أمشاظ والعشاء الأخير كانت في الأفق سحبٌ تُنذر بأمطار غزيرة، وريح قارسٌ بدأ أزيزه منذ الرابعة من زوال أمس الأربعاء ، أطفال يلعبون و عيونهم تفيض ببراءة الصّغار، شيوخ يعدون الشاي فرحا بكلّ وافد جديد، نساء يردّدن "اللهم صلّي ع النّبي"، منهن من اتخذن متكئا داخل إحدى الخيمات لإعداد "العشاء الأخير"، بروح مرحة ونكت بسيطة تعكس ميزة "شلُوح أمشّاظ"، بينما كان همّ الشّباب جمع حطب التدفئة والتكليف بكل المهام الخارجية، كجلب الماء لا على سبيل الحصر. آخر أوراق الوالي أولى رسائل السّلطات لم تخطئ العنوان، آخر أوراق والي الجهة السيد محمد فنيد "خليوني غير ندوّر السلك للبلاد ونحفر شوية، فاش يدخلو الفلوس ونحوّل المشروع" أو كما ردّدتها ألسن البعض، نقلا عن صوت البرلماني عبد الله موسى، الوالي أضاف كما جاء على لسان البرلماني ذاته الذي نقل الرسالة : "صيفطو ليا شي خمسة نتحاور معاهوم، ولا نجي أنا عندكوم"، رسالة الوالي لمعتصمي "أمشاظ" كانت واضحة، اعتبرها البعض رغم "نعومتها" هدوء يسبق العاصفة، وبالاجماع رفض المعتصمون كل مقترحات الوالي معتبرين مطالبهم مشروعة وكلٌّ لا يتجزّأ وأن الحلّ الوحيد ابعاد محطة تصفية أحواض المياه العادمة عن أراضيهم وطبيعتهم، اجتمعت الساكنة حتى قبل أن يصل كلام "المبعوث"، لأنها توصلت بأخبار تؤكد طلب محمد محسن رئيس المجلس البلدي للقصيبة حماية للأشغال التي اختار أن يباشرها فجر اليوم تحت جنح الظلام و لما ينسل الخيط الأبيض من الأسود بعد . وفي الليلة الظلماء... كانت ليلة عاصفة بالأمطار، كل الساكنة اجتمعت تحت خيمتين منصوبتين منذ أول أسبوع شتنبر، نصبت أجسادها جثثا، وآمنت بعد أربعة أشهر من اعتصام شهد عليه الكلّ بالبطولة والصمود، (آمنت) أنّ الموت يكون على الأولاد أو البلاد، وأنّ لا بديل عن التشبت بحقهم في الهواء النقي والحفاظ على طبيعتهم إلا الموت، كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحا وليست إلا لحظات قليلة حتى نزلت أفواج كبيرة من رجال القوات المساعدة والدرك الملكي، مدججين بالعصي والخوذات، حاصروا المعتصم في أجواء رهيبة جدا ضدّ عزّل لا يحملون معهم غير صرخاتهم وقوة ايمانهم بمشروعية ما يقدمون عليه، اعطيت انطلاقة أشغال الحفر عبر تقطيع الشريط، ربما كان الوالي من سيقطعه لكن ظرفا ما حال دون حضوره - حسب مصدر أمني-، هدم العمال المؤقتين في بلدية القصيبة الخيام، تحت صراخ النساء اللائي قضين ليلتهن في البرد والأمطار، أبدين مقاومة شرسة عبر الصمود والتماسك بينهن لكن الرفس والدفع والكلام النابي الجارح جعلهن يفلتن بجلودهن تقول سيدة غالبتها الدموع على حُرقة الموقف ، الرجال قاوموا أيضا، وتمسكوا بالتراب فنالهم ما نال من وصفهن الشاعر ب"المدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق"، القوات الأمنية هدمت المُعتصم واعتقلت 14 مواطنا بينهم قاصرا، بشكل عشوائي، وحاصرت النساء والشباب بل تم ابعادهم عن المعتصم لمئات الأمتار، وبدأت الجرافة في حفر أرض امشاظ وسط حراسة أمنية مشددة. النّساء رفضن هذا الانزال الأمني الذي وصفنه بالرهيب والوحشي "بحال إلى كانبيعو الحشيش" هكذا تردّ امرأة ستينية على أحد رجال الأمن، محاولة أن توضح له مشروعية مطالب قرابة العشرة ألف مواطن، اغمي على ثلاث نساء في لحظة تدافع قوي من طرف القوات، إحداهن رفضت أن تطأ قدمها سيارة الاسعاف، بعد أن أُسقطت أرضا، لكن مسؤولا أمنيا أصرّ على نقلها لتلقي العلاج، وأرسل برفقتها دركيا. عسكَرة المنطقة... وزيادة على الحصار الذي ضُرب على المنطقة، بعد وضع حواجز أمنية بكل من اغرم لعلام ومدخل مدينة القصيبة لشلّ حركة المرور، مُورس أيضا التّضييق على مراسل أسبوعية المسار الصحفي ومدير تحرير جريدة "قولي" الإلكترونية" الزميل سعيد غيدى، حيث جرّده قائد أيت ويرة من بطاقة الصحافة وبطاقته الوطنية، وآلة التصوير لزهاء نصف الساعة، كما تعرض لمتابعة لصيقة من طرف مسؤولين أمنيين، وأسئلة استفزازية "شكون عطاك الترخيص باش تحضر" وهو ما اعتبره تضييق على حرية الصحافة وانتهاك صارخ في حقه في الوصول إلى المعلومة. هؤلاء هم المعتتقلون جغرور إسماعيل، محمد الرويسي، الحسين بواحي، بناصر وباسو، نبيل شرو، بلشطيف ميمون، مصطفى أيت رحو، موحى بواحي، سعيد بواحي، أمزيل محمد، فرحاتي رحو، حموجان محمد، إيدير الشرقي، الطّفل ياسين ورحو واسم آخر لم نتعرّف عليه بعد. بعد أزيد من 16 شهرا من الاحتجاج وأربعة أشهر من الاعتصام ، السلطات تجيب بالزرواطة بعيدا عن مفاهيم المقاربة التشاركية و إشراك المواطن في اتخاذ القرار اتُخذ قرار بناء محطة تصفية المياه العادمة في منطقة أمشاظ في مدخل مدينة القصيبة من الجهة الغربية التي تهب منها عليها رياح الساحل في منطقة فلاحية بامتياز وسط بساتين الزيتون و الآبار و فوق العديد من العيون المائية دون اطلاع السكان و لا معرفة منهم بما يجري الإعداد له ،و حتى الذين سمعوا بالأمر اعتقدوا أن الأمر مجرد بحث عن المكان المناسب و الكثير منهم اعتقد أن المسألة مجرد إشاعات كتلك كانت تروج لبناء عمالة في منطقة أفلانفران ،مضىت عقود من الزمن دون أن ترى النور على أرض الواقع لكن بتوقيع بلدية القصيبة عقود وعد بالبيع مع ملاكي الأراضي التي ستقام عليها المحطة استفاق السكان من سباتهم و هبوا يحتجون على المسؤولين في بلدية القصيبة و دير القصيبة و الولاية و المكتب الوطني للماء الصالح الشرب منذ رمضان 2012، نظمت على إثره بلدية القصيبة لقاء جمع السكان بممثلي المكتب الوطني للماء الصالح للشرب و حضره البرلمانيان عبد الله موسى عن العدالة و التنمية و بناصر حوباين عن الأصالة و المعاصرة من أجل إقناع السكان بجدوى المشروع و غياب آثاره السلبية و كون الوقت محدود تحت طائلة إلغاء المشروع الممول في جزء كبير منه طرف صندوق النقد الدولي اللقاء الأول و إن كان قد أقنع عددا كبيرا من المحتجين الذين صدقوا تطمينات مهندسي المكتب الوطني للماء الصالح للشرب وخافو من ضياع المشروع و إلغائه إلا أنه لم يقنع الجميع حيث بقي البعض منهم متشبتا بالاحتجاج لتغيير مكان المحطة إلى مكان مناسب سواء في تلا تنحسين أو في تهرا فوقعوا عرائض بهذا الخصوص رفعوها إلى المسؤولين و تناولتها منابر إعلامية محلية و جهوية ووطنية بمقالات و تقارير حول الأضرار المحتملة لبناء محطة تصفية المياه العادمة في منطقة فلاحية غنية بالفرشاة المائية و البساتين و توجد في مدخل المدينة و بين تجمعات سكنية و تحت ضغط السكان المحتجون ضد إقامة المحطة في أمشاظ عقد المجلس الجماعي لدير القصيبة في دورة استثنائية يوم الخميس 27_09_2012 بمقر الجماعة "بتيسي نايت أيت يكو " صوت خلالها بالاجماع على تغيير المكان الذي كان من المقرر انشاء محطة تصفيةالمياه العادمة القادمة من مدينة القصيبة فيه و البحث عن مكان آخر يراعي المقاربة البيئية و البعد عن الساكنة . بعد هذا القرار الذي كالصاعقة على المسؤولين في المكتب الوطني للماء الصالح للشرب عقد المجلس البلدي للقصيبة لقاء تحسيسيا بدعوة من المكتب الوطني للماء الصالح للشرب غاب عنه رئيس المجلس البلدي فشل هو الآخر في إقناع السكان بالعدول عن رفض مكان المحطة