صدقت تنبؤات الكثير من المناضلين حول الطريقة التي سيتعامل بها المخزن مع مسيرات " تاوادا 3" منذ البداية حيث منعت السلطات إيمازغن من التظاهر في الشمال (الحسيمة) والجنوب (أكادير)، وسمحت بذلك في مدينة الرباط. تبدو المسألة غير مفهومة في البداية ، فعوض أن تقوم قوى القمع بمنع التظاهر بالمركز (الرباط ) قرب المؤسسات الرسمية للدولة وأعين الصحافة الأجنبية وسفارات الدول الصديقة ، وقع العكس تماما إذ سمحت الدولة بالتظاهر في المركز ومنعته في الهوامش ، السبب في نظري مرتبط بتحول مدينة الرباط إلى ساحة للاحتجاج في السنوات الأخيرة وبالتالي سيكون منع الأمازيغ من التظاهر ورقة خاسرة بالنسبة للمخزن، خاصة إذا تدخل بعنف للحيلولة دون نجاح المسيرة أنذاك ستقوم وسائل الإعلام بتغطية الحدث بكثافة مقارنة مع التغطية التي ستقوم بها لمسيرة أمازيغية سلمية عادية مثلها مثل باقي المسيرات التي أصبحت أمرا عاديا بالنسبة للرأي العام الرباطي. ما يدل على هذا التعامل الذكي للمخزن مع إيمازيغن هو إخلاء شارع محمد الخامس ومنع مرور السيارات لتسهيل عملية حركة المتظاهرين قصد تقليص زمن احتجاجهم، مع رسم خطوط حمراء لا يجوز لهم تجاوزها ، لقد أصبحت المسافة التي تفصل بين باب الأحد والمحطة الطرقية بمدينة الرباط مجالا يسمح فيه بالتظاهر بشكل يومي ولهذا لم تمنع تظاهرة الحركة الأمازيغية يوم 3 فبراير 2013 ولو تم الاتفاق على مكان أخر في المدينة للاحتجاج لتم منعها. إن منع تظاهرة " تاودا 3" باكادير وبالضبط قرب المحطة الطرقية لانزكان يعود إلى طبيعة الشعارات التي رفعت منذ بداية الإستعداد للاحتجاج في إطار التعبئة عبر المنشورات والفيديويهات والإعلانات ، خاصة ما يتعلق بسياسة نزع الأراضي من القبائل التي تقوم بها الدولة منذ سنوات، تضمين شعارات تاوادا 3 مطلب استعادة الأراضي أغضب الدولة التي خشيت من مشاركة ممثلي القبائل المتضررة ونشطائها في المظاهرات، وهو ما سيعطي نفسا شعبيا للاحتجاج الأمازيغي، وذلك بنقله من صفته النخبوية إلى أوساط الفئات الاجتماعية الفقيرة التي ستستغل الاحتجاج لتحقيق مطالبها الاقتصادية والإجتماعية إن أكثر ما يخشاه المخزن هو انخراط فئة العمال والفلاحين الصغار الذين يعانون من بطش الرأسماليين الكبار في احتجاجات الحركة الأمازيغية، وهو نفس الأمر الذي كان المناضلون الأمازيغ يصرون على استحضاره في نقاشاتهم منذ بداية نضالاتهم، أي نقل الاحتجاج الأمازيغي إلى الفئة المقهورة والانتقال إلى طرح الأمازيغية في سياق المطالب الاقتصادية والاجتماعية للمواطن المغربي و الربط بين الأمازيغية والأزمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي يعيشها المغرب منذ الاستقلال. مسيرة الريف الكبير كما يسميه النشطاء الأمازيغ أيضا تم منعها، وحالت قوات الأمن دون تحرك المتظاهرين بالطريقة التي خطط لها ، لإسماع صوتهم لساكنة مدينة الحسيمة والسلطات العمومية . يمكن للسلطات المغربية أن تسمح بالاحتجاج في أي مكان بالمغرب إلا الريف، بسبب العلاقة المتوترة بين المركز و شمال المغرب تاريخيا ، إن الكثير من مشاكل الأنظمة السياسية المتعاقبة على المغرب كانت تأتيها من الشمال . تسمية الريف بالكبير في شعارات ومنشورات "تاودا 3" كان كافيا لتهييج كل آلات القمع المخزني للتربص بأي تحرك يدافع عن فكرة تقض مضجع السلطات منذ عشرينيات القرن 20، وما أغضب المخزن أكثر هو رفع أعلام جمهورية الريف، وتنديد المتظاهرين بتعامل المخزن مع ذاكرة محمد بن عبد الكريم الخطابي بالتماطل في إرجاع رفاته إلى المغرب، ومنع تداول صوره في بعض ملاعب كرة القدم لأنها أيقونة تذكر المخزن بسنوات لم تكن فيها العلاقة بين المركز والشمال جيدة. تسقط الدولة المغربية في تناقض كبير عندما تتعامل بطرق مع مختلفة مع نضالات الحركة الأمازيغية الموحدة ، فالقيادات الأمنية التي قررت أن تسمح للمتظاهرين الأمازيغ بالاحتجاج في الرباط نفسها هي التي أمرت بمنعه في الحسيمةوأكادير، وتعلم أكثر من أي طرف أخر أن سياق الاحتجاج في المدن الثلاث يأتي في إطار مسيرات " تاوادا3" التي دعت إليها تنسيقيات تاوادا من داخل الحركة الأمازيغية، ورغم ذلك تعاملت بشكل خاص مع كل مسيرة على حدة ، يتضح هذا التناقض أكثر عندما تسمح السلطات للمغاربة بالاحتجاج في أي مكان تضامنا مع الفلسطنيين أو العراقيين أو ضد أعمال إبداعية، مثلما وقع مؤخرا في مدينة طنجة عندما احتج العشرات من المغاربة على عرض فيلم "تنغير جيروزاليم" للمخرج الأمازيغي كمال هشكار، وعندما يحتج الأمازيغ و يتضامنون مع إخوانهم في أزاواد أو في ليبيا يتم اعتقالهم وتلفق لهم التهم الجاهزة. التناقض الأخر الذي يسقط فيه المخزن هو أنه اعترف دستوريا بالأمازيغية مكونا أساسيا في الهوية المغربية وهذا يعطي للأمازيغ الحق في التضامن مع أشقائهم الأمازيغ في الأقطار الأخرى عندما يتعرضون لأي مكروه، مثلما يرخص ل " العرب" المغاربة عندما يحتجون تضامنا مع قضايا إخوانهم المشارقة في فلسطين وسوريا والعراق. كشفت تاوادا 3 للأمازيغ أن الدولة المغربية لازالت متشبثة بمواقفها التقليدية تجاه الأمازيغية وأن ما يتم التصريح به بين الفينة والأخرى لا يشكل إلا تكتيكا سياسيا لتأجيل الأسئلة الحقيقية للقضية الأمازيغية المرتبطة بتقسيم الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقة، دون مزايدات سياسوية تمتطي حصان الأخلاق ومحاربة الفساد بطرق ميتافيزقية تقليدانية بعيدة عن مسار الديمقراطية في باقي العالم التي تؤكد على المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. لقد قدم المخزن من حيث لا يدري خدمة جليلة للقضية الأمازيغية عندما منع الاحتجاج السلمي، لأن المقاربة الأمنية لم تكن في يوم من الأيام حلا ناجحا لأي احتجاج مهما كان نوعه، بل إن ذلك يؤجج النضالات ويزرع المزيد من الحماس في صفوف المناضلين ويكسب القضية مزيدا من الدعم الخارجي. تاوادا 3 كشفت للأمازيغ أن حريتهم وكافة حقوقهم رهينة بما يقدموه من معتقلين وحجم الاحتجاجات التي يقودونها في الشارع، وأن نتائج الإصلاح من الداخل بطيئة جدا ، أضف إلى أنها تعطي مزيدا من الوقت للعقل المخزني للتفكير في آليات الاحتواء الجديدة وأساليب تأخير التحرر الحقيقي للشعب الأمازيغي . محمد زروال/ تونفيت