بني ملال:تعززت ردهات خزانة المركب الثقافي "الاشجار العالية" ببني ملال بمخطوط تاريخي هام يعود إلى فترة الاربعينيات من القرن الماضي . وقد تسلمت الخزانة المخطوط ، الذي هو عبارة عن كتاب من 281 صفحة يتحدث بإسهاب وبأدق التفاصيل عن منطقة أحنصال بجهة تادلة أزيلال ، خلال حفل التأم أمس الجمعة 25 ماي بمقر الخزانة بحضور حشد من الطلبة والاساتذة والمهتمين بالحقل الثقافي . وذكر السيد جامع بيضا مدير المؤسسة العمومية " أرشيف المغرب" في مداخلة له بالمناسبة ، أن المخطوط يكتسي أهمية تاريخية قصوى ، باعتبار أن من دونه في الفترة ما بين 1947 و 1949 كان يحتل منصبا قياديا في إدارة الاحتلال الفرنسي بالمنطقة . وأوضح أن الامر يتعلق بالليوتنان إيتيي الذي كان يشغل منصب المراقب المدني لسلطات الحماية ، والذي قدم في الكتاب معلومات جمة معززة بالصور عن المنطقة خاصة زاوية أحنصال بما في ذلك تاريخها ومناخها وتضاريسها وحياة سكانها ونمط عيشهم والقبائل المكونة لها وعاداتها وتقاليدها وغيرها . وأضاف بيضا ، الذي هو أيضا أستاذ جامعي في مادة التاريخ ، أن المؤلف لم يكتف في كتابه بسرد واقع المنطقة ، بل تعدى ذلك إلى تقديم اقتراحات على رؤسائه لحل المشاكل التي كانت تعاني منها الساكنة لفك العزلة عنها ، ومنها على سبيل المثال توسيع شبكة الطرق غير المعبدة والبحث عن سبل لفتح نوافذ على المناطق المجاورة . وعبر عن سروره للمساهمة في عودة هذا المخطوط إلى بني ملال ، وتسليمه لخزانة المركب الثقافي "الاشجار العالية" بعد مرور أكثر من ستين سنة على تدوينه ، وذلك للمساهمة في إنعاش الحركة الثقافية بالجهة . وكان الحفل قد انطلق بمداخلة لمدير المكتبة الوطنية للمملكة السيد ادريس خروز تركز مضمونها حول علاقة الذاكرة بالثقافة ، مشيرا إلى أن الخزانات والمكتبات الوطنية تلعب دورا محوريا في الحفاظ على الموروث الانساني بكل تجلياته وأبعاده التاريخية والحضارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية . وأبرز أن المراكز الثقافية تربط الماضي بالحاضر لبناء المستقبل لتشييد صرح مجتمع المعرفة ، موضحا أن الخزانة أو المكتبة لم تعد مكانا لخزن الكتب والمجلات والدوريات والمخطوطات بل أضحت فضاءا للحوار ومراكز لنشر المعرفة والثقافة ، غير أنه شدد على ضرورة الارتقاء بعمل المكتبات وأسلوب تدبيرها إلى آفاق أرحب لتتمكن من استرجاع روادها الذين هاجروها في ظل هيمنة عالم الرقمية وانتشار وسائل الاتصال الحديثة . ومن جهته ، تدخل خلال هذا اللقاء السيد محمد الصغير جنجار مدير مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الاسلامية والعلوم الانسانية بالدار البيضاء ، التي تعد المانح الاول والاساسي لخزانة "الاشجار العالية"، فاستعرض المخطوطات المتعددة التي تتوفر عليها المؤسسة ، ومن بينها أرشيف عائلة ادريس السراج ، الذي كان يعد أحد أعيان النخبة المخزنية في القرن التاسع عشر وكان عاملا على مدينة فاس في الفترة ما بين 1859 و 1875 ، وأرشيف عائلة المقري الاسرة الجزائرية التي هاجرت إلى المغرب في بداية القرن التاسع عشر ، وتقلد أبنائها وظائف متعددة في جهاز المخزن قبل وأثناء عهد الحمايات الاوربية . ويضم أرشيف عائلة السراج ، الذي يزخر بمعلومات تاريخية هامة عن مدينة فاس ، أزيد من 16 ألف وثيقة وهي عبارة عن مراسلات وسجلات عدلية وتجارية ودفاتر محاسبة وتقارير توصل بها العامل من فئات اجتماعية مختلفة من وزراء وقواد وشيوخ قبائل وشيوخ زوايا وأعيان ومواطنين . في حين يضم أرشيف عائلة المقري حوالي 570 وثيقة تغطي الفترة الممتدة ما بين 1892 و 1954 ، وتتنوع مضامينها بين المراسلات الادارية حول مختلف قضايا التدبير السياسي مثل الشؤون المخزنية والسياسة المالية للمخزن والجيش وبين طرق تدبير الشأن المحلي وكيفية تحديث البلاد في بداية عهد الحماية والسياسة الدولية حول المغرب قبيل وأثناء سنة 1912 . وتقدم هذه الوثائق رصيدا هاما من المعلومات يساهم إلى جانب غيره من المصادر في تجلية النظام الاجتماعي والسياسي السائد في المغرب في الفترة السابقة من دخوله عهد الحماية الفرنسية . وفي ختام هذا الحفل ، تم التوقيع على اتفاقية شراكة علمية بين المكتبة الوطنية للمملكة المغربية و خزانة المركب الثقافي "الاشجار العالية"باقتراح من هذه الاخيرة . وجدير بالذكر أن خزانة بني ملال تم تدشينها يوم 16 يوليوز 2005 بعد أن وفرت الكنسية الكاتوليكية الوعاء العقاري لاقامة هذا الصرح الثقافي ، الذي جاء ليسد الفراغ والنقص الحاد التي تعاني منه المنطقة في البنية التحتية الثقافية . وتتوفر الخزانة على أكثر من 32 ألف كتاب إضافة إلى حوالي عشرة آلاف دورية ومخطوطات تتوزع مواضيعها بين الاداب والعلوم الاجتماعية والفلسفة الاسلامية القديمة والحديثة والاقتصاد والحقوق والتاريخ والجغرافية والعلوم الطبيعية والرياضيات والفنون . ويبلغ عدد منخرطيها إلى غاية شهر ماي الجاري 2260 منخرط ( 52,2 في المائة من الذكور و47,8 في المائة من الاناث ) ، ينتمون إلى فئات متعددة من بينهم الطلبة والتلاميذ والمحامون والاطباء والاساتذة والموظفون وغيرهم ، ويوجد من بين روادها ، إضافة إلى المواطنين المغاربة ، منخرطون أجانب من السنغال وبوركينا فاسو وبنين ونيجيريا ومالي وجيبوتي وغينيا وتشاد وجزر القمر ، إلى جانب رعايا من خارج القارة الافريقية ينتمون إلى كل من فرنسا واسبانيا وبلجيكا وإيطاليا والنمسا وكوريا الجنوبية . وتعد مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود المساهم الاول للخزانة ب 700 كتاب والعديد من الدوريات ، وهي أول هبة تسلمتها خزانة المركب الثقافي "الاشجار العالية" ببني ملال قبل تدشينها ، وذلك إلى جانب هبات أخرى .