معروف أن هناك أنواع عديدة من النخب، التي تتضافر عوامل عديدة في صناعتها فهناك نخب سياسية و دينية و اقتصادية و اجتماعية و محلية...، و معلوم كذلك أن طريق صناعتها يختلف من نخبة لأخرى باختلاف ظروف النشأة و الشروط الذاتية و الموضوعية المحيطة بها. فمثلا النخبة السياسية هي صنيعة الظروف السياسية الداخلية و الخارجية المتحكمة فيها و النخبة الدينية صنيعة حالة التدين المنتجة لها، إلا ما سنحاول فيه الحديث في هذه النافذة القلمية أو الدفاع عنه هو أمر "صناعة النخب" مبرزين سبب هذا الدفاع و القناعات التي أفرزته مقرين منذ البدء أن هناك من الباحثين الأكاديميين و الأقلام الصحفية التي سبقتنا للحديث عن هذا الموضوع و يكفي النطق ذكرا كتاب "صناعة النخب بالمغرب" لصاحبه عبد الرحيم العطري، الذي نقر أمانة أننا لم نطلع عليه. قبل الانطلاق في طرح النقاط أعلاه لا بد بداية من إعطاء تعريف لمفهوم النخبة، هذا البراديكم الذي أعطيت له عديد التعاريف الذي تناولته من زوايا مختلفة متجاوزين التعريف البسيط الذي يقدمها بأنها "مجموعة قليلة من الناس مسيطرة على موارد مالية و أخرى سياسية" أو "الأقلية المنتخبة أو المنقاة من مجموعة اجتماعية"، مرورا إلى تعريف النخبة السياسية و الذي يتمثل إجمالا في السلطة الحاكمة التي بيدها مقاليد الحكم .وتعتبر نظرية النخبة السياسية من أهم موضوعات علم الاجتماع السياسي، ولأن الشواهد التاريخية وواقع المجتمعات السابقة والمعاصرة، تتميز بوجود أقلية حاكمة، محتكرة لأهم المناصب السياسية والاجتماعية، وبيدها مقاليد الأمور، وأغلبية محكومة منقادة وليس لها صلة بصنع القرار السياسي بشكل عام. وبتجاوز مستنقع التعريف و التوصيف نمر إلى الإجابة عن لماذا نحتاج لنصاعة النخب؟، فمعروف أنه و منذ الأزل كانت النخب هي القوة المحركة لكل عمليات التغيير المجتمعي و نشر الوعي السياسي و خلق الثورات الدامية تارة و الهادئة تارة أخرى و يكفي هنا ذكر النخبة التي سادت عصر الأنوار و ما أحدثته من تغيير على جميع المستويات لا زالت فوائده تعم أوربا إلى يومنا هذا. و في المغرب لا بد من الإشادة كذلك بتلك النخبة من جل رجال أعضاء جيش التحرير الأشاوش والذين دافعوا عن الوطن ساعة الاحتضار. إلا أنه اليوم لا يكاد يتجادل إثنان بأن المغرب يعيش أزمة نخب حقيقية حيث النقابات لم تعد قادرة - نتيجة أخطاءها التاريخية- على إنتاج تلك النخبة من الزعماء النقابيين الذين يستطيعون تأطير و قيادة العمال و النتيجة هي فقدان تلك "البوتيكات" النقابية لمشروعيتها لدى أغلب قواعدها. أما الأحزاب السياسية فهي الأخرى تعيش أزمة نخب حقيقية و هي نخب شكلت إلى الماضي القريب محل إجماع القواعد التي تتشبت بها و يكون مشروعها محل إجماع القواعد إلا أنها اليوم هي الأخرى فقدت تلك الأم الوَلاَّدَةُ التي يمكنها أن تلد نخبا قادرة على القيادة و الدفع بمشروع الحزب نحو وصوله لأهدافه المسطرة. و حتى بالمرور إلى النخب الدينية لا سيما منها الإسلامية التي تهمنا في هذا المقام، فالتاريخ الإسلامي يشهد على وجود نخبة دينية شكلت في وقتها ثورة حقيقية على السائد و دعوا إلى فتح باب الاجتهاد و تنقية الإسلام من شوائبه التي رافقته منذ أربعة عشر قرنا إلا أن حال الأمة اليوم هو التخبط في غوغائية خطابية تعدد فيها فقهاء الفتوى الذين يدخل أغلبهم تحت إمرة راحة البترو دولار مستغلين في ذلك قابلية مجتمعاتنا "الجاهلة" لتمرير خطابها الأخرس. إننا اليوم نعاني أكثر ما نعانيه من فقر نخبوي يتفاقم و هو الأمر الذي يفتح الباب أمام المتربصين من أجل الهرولة في الساحة بفرقعات لسانية و شحونات نرجسية منبتها تراجع مثقفينا وراء، فأخذا بالجامعة المغربية نموذجا يلمس تراجع نخبتها بل و أفول نجمها عن الدور الذي كانت تقوم به في التأطير الطلابي الذي تتوارى خيوطه يوما بعد آخر لعديد مسببات أهمها ما يشوب الساحة الجامعية من زرع التفرقة ليس فقط بين الطلاب وحدهم و إنما حتى بين الأساتذة الجامعيين أنفسهم و غياب مشروع واضح يوحد المفترقين. هكذا و نرى أن الدفاع على صناعة النخب صار من الأمور التي يجب على كل المنابر الدفاع عنها لا سيما و أن ورش الجهوية المتقدمة الذي لا تفصلنا سوى أيام قليلة عن تطبيقه يستدعي التوفر على نخب محلية قادرة على تحمل زمرة المسؤولية فيما لا يعكس الوجه السلبي لمفهوم النخبة و إنما هي النخبة التي تسعى إلى خلق تنمية ترابية بخلق قوام تشاركي كخيار لا محيد عنه لألا تتحول إلى نخبة مستلبة لحقوق الغير مما سيدخلها في مهب تكريس التشدق بالكرسي و الهيام به، و في هنا ندعو جمعيات المجتمع المدني الجادة تحمل مسؤوليتها في التأطير و التربية على المبادرة و أخذ بزمام المبادرة و إنتاج قيادات قادرة على تحمل العبأ و تنمية الوطن. *طالب ماستر التخطيط و التنمية الترابية