أدى التطور التكنولوجي الكبير خلال التاريخ المعاصر إلى ظهور العديد من التطبيقات الإلكترونية والأجهزة الكهربائية، مختلفة الأحجام ومتنوعة التخصصات، ويعد الشاحن الكهربائي، من بين الوسائل الضرورية في كافة هذه الأجهزة، خصوصا في صنف الهاتف والحاسوب المحمول. فلا يمكن لهذه الأجهزة أن تعمل دون شاحن يتوسط بينها وبين التيار الكهربائي، غير أن هذا الأخير في الكثير من الأحيان هزم الشاحن الكهربائي المغشوش والرديء، بعدما عجز عن مقاومته "للتيار الكهربائي"، الأمر الذي خلف حوادث وكوارث مادية وبشرية. السفاح الكهربائي فقد توالت مؤخرا ببلادنا، حوادث مؤسفة اهتزت لها قلوب المواطنين، وذاع خبرها كالنار في الهشيم وكان سببها هو "الشارجور". إذ شب حريق مهول خلال شهر مارس من السنة الجارية، بإحدى الشقق السكنية بحي شماعو بمدينة سلا، أوقع بأربعة أشخاص من عائلة واحدة. يتعلق الأمر بأب وثلاث طفلات صغيرات السن، مما أصاب أمهم الناجية رفقة ابنتها الرضيعة، بصدمة كبيرة، جراء الحصيلة المهولة للحادث، الذي خطف رفيق دربها وفلذات كبدها أمام عينيها، الشيء الذي تطلب مواكبة طبية لحالتها النفسية المتردية أمام الفاجعة التي أصابت مسار حياتها، وغيرت مجرى مستقبلها بالجملة. مباشرة بعد هذه الواقعة، اندلعت حرائق أخرى بالعديد من الشقق والمحلات التجارية وسيارات الأجرة، نذكر منها على سبيل المثل لا الحصر، حريق شقة المشروع السكني القديم بلوك 3 بالحي المحمدي بالدارالبيضاء، الذي تسبب في خسائر مادية جسيمة، غير أنه لم يسجل خسائر في الأرواح هذه المرة، والسبب، مرة أخرى، هو الشاحن الكهربائي للهاتف، الذي أصبح بعبعا يطارد كل البيوت المغربية، وحفار قبور لأعز وأحن وأقرب أشخاص لدينا في هذه الدنيا. المواطن المغربي يرتكب أخطاء بالجملة في التعامل مع هذه الآلة الصماء الجهنمية، القابلة للاحتراق في كل الأوقات دون سابق إشعار، نتيجة لسلوكاتنا المتهورة مع هذا الجهاز الذي نثق فيه أكثر من ملابسنا! رغم أن الأمر هو محض مخاطرة، خصوصا إذا تعلق الأمر بمادة ضعيفة ومغشوشة الجودة، يمكن أن تغدرنا في لحظة، خاصة في فترة الليل حينما نترك الهاتف طور الشحن، ونغط في النوم، كمن لا هم ولا قرح له، يزعجه ويخلخل استقراره. هي ممارسات اعتدنا عليها ونستهين بها دون اكتراث للعواقب الوخيمة التي قد تصيبنا، في ظل غياب أي وعي حقيقي، أو اختبار تجريبي يمكن أن نقيس من خلاله استعدادنا للتعامل مع الحادث، الذي قد يعصف بنا في أي وقت وحين، خصوصا إذا وصلت درجة حرارة الشاحن إلى حدها الأقصى، دون أن ننتبه له، لتكون النتيجة هي الانفجار الذي قد يخلف وراءه خسائر فادحة. شرطة السلامة التقت "بيان اليوم" بالعديد من الأمهات المتوجسات كثيرا من شبح الشاحن الكهربائي، الذي أصبح يتحين ويترصد الفرص لينقض على بيت أسرة ما وينكد عليها فرحتها، إما بخسائر مادية أو إزهاق لأرواح الأبرياء الذين لا ذنب لهم، حيث راحت العديد من الأسر ضحية للشاحن الكهربائي الماكر الغدار. وعلقت ربات البيوت على الموضوع بكثير من التخوف والتوجس، الناتج عن الحصيلة الواسعة من الضحايا، إذ أصبح "الشارجور" حقيقة موضوعية يضرب لها ألف حساب وحساب. ففتيحة (48 سنة) تواظب كل يوم، صباح مساء، على مراقبة منزلها من الخطر الداهم للشاحن الكهربائي، الذي يتركه أبناؤها في الكثير من الأحيان متصلا مع الضوء، إما سهوا، أو عمدا، رغبة منهم في شحن هواتفهم وحواسبهم المحمولة. كما اعتادت فتيحة بشكل يومي، قبل ذهابها للنوم، القيام "بحملة تمشيطية" لبيتها من أجل نزع أي "شارجور" متصل مع الضوء، علاوة على دروسها التذكيرية كل نهار لأبنائها وضيوفها الذين يحلون ببيتها. والسعدية (52 سنة) هي الأخرى تحذو حذوها، إذ لا تكاد تنفك عن مراقبة كل الأجهزة الالكترونية قبل نومها أو قبل سفر يتطلب منها في كثير من الأحيان قطع اتصال المنزل بالتيار الكهربائي دفعة واحدة، لأنها لا تثق بالمرة في الأجهزة الإلكترونية الفتاكة، التي وصفتها ب"فيروس" لا يمكن حد انتشاره إلا بالمراقبة الدورية، خصوصا أمام تهاون أبنائها بل وزوجها أيضا، الذين يلقون على عاتقها حملا ثقيلا، وهو ما جعلها كشرطي السلامة الذي يراقب، ويحذر، ويترصد، ويتابع، ويتعقب، ويعاين.. فتيحة استنكرت بشدة ما يقوم به بائعو الأجهزة الإلكترونية الذين يتاجرون في سلعة مغشوشة وغير صالحة للاستعمال الآمن. وأوضحت الأستاذة ربيعة (38 سنة)، في ذات الصدد، أن خطر الشاحن الكهربائي يزداد إذا كان في موضع يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارته أو يساهم في اشتعال الحرائق، كوضعه فوق المخدة أو السرير أو أريكة تحتوي على مواد قابلة للاحتراق بسرعة كبيرة، وربما هذا هو السبب الذي أدى إلى حرق العديد من المنازل المغربية بشكل فجائي. وقالت ذات المتحدثة : "يترك الكثير منا هاتفه النقال يشحن ويذهب لقضاء حوائجه، أو النوم دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من كيد الشارجور"، وهو ما دفع العديد من المختصين في مجال الوقاية، إلى النصح بترك الهاتف أثناء الشحن فوق سطح الأرض أو مكان صلب غير قابل للاشتعال، يقي من تنقل النار إلى باقي الأثاث في حالة ما شب حريق بالمنزل. تدخل الصدمات تدخل الصدمات إما يحيي مرة واحدة أو يقتل مرة واحدة، كما يقول بيير داكوياما، وهو ما يحدث كثيرا أثناء التدخلات المباغتة التي تجيء على حين غرة، حيث يتيه الفرد ويحير العقل في التعامل مع الوضع المستجد. فقليلا ما يفلح المرء في أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، وكثيرا ما يقع ضحية للشارجور السفاح الذي لا يمنح خصمه الفرصة للتفكير في السبل الكفيلة لمواجهة غضبه، ويخلف ضحايا كثر إذا لم يواجه بالسرعة والتدخلات "القيصرية" التي يمكن أن تخفف من حدة الخسائر. إلا أنه ليس كل تدخل تسلم معه الجرة، إذ كثيرا ما يحتقر المنقذ النار ويمني النفس بالتغلب عليها، غير أنها لا تلبث أن تصبح لهيبا مستعرا قابلا لأن يحصد كل صغيرة وكبيرة، بما فيها الأطفال الصغار والناس الضعفاء من حيث البنية الجسمانية، والمثال نستشفه من الحادثتين المروعتين لسلا (الأستاذ وبناته الثلاث) وأزيلال (مصرع 4 أشخاص وإصابة 4 آخرين باختناق، يوم السبت 29 أبريل 2017). وفي اتصال هاتفي ل"بيان اليوم" مع رجل الإطفاء، نسيم الهوى، أوضح هذا الأخير أن أول شيء يجب القيام به أثناء التدخلات العاجلة هو الهروب بالأطفال والأشخاص المسنين من مكان الحادث، مع إخبار الجيران بالواقعة لأخذ الاحترازات اللازمة، علاوة على الاتصال برجال الإطفاء، والتدخل إذا كان بالمستطاع، وإذا لم يتأت ذلك فمن الأحسن ترك الأمر لرجال الاختصاص. تجارة الموت شكل حريقا مدينة سلا وأزيلال المؤلمين، موضوع نقاش حاد استمر أياما طويلة، ساءل من خلاله المواطنون وممثلو المجتمع المدني، المسؤولين عن السماح بالتجارة في الشاحن المغشوش، ناهيك عن مدى مراقبة مؤسسات الدولة لجودة هذه الأجهزة التي تباع وتشترى نهارا جهارا في الأسواق بالجملة مثل الخضر والفواكه، فضلا عن غياب التوعية والتحسيس بالمخاطر والآفات، التي تحدق بكل بيت يتوفر على شواحن مستعدة للانفجار متى انتهت مدة صلاحية اشتغالها بتلك المواد رديئة الصنع. فلا أحد لا يريد أن يخاطر بحياته من أجل دريهمات قليلة مقابل شاحن ضعيف الجودة، لكن العديد من الناس يشكون من النصب والاحتيال الذي يلاحقهم من طرف المحلات التجارية الخاصة بالأجهزة الإلكترونية، وكذا الأشخاص الذين يفترشون الأرض ويعرضون سلعهم الإلكترونية بما فيها الشاحن الكهربائي، وبطارية الهاتف غير المراقبة من طرف أجهزة الدولة. ومن خلال تعليقات بعض الشبان والشابات، التي أدلوا بها لبيان اليوم، تبين أن جلهم لا يميز بين الشاحن الصالح والطالح، وذلك راجع إلى ضعف الخبرة، وكذا عدم الدراية بالمجال عن كثب، فيونس (23 سنة)، يرصد كل شهر جزءا من ماله لصالح معدات الهاتف بما فيها الشاحن الذي يغير كثيرا، بعد تعطله مرات عديدة. ولدى سؤالنا له عن سبب عدم اقتنائه شاحنا متميز الجودة؟، قال "لا أعرف كيف أميز بينهما، رغم أنني أثق في من أشتري منه، إلا أن لا أحد يمكن أن تُطمئن إليه نفسك، فجلهم سماسرة ومحتالون يتاجرون في سلعة رديئة، رغم أنني أدفع في بعض الأحيان أثمنة مضاعفة من أجل شراء شارجور أصلي يمكن أن اشتغل به بأمان ودون خوف وتوجس". وهو ما أكدته لنا أيضا، أسماء (21 سنة) التي تعبت من اقتناء شاحن لهاتفها في كل مرة من الباعة الذين يستغلون سذاجتها في مجال الإلكترونيك، فلم تجد بدا غير دفع سعر مضاعف من أجل الاستفادة من شاحن لهاتف أصلي في علبته الجديدة، لكن صاحب المحل غير هذه المرة أيضا الشاحن الأصلي بآخر مزور، في تجارة واضحة بالموت. وبعد نقلنا هذه المعاناة لأصحاب المحلات و"الفرّاشة"، ألقى بعضهم باللائمة على المواطن الذي يجري وراء الرخاء والسعر منخفض الثمن، موضحين بالإجماع في ذات الصدد أن هناك فئة من الناس لا يهمها الجودة بقدر ما يشغل بالها السعر الرخيص. وبرروا موقفهم كباعة أيضا بأنه لا بديل لهم في محاربة البطالة غير الاتجار في المشتقات الإلكترونية، التي لا تتطلب رأسمال كبيرا. إلا أن عادل (38 سنة) (اسم مستعار بعد رفض ذكر اسمه)، وهو صاحب محل لبيع وإصلاح الهواتف النقالة، بباب مراكش، بمدينة الدارالبيضاء، ألقى في وجهنا بحقائق أخرى، مصرحا أنه يقوم باقتناء الشاحن بالجملة بثمن لا يتعدى في بعض الأحيان ثمنه 5 دراهم إذا كانت الكمية المشتراة كبيرة! ويضيف عادل بثقة: "إننا لا نعثر أصلا على شواحن أصلية إلا إذا كانت لهواتف جديدة ضاعت ولم تعد صالحة للاشتغال، أما مسألة أن هناك شاحنا أصليا فلا أساس لها من الصحة في الحقيقة، أغلب الشواحن هي مزورة ولا تصلح بتاتا للاستعمال ولا يعول عليها كسلعة ذات جودة ويمكن الوثوق بها لمقاومة حرارة الكهرباء المرتفعة". استنادا إلى هذا طالب نشطاء صفحات التواصل الاجتماعي، من خلال منشوراتهم، مسؤولي وزارة الصناعة والتجارة، وكذا السلطات المحلية، سيما جمعيات حماية المستهلكين في المغرب من أجل التدخل لوقف تسويق هذه السلع التي تغزو الأسواق كالفطريات، وتشكل بحسبهم خطرا على العائلات المغربية، على اعتبار أنها لا تستجيب لمعايير الجودة والسلامة الصحية للمواطن.