ونحن نودع السنة الماضية، لا أحد منا سينسى ما عاشته الأمة العربية في سنواتها الأخيرة من غربة، وصدمة، وحراك عربي جامح من المحيط إلى الخليج.. ولأن التاريخ يعيد نفسه بصيغ مختلفة، فإنه كذلك لن يغفل من ذاكرته أي تحول، وأي حدث مر، مهما طال الزمن.. سنوات عجاف تلك التي أسس لها البوعزيزي، بعدما كان دمه في محرقة علانية بشارة خير للبعض، وبداية شقاء للبعض الآخر، وهي الرؤيا المزعجة التي مازالت تؤرق البعض أيضا. وإذا كان عام 2011 عاما استثنائيا في تاريخ الأمة العربية، يذكرها بويلاتها وقتلها الجماعي، وتغير مجرى واقعها. فإن عام 2012 مر بدوره ساخنا، وقلقا، ومحبطا لأحلام رجالات وأقوام عدة. إلا أن دخول2013 الجديد كما يرى البعض، لا حدود لمفاجآته وتحولات دهره. تقول الأسطورة الغربية - حسب موسوعة ويكبيديا- إن كثيرا من الشعوب تتشاءم من الرقم 13. وذهبت تفسيرات ميتولوجية وتاريخية لتفسير هذه الأسطورة بالقول: إن المتداول لدى البعض أن أصل التشاؤم لديها يرتبط بالرقم 13، وهو معتقد مازال ساري المفعول. قديما كذلك كان لكل ثقافة رمز تشاؤمها، أو تطيرها من إنسان، أو حيوان، أو جماد، أو ظاهرة طبيعية.. إذ يُروَى أن ساحرات روما القديمة كن يجتمعن في الرقم 12، أما الرقم 13 فهو حسب اعتقادهن خاص بالشيطان، ويذهب البعض إلى أن حواء أعطت آدم التفاحة سبب الغواية والخروج من الجنة يوم 13 من الشهر، كما أن قابيل قد قتل هابيل في مثل نفس التاريخ.. الانجليز كذلك في القرن التاسع عشر ميلادي، كانوا يتطيرون من نفس التاريخ، فكانوا يرفضون تأمين أي سفينة مبحرة يوم 13 من كل شهر. وفي فرنسا، من المحافظين من يتبرك بتسمية الغرف بالرقمين 12 و14، أما رقم 13 فهو مرفوض طبعا، ولا ننسى أفلام 13 من يوم الجمعة المرعبة، كما كانت تقدم السينما الأمريكية. وحسب الشريعة الإسلامية فإنه لا معنى ولا وجود لهذا التطير في الإسلام، وقد نهى الرسول ص عن ذلك حينما قال:" لا عدوى ولا طيرة " إلا بحسب ما تمليه عقيدة المتطير أو المعتقد بصحة التطير في الوجود. يرى أبوتمام الشاعر العباسي وهو يتحدث عن أقوال وأراء المنجمين المتشائمة تحذيرا للخليفة المعتصم من المسير لمعركة عمورية، وهو يسخر ويضحك من هؤلاء المنجمين: السيفُ أصْدَقُ أنبَاءً من الكُتُبِ في حَدّهِ الحَدُّ بيْن الجِدِّ واللَّعِبِ بِيض الصّفائِح لا سودُ الصحائف في مُتونهنّ جَلاءُ الشّكِّ والرِّيبِ والعِلمُ في شُهُبِ الأرْمَاح لامِعَةً بين الخمِيسين إلا فِي السبعةِ الشُّهُبِ أينَ الروايةُ أم أين النجومُ ومَا صاغوه من زُخرُفٍ فيها ومن كَذبِ؟ عجائبا زعمُوا الأيام مُجْفِلَةً عنهن في صَفرِ الأصْفارِ أو رَجَبِ وخَوّفُوا الناسَ مِن دَهْياءَ مظلمةٍ إذا بدَا الكَوكبُ الغربِي ذو الذنبِ يَقضُون بالأمر عنها وهي غافِلةٌ ما دار في فَلكٍ منها وفِي قُطُبِ وبالعودة إلى حياتنا الواقعية اليوم، فإن الحذر- مما هو كائن وما قد يسببه الممكن- واجب وضروري ومطلوب للدول العربية، مادامت الكوارث والأضرار للأسف واردين في أي لحظة، في ظل البراكين التي مازالت مياهها تتبخر في صمت، إذا لم يتغير الواقع بباصرة وبصيرة .. حيث لا نرى إلا انقساما سياسيا وفوضى جماعية، حتى أصبحت الديمقراطية سلاح كل واحد يصرفها على فهمه، وعلى مقاسه، المثقف وغير المثقف. وهناك بلدان مهددة بخطر الانقسام، لأن ما يسيطر على تدبير فعلها السياسي، مجرد نخب مادية ولوبيات ضاغطة، تلعب بمصير شعوبها، فلا ترى سوى موجات من الغليان، وقلاقل من الخراب والعصبية، التي لا سند لها، حتى تحولت الاحتجاجات عينة من الموضة يريد كل واحد أن يجربها في لحظة عابرة لا غير.. ولا نتيجة من ذلك سوى الحرائق، ودخان الظلم، والتناحر والهدم، عوض البناء. وأما حال أنفسنا من بغضاء ما يحدث ويتكرر يوميا، فلا وصف له سوى قول الشاعر سعدي الشيرازي: نَوائبُ دهرٍ ليْتَنِي مِتُّ قَبْلَهَا *** ولَمْ أرَ عُدوَانَ السّفِيهِ عَلى الحَبْرِ أيَا نَاصحِي بالصّبْرِ دَعْنِي وزَفْرَتِي *** أمَوْضِعُ صَبْرٍ والكبودِ عَلى الجَمْرِ الدعوة لإصلاح أخطاء الماضي واجبة إذن، والاتحاد ضرورة هامة، وليس عاطفة ولا نشوة فردية. وإنما هو غاية جماعية، ورؤيا منطقية، لا مجال للخطإ معها، اتحاد التعاون والتآلف والتكامل، لا تفرقة الظلم وغلبة الأقوياء .. كما ينبغي نهج البناء الحق، اعتمادا على تشارك الرأي والتوجه الذي يحمي المستقبل، .. لأن العرب أمة واحدة، ومصيرهم واحد، والأخطار التي تهدد البعض قد تصيب الكل، فجميعنا من ذات واحدة، ذات الثقافة المشتركة، والوعي الجمعي، وربما المستقبل الواحد.