اختارت السلطات الليبية اللحظة المناسبة لاصدار احكام قضائية بسجن رجلي الاعمال السويسريين المحتجزين في سجونها، ودفع غرامة بمقدار 1100 يورو لكل منهما لاقامتهما في البلاد بطريقة غير مشروعة، لان اسهم سويسرا في العالمين العربي والاسلامي انخفضت الى ادنى مستوياتها بعد تأييد غالبية السويسريين في استفتاء عام ونزيه، منع بناء المآذن في جميع انحاء البلاد. الاستفتاء السويسري ونتائجه جاء ليخدم السلطات الليبية واجراءاتها في حق المواطنين السويسريين (احدهما من اصل عربي)، ويخرجها من احراجات كبيرة، لان نسبة كبيرة من العرب والمسلمين لم يتعاطفوا معها في ادارتها للازمة مع سويسرا الناجمة عن اعتقال هنيبعل القذافي، نجل الزعيم الليبي، واحتجازها سويسريين كرهائن. فالحملة الليبية على سويسرا التي شملت حظر النفط، وطرد الشركات وممثليها، وسحب الارصدة (ستة مليارات دولار) نظر اليها على انها اجراءات مبالغ فيها، وانتقاماً لتصرف ربما يكون خاطئاً باعتقال ابن الزعيم الليبي الذي لا يحتل اي موقع رسمي، وارتكب مخالفات قانونية عرضته لمحاكمات في بلدان اخرى خاصة فرنسا. الآن، وبعد الاستفتاء، بات الملايين من المسلمين يشعرون بالغضب الشديد من جراء هذا التصرف السويسري الذي يمس العقيدة الاسلامية، ويشكل تعدياً على معتقداتهم الدينية، وممارسة كافة اشكال العنصرية ضد ما يقرب من نصف مليون سويسري مسلم. الشعب السويسري في انحيازه بغالبيته الى اليمين العنصري المتطرف اثبت انه ليس حيادياً، بل ان حياده مجرد اكذوبة، وان كل ما قيل عن تسامح سويسرا، وانفتاحها على كل الاجناس والعقائد هو من قبيل التضليل والخداع. هذه السابقة السويسرية الخطيرة ربما تمتد الى مختلف الدول الاوروبية الاخرى تباعاً، حيث تتصاعد شعبية احزاب اليمين المتطرف بسبب معاداتها للاسلام والمسلمين، وممارسة ابشع انواع التحريض ضدهم. السلطات الليبية تشعر بالارتياح هذه الايام، لان كل اتهاماتها لسويسرا بالعنصرية ومعاداة الاسلام والمسلمين ثبتت صحتها ولو جزئياً من خلال الاستفتاء الاخير، فمن غير المستبعد ان يكون رجال الشرطة الذين اعتقلوا ابن الزعيم الليبي، واهانوه وزوجته، من انصار الاحزاب اليمينية العنصرية المتطرفة، وتعمدوا استهدافه لانه عربي ومسلم. ندرك جيداً ان الحزب الحاكم في سويسرا عارض نتائج الاستفتاء، وأيد دائماً بناء المآذن، وشدد على احترام البلاد لحرية العبادة، ولكن الديمقراطية السويسرية قالت كلمتها وكشفت عن عنصريتها الامر الذي لا يجب ان يمر دون حساب. اوروبا كلها وقفت ضد الحزب اليميني النمساوي بقيادة يورغ هايدر، وقاطعته كلياً وهددت بعدم التعاطي مع اي حكومة يشكلها بسبب عنصريته ضد اليهود على وجه الخصوص، ولكن اوروبا هذه تفتح ذراعيها لليمين المتطرف واحزابه التي توسع دائرة شعبيتها بتصعيد العداء للاسلام والمسلمين. بالأمس كانت حملات على شكل رسومات كرتونية ضد الرسول الكريم صلى الله عليهم وسلم، ثم تطورت الى منع الحجاب واهانة المحجبات، واليوم وصلت الى منع بناء المآذن، ولا نستغرب ان تمتد غداً الى حظر بناء المساجد، وربما ابعاد المسلمين ايضاً بحجة تشكيلهم خطراً على الاستقرار والامن الاوروبيين. الحكومات العربية والاسلامية يجب ان تتخذ اجراءات عقابية ضد سويسرا في حال مضيها قدماً في تضييق الخناق على المسلمين ومحاربتهم في عقيدتهم، وهناك وسائل كثيرة يمكن استخدامها، بما في ذلك حظر التجارة وسحب الارصدة، فهذه اهانة عنصرية يجب ان لا تمر بسهولة. والرد يجب ان يكون حضارياً وموجعاً بعيداً عن كل اعمال العنف. فليس هناك ما يؤذي الشعوب الغربية اكثر من ضربها في جيبها. القدس العربي