غابت الشمس هل نسوا " سيروا تخدموا " و " AU TRAVAIL " ؟ نحن تحت رحمة الله، كانت هذه الجملة مقطعا من أغنية أدتها مجموعة أحواش بالجماعة القروية لتلوات على شرف المشاركين في قافلة تضامنية مع ضحايا الفيضانات، نظمت أخيرا على عتبة بداية موجة البرد القارس، التي تجتاح بقوة مناطق عدة، منها جهتنا التي تقاسمت مع أهلنا في الجوار بمناطق ورززات، فجيعة مواطن كان قد غادر قبل وفاته منزله بتنغير متجها الى أيت عبدي ليقضي نحبه هناك بجبال كوسر، وبقيت جثته هامدة في الخلاء على مدى أربعة أيام رغم توصل السلطات بخبر الوفاة، بعدها ستتدخل طائرة مروحية للدرك الملكي، لتنقله إلى مستشفى ابن طفيل بمراكش لإجراء عملية التشريح. في تشريح أسباب الوفاة، يقول الأحياء الأموات، لا تتهجوا أسماءنا وأسماء قرانا الممتدة من الأطلس المتوسط إلى الأطلس الكبير: تينكارف، آيت أمديس، أيت بوكماز، تلواث، أنفكو، وأخيرا وليس بالأخير، أيت عبدي، هذه القبيلة الموزعة، حسب تفصيلة عهد كنا نعتقد أنه ولى، على ثلاث أقاليم ( بني ملال، ميدلت، أزيلال)... ، ويؤكدون على أن يتم، رمي دواويرهم في جراب اللعنات، الفقر لا يحتاج إلى تشريح، هم أفقر من الفقر فهو أعلى من جبل صاغرو وأغنيم وتصميت وتيشكا، هنا تهطل أمطار الجفاف العظيم، جفاف ضمائر من يعتلون قمم الوزارات الحكومية، ويجيدون التزحلق الانتخابي وانتظار تعليمات ملك البلاد ليستفيقوا وليتنافسوا في إبراز مدى بروزهم على هامش ما يلزمهم القيام به. هل نسوا " سيروا تخدموا " و " AU TRAVAIL " ؟ إنه زمن النفاق والخبث السياسيين في أبشع صورهما. هاهنا فضاءات جميلة تصلح لمشاريع سياحية للتأمل في نهر ينساب، يرزق الساكنة متى يشاء ويخطف رزقها متى أحبب، يسوق الغلة والبشر والبهائم. لا بدّ للوقت من وقتٍ يقف فيه، وينزل الفارس، البرد القارس، في جولة للعراك، يسد المنافذ والمسالك الوعرة المعبدة والغير معبدة، المؤدية صوب الأسواق الموسمية والأسبوعية، فلا بد للنهر من سابحات عاريات، لا بد للريح من خبايا وأسرار يفضحها في مواسم الأمطار، من موت الأجنة في بطون الأمهات إلى خراب الخرب المسماة منازل طينية، والصور الأخرى نعرفها، ندركها... في المغرب العميق لا مجال للاستثمار في العنصر البشري، تحكي طفلة قابلتها "المسائية" بدوار تمونت في إطار تغطيتها للقافلة التضامنية التي كانت بمبادرة من مجموعة من المهاجرين المغاربة بأورلاندو بالولايات المتحدةالأمريكية، قلت تحكي طفلة في العاشرة من عمرها أنها تتمنى أن تكون طبيبة لكونها كثيرا ما ترى وتسمع عن موت النساء الحوامل بقريتها، لكنها تأسف لعدم قدرتها وصول هذا المبتغى، لأن معلم الفرنسية يتغيب كثيرا عن القسم. يتجمد حلم الصبايا كالثلج المتجمد على قمة تيشكا غير البعيدة عن دوار "تمونت" إلا بحوالي 20 كلمتر. كيف للحلم أن يرتعش في ساحة تسع ل 60 تلميذا من أربع مستويات تضيق بهم حجرة واحدة، وعلى المعلمة أن تقسم حصة ضيزى (قسمة جائرة) بينهم، هكذا يكون العدل إعمالا لمبدإ تعميم التعليم. في هذه الأرض كم يمكن أن تتخيل أن عدد القبور أكثر من عدد الساكنة، فلربما يعد هذا مؤشرا على أن هذه الساكنة تسير نحو الانقراض، ومن أراد أن يتأكد فما عليه إلا أن يسأل "لالة كلثوم" التي يسميها أطفال دوار "إميرغن" بالجدة، لأنها هي من أشرف على ولادة أمهاتهم قبل أن تتدخل وزارة الصحة لتمنع عن "القابلة" ممارسة هذه المهنة إلا بشهادة. تقول لالة كلثوم، إن اسم قريتها "إميرغن"، التابعة هي أيضا لجماعة تلوات بإقليم ورزازات، تعني الفم المغلق، وتضيف بأن السكات لازمهم منذ أن كانوا يخضعون للباشا الكلاوي، وبالنسبة لها فلا شيء تغير، فالفم لا زال مغلقا، والساكنة لازالت تحت رحمة الله وانتظار تعليمات الملك ليتم البحث عنها على خريطة الوطن، لتحقيق رغباتها القديمة الجديدة في أن تتوفر على عناصر الحياة، مشفى وطبيب يقدم أدوية ولا يكتفي بتدوين الوصفات، لأنه يعلم أن اليد قصيرة والعين بصيرة، ومدرسة بمعلمين لا يتغيبون عن الدرس، ومشاريع مدرة للدخل تمكنهم من الحصول على غطاء وكساء ولباس وتوزيع جزء من الملك الغابوي حتى لا يظلون يمارسون زراعة في أراضي غير صالحة للزراعة. أحوال الناس لا توصف، "اللهم جحيم ورززات أو ثلاجة ثلوات"، جملة فاه بها بعضهم مفضلا حر المدينة المشار إليها على صقيع قريته، التي تصل فيها البرودة إلى نحو خمس درجات تحت الصفر ليلا. من يمتلك قدما للتزحلق، فليتقدم صوب قرى الأحزان، ونتمنى أن لا يتجمد نصف لسانه وهو يرى طفلا يبكي من ألم حقنة ثلج أنسته كسرة خبز.