منذ فجر الاستقلال وأنا أشتكي... ولا جواب عن شكايتي... ولا إفادة... لا كتابي ولا شفوي... فردوا لي شكايتي... منذ فجر الاستقلال وأنا أشتكي،منذ ولادتي... نعم منذ ولادتي... أتستغربون؟ اشتكيت كما اشتكى والدي... اشتكينا معا من الاستعمار... والدي اشتكى من الاستعمار القديم... وأنا اشتكيتكم الاستعمار الجديد... عودوا إلي الأرشيف... هل عندكم أرشيف؟ وأنا مستعد أن ابحث معكم عن أول شكاية بعثتها لكم في الموضوع و في ظرف أصفر مختوم، وعن طريق البريد المضمون وإشعار بالاستلام ستجدون الشكاية مؤرخة يوم ميلادي تحققوا في دفاتر الحالة المدنية... فقد ولدت والشكاية في يدي... كتبت الشكاية وأنا بعد جنين في رحم أمي... ما إن أنهيت الكتابة حتى استعجلني المخاض بالخروج إلى الحياة سقط رأسي الأرض في الشهر السابع والشكاية في يدي، مكتوبة على كفي وعلى جبيني... مكتوبة على حياتي... أتستغربون؟ تفضلوا بالاطلاع على نسخة ملف الشكاية ... إني أتوفر على النسخة الكاملة للملف نسخة من بطاقة التعريف الوطنية، نسخة من دفتر الحالة المدنية ، نسخة من عقد الزواج، وشهادة الحياة الجماعية لأبنائي... وسيرتي الذاتية... وما يناهز تسعة عشر ألف نسخة لكل الشكايات كل شكاية مؤرخة باليوم والشهر والسنة... ومدعمة بسندات الإرسال بالبريد المضمون وبإشعار بالاستلام حتى إن عدد الشكايات يضاهي أيام عمري، اليوم باليوم، نكبر معا، والاستعمار الجديد يكبر معنا أكثر فأكثر... وأخطر وأخطر... أريد شكايتي أريد فقط أن تعيدوا لي النسخة الأصلية من شكايتي... أرجوكم ردوا لي شكايتي الأصلية فانا عبد مغرم بالأصل في الكتابة... وفي كل شيء، فأين شكايتي... ردوا لي فقط كتابي الأصلي... ألا يكون في غرفة قراءة الشكايات في مصالحكم حبل مشنقة، وأن شكايتي علقت إليه، وشنقت كلماتها كلمة كلمة حتى زهقت منها روح آخر حرف واسمي وتوقيعي... أين شكايتي... أتكون شكايتي قد قضت قي دهاليز المراسلات السرية جدا أو السرية شيئا ما... أتكون شكايتي قد قضت في سلة المهملات لأنها شكاية عادية، أو ما تطلقون عليه بالشكايات الروتينية... ومنذ متى نفذتم فيها حكم الإعدام شنقا... أليس بالأمس؟ الايكون أيام شبابي؟ إياكم أن تكون شكايتي قد شنقت في صبايا وقبل أن تكبر طفولتي... وتركتموني اكتب وأعيد كتابة الشكاية تلو الشكاية بالأيام والسنين وكل العمر... واكتب وما أنا بكاتب... وأنتظر ويكبر معي انتظاري... حتى الفت رفقة الانتظار في البيت والشارع والمدرسة ... حتى أننا نتناوب على الاحتفال بعيد الميلاد سنة تقيم لي الشكاية حفلا... والسنة الموالية أقيم للشكاية حفلا ... أؤكد لكم أن انتظار الجواب على شكايتي تتلمذ معي في نقس المدارس التي درست فيها وفي نفس القسم... حصل معي على الشهادة الابتدائية... وتابعنا الدراسة معا حتى حصلنا على شهادة الثانوي الأولى أو البروفي... وشهادة الباكالوريا وجاء اسمينا من بين الاوائل في الجريدة وتجندنا معا في الخدمة المدنية ودخلنا مدارس التكوين في العسكر وتوظف معي في الإدارة واغتنمنا معا هذه الفرصة بالبحت عن الشكاية خلسة أو بمساعدة بعض الأعوان فلم نجد لشكايتي أثرا لا في مكاتب الضبط ولا في مصالح السلكي واللاسلكي... قضيت مع الانتظار أكثر من نصف عمري في الإدارة... بحثت عن شكايتي بنفسي ولا أثر... بحث الانتظار بدوره ولا أثر أين شكايتي؟ حية...؟ ردوا لي شكايتي... ميتة...؟ سلموني الجثة... أرجوكم... هل أبدا الإجراءات للحصول على الترخيص بالدفن وحجز القبر... سلموها لي إذن، ملفوفة في كفن، بلا نعش أتوسل إليكم فانا مسلم أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا المصطفى الأمين المختار رسول الله أريد أن أشهد لشكاياتي وأن القي عليها النظرة الأخيرة... أترحم عليها... وأصلي عليها صلاة الجنازة وأدفنها مرتلا الفاتحة وسورة ياسين... وادعوا لها الرحمة ةالغفران وأقيم لها شاهدا أكتب عليه هنا ترقد شكاية كتبت وأرسلت إلى المصالح المعنية أول يوم من خريف، فجر الاستقلال، في موضوع الاستعمار الجديد... وأنها ماتت في ظروف غامضة في يوم بلا تاريخ محدد بلا جواب بلا رد... واقف بعدها بباب المقبرة لأتلقى التعازي من كل من كتب شكاية ولم يتلق الجواب ... وكل من ضاعت شاكيته في دهاليز الإدارات المحلية والاقليمية والجهوية والحكومية... وكل من ألقيت شكاياتهم في سلة المهملات... هل ستسلموني جثة شكايتي هل ابدأ بإجراءات حجز القبر سأحجز قبرين ... قبر لشكايتي، وقبر لي فانا وشكايتي ولدنا معا ونموت معا... المصطفى