بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم: تقديم: هذه سلسلة مقالات، أفتتحها بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، وأستهدف من خلالها فئة الشباب خاصة، التي تسعى إلى تحقيق النجاح في الحياة، والفوز بالرضا في الآخرة؛ أسميتها: «أنوار وأشواق»، قاصدا من ورائها رسم معالم الطريق الصحيح، أمام أعين هذه الفئة الناعمة، التي قد لا تقوى على فتق معاول الزمن، وكسر حواجز الفلاح، أضيئ في كل مقالة منها شَمْعَة، أُرْوِي فتيلَها من معين الصدق والحب لهذه الفلذات، عسى أن تتلمس أنوار الشوق في السماء، ومواقع القدم في الأرض، فتخطو خَطْوَ المتحمس، الذي ينشد ضالته في الزمن الآتي، والله المستعان. المقالة الأولى: ميلاد جديد اليوم هو الأول من السنة الهجرية الجديدة، فاتح السنة الخامسة والثلاثين بعد المائة الرابعة عشر؛ والحق أن مسيرة الزمن أشبه ما تكون بالدوائر اللولبية، وعُمْرُ الإنسان مثل خط مستقيم محدود، محصورٍ داخل هذه الدوائر. فأما الدوائر فلا نهاية لطولها إلا حين يأذن الخالق العظيم بفناء الدنيا كلها، وأما الخط المحصور فهو قصير إلى حد أنه لا اعتبار لطوله أمام خط الزمن المديد، فتجد أن الإنسان كلما انتهت دورة زمنية بسنة كاملة، يحسب أن الوقت قد استدار إلى نفس النقطة التي بدأ منها، وأن الحياة قد عادت كما كانت أول مرة، لأن الدائرة تنتهي عند أول نقطة بدأت منها، ولا يستشعر البتة، أنها ليست دائرةً حقا، وأن تلك النقطة بالنظر إلى الخط المحصور الذي يمثل عمره القصير، قد زاد ارتفاعها على سُلَّمِ العُمُر، وأن انقضاء السنة كلها ليس له سوى معنىً واحد، هو أن الإنسان اقترب إلى نقطة نهاية العمر بسنة كاملة. ولو قُدِّرَ للإنسان في عالم الخيال فحسب، أن يقف على مشارف نهاية رحلة العمر، فينظر بطرف خاطف إلى مسيرة الحياة التي قضاها على وجه الأرض، لَنَدِم على كل سنة وشهر، بل على كل ساعة ودقيقة، ضاعت منه هدَرًا، ولم يُفِدْ منها لدينه وأخراه، ولتمنى أن يكون له عمر ثانٍ يعوض فيه عما فات، ولكن هيهات هيهات. يقول القرآن الكريم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[1]. أما في عالم الواقع، فإن لسان الحال ينادي في الشباب خاصة، أن هذه الأوقات التي تنساب بين أيديكم هي أحلى أيامكم في الحياة، وأنها إذا انقضت لا تعود ثانية أبدا! فكيف وبِمَ نقضيها!؟، ولو كانت أكوابا بِمَ نَمْلَؤُهَا! وقد سبق في التاريخ أن أبا العتاهية يحكي على لسان من تقدم به الزمن، وتسارع به العمر، مقولة شهيرة، تتناقلها الألسنة إلى يومنا هذا، يقول فيها: وهل يعود الزمان إلى ما كان!! جاء في الأثر: (ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادي: يا ابن آدم! أنا خلق جديد، وأنا عليك غدا شهيد، فاعمل خيرا فِيَ أشهد لك غدا، وإني لو قد مضيت لن تراني أبدا)[3]. إنني أرقب شباب اليوم من قريب ومن بعيد، فأرى فئة متطلعة إلى المستقبل، تسلك إليه طُرُقًا معبدة، وَطِئَها الأبطال الأوائل من قبلهم، فَأُسَرُّ لحالهم، وأَزُفُّ إليهم بشرى النجاح عند أول خطوة، وأرى فئة أخرى تتثاقل بها الأقدام، ويستعصي عليها الخطو إلى الأمام، كأني بها في وحل مريج، يرفعون مِنْ عَنَتٍ قدما، فتغوص بهم أخرى! ولا يكادون يبرحون أماكنهم، فأحزن لحالهم، ولا أَمُنُّ النفس أنهم أساءوا وبخلوا، ولكني لا آلو جهدا في نصحهم وإرشادهم، وإن كنت أرى سَيْل الفساد قد آذن بإغراقهم ولو بعد حين! إني لأرجو لأحدهم أن ينظر إلى هذه السنة الجديدة، فينخلع هو من نفسه وحاله القديمة، ويعانق الزمن من جديد، بنفس جديد، ويرسم له تاريخا جديدا، ويَرْقُن له عيد ميلاد جديد. والله المستعان الأستاذ : سعيد المنجا الأربعاء فاتح محرم 1435ه موافق ل: 5 نونبر 2013م مدينة أفورار