[b] أيها العابر بلا قيود ولا أوجاع في الذاكرة البيضاء، قف على هذه الأرصفة الزرقاء لحظة من وقتك الثمين تأمل من هؤلاء الذين يجلسون صباح مساء على هذا الإسفلت يفترشون أرشيف البيانات والتقارير اليومية، ويأكلون من نشرات الجرائد الرسمية وعودا وأخبارا ويشربون المرارة الصفراء من صفحات مجلات تعلن في عضلات اشهاراتها المتآكلة عن مباريات مشبوهة ولعينة لسخافات اسمها "الوظيفة". لحظة من وقتك المنظم أيها العابر.. هل تعرفهم أم لم تكلف نفسك يوما شرف ذلك؟؟ ربما قرأت بالصدفة بعضا من عناوين الأخبار الحمراء خبرا عاجلا مفاده أن تدخل قوات القمع والتقتيل أسفر عن سقوط ضحايا بين المعتصمين أمام مؤسسات تمتص دماء الشعوب المقهورة في وطن جريح حد الأفق الأسود هذا الوطن الذي أصبح له نشيد البوم كلما سمعناه خلناه نذيرا مشؤوما مخيفا.. وأنت بالصدفة كذلك،بينما كنت رحالا بين قنوات عالمنا الرأسمالي ذو أنياب القرش وأظافر التتار وأيادي التنين الذي يأكل من لحم نسوانه ، ويقتات من عائدات عرق المقهورين، وينتشي من مؤخرات أطفاله الأبرياء ،ويكوم رزمات من عاهراته المطهرات ممن ألبسهن العدم هندام الليالي الحمراء وهن يحاولن جاهدات إيقاظ حيوانية آل سعود وآل لوط كي يحللن "تغراضهن"ارضاء لوحش اسمه الفقر المدقع في زمن "المروكومول" و"الهامبورغ" و" الماكدونالز"...ربما وأنت على متن سيارتك "آخر موديل" أوقفك شرطي المرور بكل احترام وابتسامة ليقول لك "الطريق مقطوعة" فعدت أدراجك دون أن تكلف نفسك ارواء فضول حاولت أن تتستر عليه وهو يعتلي عقلك الوردي... أو على الأقل كنت تتابع حلقة من مسلسلك الرومانسي الجميل وحين صوب "فيديلو" مسدسه نحو صدر غريب في حضن معشوقته انقطع التيار الكهربائي لتجد نفسك في ظلمتين...ظلمة المكان الحالكة وظلمة التشويق لمعرفة نهاية عملية الإنتقام...فيا ترى هل تشجع العاشق وقتل الغريب أم اقتنع بقتل معشوقته الخائنة...لكن ماذا لو نظرت بين شظايا صورك العالقة بالذاكرة... لربما رأيت أن ملايينا من المعدمين والفقراء رافقتهم الظلمات الطوال والأمراض الفتاكة والجوع الرمادي والبرد الأزرق وليالي الألام والتحسر سنينا وسنينا حتى صارت لهم صديقا حميما... أيها العابر...افتح كفك وابسطها للرياح القادمة من حانة شاهدة على زمن فوضوي الوجه والجسد...ثملت بأنفاس معطلين سئموا الوقوف على رصيف العمر منتظرين طيفا ما قد يأتي ليرمي مجذافا لشعب يغرق ويغرق...وقد يكون البحر أرحم من أنياب العطالة في وطن نعرفه في التلفاز وإذا ما انقطع الكهرباء صرنا بلا وطن! افتح صدرك لحجارة قذفها المعطل في وجه شرطي عرى صدر معطلة لأن تاريخه الدموي لم يسعفه اكتشاف جغرافيا الجسد الأنثوي الجميل فانقض على جميلات الشعب نية منه في اشباع فقره العاطفي المزمن!! ...لكن قرارا ما من مجلس الأمن غير مجرى الحجارة كما غير مجرى تاريخنا البطولي ليقزمه في "أحيدوس والشيخات" فتبا لهم ولما يصنعون!! وأنت تحمل معشوقتك الشقراء على ظهر سفينتك وسط بحورنا التي باعوها دون اذننا لتكتشف جمال وطننا الخجول كيتيمة في حضرة "أوديب" وأنت كذلك تذكر أن هناك من بنات الشعب الراقيات في الجمال لحدود الخفر كقمر يستحيي اعتلاء عرش السماء... من تتفتح لهن جروح الأرض الغائرة فيزرعن بعضا من القمح لينبت العشب والسنابل.. أنفسهن من يوقفن في أحشاء الزمن هستريته في التهميش والنسيان...يقاتلن أسلاف التنين الميامين وصغاره الذين يخدشون وجه الملائكة بلا خوف ولا رهبة...هن جميلات جدا إلا أن العطالة تمتص من رحيقهن اليانع وتقص خصلات شعرهن الشرقي بروتينية متوحشة . تذكر أيها العابر أن هؤلاء ممن تراهم سكارى وما هم بسكارى هم أنبياء يرسلون لأنهم لم يخونوا وصايا الشهداء، فعزموا السير على ذات الدرب حفاة وعراة وعلى مسير مفروش بالشوك والحنظل...يمشون ملائكة واثقين الخطوات لأن خلف شمس تغيب يوجد فجر يولد ولو من الضجر والقهر... أيها العابر: التاريخ يمهل ولا يهمل فلا تكن كغيرك ممن كفروا بما جاء في مقدمة ابن خلدون.. B]