شكلت مزاحمة النقابات الصغرى لشقيقاتها الأكثر تمثيلية في الدعوة للإضرابات المسترسلة و على مدار العام (منذ 2003) فرصة لهذه الأخيرة للتحريض ضدها و اعتبار دعواتها للإضرابات غير شرعية و لا قانونية ، و هو ما استجابت له حكومة العباس الفاسي فيما بعد . اذ شرعنت الإقتطاع في الإضرابات التي لا تتبناها النقابات ذات التمثيلية ، و بقي الوضع بهذا الشكل حتى قدوم حكومة بن كيران الذي عمم الإقتطاع على الجميع بداعي وقف الفوضى في المرفق العمومي سيما بعد موجة الإضرابات التي خاضتها مجموعة من التنسيقيات و لأسابيع متتابعة (2010 – 2011 ) و هو ما ولد سخطا لدى أسر المتعلمين و لدى الرأي العام . و إذا وصلنا اليوم لوضع تكرس معه الإقتطاع عن الإضرابات تحت يافطة الأجر مقابل العمل ، فإن الحكومة الحالية ، و في طليعتها وزارة التربية الوطنية تحاول الآن تكريس عرف جديد مفاده تجريم إضرابات التنسيقيات بداعي افتقادها الصبغة القانونية ، حيث من المنتظر تفغيل مساطر العزل في حق زعماء تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ، و تسليط سيف مغادرة مقر العمل على رقاب باقي منتسبي ذات الإطار ، الذين دخلوا في إضراب تواصل للأسبوع الرابع على التوالي و محتمل امتداده لأسابيع أخرى . إن مستجد تجريم إضرابات التنسيقيات و تهديد زعمائها بالعزل من مناصبهم الوظيفية ، و جر العديد منهم للمحاكمات و المتابعات القضائية ، هي سابقة داخل المرفق العمومي ، و تشكل حالة استنساخ و استيراد لما يقع داخل القطاع الخاص ، حيث يعاني أرباب العمل من حساسية مفرطة اتجاه العمل النقابي . إن هذا المستجد الخطير بما يشكله من انتكاسة للعمل النقابي لن تنحصر مفاعيله التدميرية في وجه التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ، و لن تنحصر كذلك في توحيه فوهات مدافعه صوب باقي التنسيقيات المناضلة ، بل إننا نجزم أن لهيبه سيطال النقابات , القطاعي منها و المركزي ، الحامل منها لصفة التمثيلية و المفتقد لها كذلك . فكما تم تعميم الإقتطاع على الجميع تنسيقيات و نقابات ، سيتم تجريم إضرابات الجميع كذلك ، و الهدف وأد الإحتجاج كأسلوب تواجه به الشغيلة هجوم المخزن على مكتسباتها و حقوقها . فبعد إسقاط فزاعة الإقتطاع و تنامي وتيرة الإضرابات بشكل غير مسبوق ، لم يبق أمام المخزن و حكومته إلا التعاطي مع الإحتجاج و على رأسه الإضراب كجريمة منظمة يجب استئصالها ، و اعتبار دعاة الإضراب كمجرمي حرب تنتظرهم مقصلة الإعدام و العزل و الطرد والتشريد الوظيفيين . إننا أمام مرحلة خطيرة تسعى من خلالها الطبقة الحاكمة لتدجين العمل النقابي و مسخه ليتحول كجمعية خير و مساعي حميدة ، تكتفي ببرقيات الإستعطاف ، و رسائل المناشدة بتحكيم الضمير اتجاه المسؤولين ، و تقدم العمال و الموظفين قرابين على مذبح الباطرونا و الإدارة المتغولة ….