عاش بنصف رئة متنقلا بين السجون ومات بسكتة قلبية مات بوكرين ... عبارة ثقيلة على كل من سمعها أول أمس الاثنين ، ترجل الفارس عن صهوة النضال، وآن له أن يرتاح قليلا، لم يسعف نفسه لذلك ، قبل ساعات قليلة من موته، كان وفيا لذكرى أصدقائه ورفاقه في درب النضال ، بجبال تاكلفت أبى الشيخ السبعيني إلا أن يشارك في قافلة طبية لضحايا سنوات الجمر والرصاص، شارك بكل حركيته المعهودة في النشاط الطبي الذي نظمه فرع المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف بجماعة تاكلفت إحدى الجماعات الأربع التي شهدت أول ثورة مسلحة في مغرب الاستقلال بجهة تادلة أزيلال ، عندما كان رفاقه من أمثال القايد البشير والقائد بن حمو وآيت التوس، وسيدي موح أحنصال يحملون البنادق في مواجهة الجنرال مولاي حفيظ والشنا . مات بوكرين ... رجل نادر من معدن نادر ، عاش بنصف رئة بعدما احترق النصف الأول في معتقل ضيعة مازيلا السري بطريق قصبة تادلة في بداية السبعينات، ولم تمنعه عوارض المرض من الايمان بمبادئه حتى الموت ، اعتقل بعدها سنوات عديدة، وكان الكل ينتظر ان يموت في أول اعتقال، لكن قدر الرجل أن يحمل وشاح معتقل الملوك الثلاثة وحيدا في المغرب دون غيره من رفاقه ، عندما تجالسه تكتشف ذلك الرجل البسيط الذي كان متنقلا بين الجبال معلنا اكتشاف تازمامارت في وسط السبعينات في جريدة المحرر آنذاك، كان يعرف طريقه بوضوح كامل لاتشوبه الضبابية أو نفاق بعض المحيطين به، أبى الرجل إلا أن يموت واقفا رجلا عفيفا غنيا عن الناس، رفض تسلم تعويض هيئة الانصاف والمصالحة لايمانه أن ماقدمه كان من أجل الوطن، لأن كرامة الوطن لا تقدر بثمن في الوقت الذي تكالب فيه المتكالبون على تسلم دراهم معدودة وتسلق المتسلقون في سلم التياسر وتكاثر الأموال والعقارات . مات بوكرين ... مات الرجل واقفا بعد أن قضى زهرة عمره في السجون والمعتقلات، وبعد أن تخلى الرفاق عن قناعاتهم ، مستبدلين مبادئ الثورة بملايين الثروة ، رفض ابن تيحونا نايت أودير أن يتقاعد، كما فعل الصبية والغلمان مبكرا، الذين احتفظوا بمرسوم يشهرونه في وجه كل المخالفين ، ويمدون أيديهم وقلوبهم للثروة وحناجرهم للثورة . مات بوكرين .... بني ملال ودعت أمس جنازة رجل أبى إلا أن يموت كما يحب، مناضلا شريفا مرفوع الرأس فوق هامة الزمن المغشوش في مغرب ندر أن يتمسك فيه الرجال بمبادئهم. المصطفى أبوالخير جريدة المساء الأربعاء 07 أبريل 2010 عدد 1102