضت له حركة 20 فبراير في المغرب، التي تم تطويقها بسقف "الملكية البرلمانية" الشيء الذي أفرغها من مضمونها وأفقدها إحدى عناصر القوة. كما أن البداية السلمية تدخلت الامبريالية والرجعية العربية الحاكمة لإجهاضه، من خلال تجنيد عناصرها أو دسها لدفع الحراك نحو التسليح لجعل المسلحين رهائن وفق مشيئة من يمول ويسلح وهي القوى الامبريالية والرجعية. جاء هذا الحراك فأكد أيضا أن هذه الأنظمة الديكتاتورية تتحدث نفس الخطاب السياسي وتنهج نفس الأساليب القمعية، وسعيها لرشوة الجماهير وإغداق الوعود بعد عقود من الإجهاز على قوتها اليومي. كما هو حاصل مع القيادات النقابية في المغرب من خلال فتات "اتفاقية أبريل" وتواطئها على عزل وتحييد الحركة العمالية عن حركة 20 فبراير مما أفقدها الزخم الشعبي. كما أبان هذا الحراك عن الدور الذي تقوم به حركات الإسلام السياسي المسنود لها من الإمبريالية، لأن هذه الحركات تتماها وتعكس طبيعة هذه الأنظمة وبشكل أكثر إيغالا في التخلف، ووصولها إلى السلطة -إثر سطوها على الحراك الذي تعاطت معه في بداياته بمنطق التقية- ليس سوى استمرارية لنفس النظام كعنوان على إجهاض الانتفاضات. فحركة الإخوان في مصر وتونس هم في مرحلة التمكين لفرض سيطرتهم على الإعلام وسن التشريعات والقوانين والزيادة في الضرائب والأسعار... وهم أفضل من يخدم الامبريالية وما الإبقاء على اتفاقية "كامب ديفيد" والوظائف التي قاموا بها إبان العدوان الأخير على قطاع غزة سوى أمثلة ساطعة. الخلاصة: أن المنطقة تتعرض لعملية تطويع وإعادة ترتيبها من أجل تصفية القضية الفلسطينية، والإسلام السياسي هو من أسندت له الإمبريالية القيام بهذا الدور. المداخلة الثالثة كانت للرفيق اليمني بلكاسم الذي رأى أن طابع العفوية غير وارد إلا نسبيا في حركة الجماهير، أما القوى الامبريالية والأنظمة الرجعية الخاضعة لها فقد تعاطت مع الحراك بقدر كبير من الاستعداد لإجهاضه في مهده والتحكم في نتائجه لاحقا؛ وهناك مؤشرات عديدة ليس أقلها دور الإعلام في تظهير وإبراز جماعات الإسلام السياسي الرجعي منذ سنين، مقابل طمس والتعتيم على كافة القوى الديمقراطية والاشتراكية المكافحة، وحجم اختراق الهيئات والجمعيات التي رغم المظهر "اليساري" لبعضها إلا أنها تماهت وتكاملت مع قوى الظلام سيما في الدور والموقف من ما تتعرض له سوريا من عدوان، إضافة إلى استثناء وتحصين المملكات والإمارات والمشيخات مما يسمى "الربيع العربي". إن التغيير هو ضرورة وحتمية كنتيجة لاعتمال التناقضات وتفاعل التراكمات المتلاحقة للأحداث كما ونوعا، لكن السؤال هو: التغيير في أي اتجاه؟ هل سيكون استجابة لحاجات ومتطلبات مجتمعاتنا في التحرر والانعتاق من التبعية للامبريالية والصهيونية وسطوة النظم العميلة، أم أن القوى الرجعية –إذا حسمت الصراع لصالحها- ستعطيه طابعا يرتد بمجتمعاتنا إلى الظلامية؟ ذلك يتوقف على معادلة الصراع بين القوى المتناحرة على صعيد كل قطر وعلى الصعيد الكوني. هنا تتلازم ثلاثة مرتكزات أساسية: المنطلق، الأسلوب والغاية، فلا يمكن لأي هدف أو غاية أن تتحقق بمعزل عن هذا التلازم؛ فالغاية الوطنية أو القومية مثلا لا يمكن أن تتحقق إذا كان المنطلق لها طائفيا أو مذهبيا أو فئويا، كما أن تحديد الغاية وحدها لا يكفي دون المعرفة الدقيقة للواقع الذي يتم الانطلاق منه، دون وعي مطابق للواقع الحي الملموس، ومن ثم تحديد الوسائل المطلوبة من أجل الوصول وإنجاز الغاية المطلوبة. مع الإشارة أن الغاية يمكن أن تكون متعددة حينها ينبغي ترتيب الأولويات منها، كما أن الأساليب هي متعددة ومرنة تتكيف مع المستجدات والإمكانات. لقد فتح الحراك الاجتماعي آفاقا جديدة للنضال بعد مرحلة سكون سقطت فيها قوى ديمقراطية ويسارية وصارت مستلبة فكريا وممسوخة الهوية، بحيث فقدت اتساقها النظري وانسجامها وتمايزها السياسي، لذا من الأهمية إعادة الاعتبار للجانب العقدي/ الاديولوجي بتجذير النظرية الاشتراكية العلمية مرشدا في الممارسة وهدف. وفي ذلك المدخل لوعي ما يحاك ضد أوطاننا وشعوبنا من تفكيك واستثارة للغرائز الإثنية والظلامية، والعمل على إذكاء دروس التاريخ من ملاحم الصراع ضد قوى الاستعمار والاستغلال الذي تعرضت له شعوبنا. الخلاصة: أن الأفق هو مقاومة المشاريع الامبريالية والصهيونية والرجعية، وهزيمتها إن لم تكن بالسهلة إلا أنها ليست مستحيلة.