يشخص الأطباء حالات الأطفال المرتبطة باضطراب التوحد من خلال رصد سلوكياتهم ومنها التصرفات المتكررة والانطواء الاجتماعى، ولا يتسنى تشخيص حالات غالبية الأطفال قبل بلوغهم سن أربع سنوات، ويؤكد المختصون على أهمية اكتشاف هذه الاضطرابات بصفة مبكرة لتحسين نتائج العلاج. ويساهم وجود المقربين في مساعدة الآباء على تربية الأبناء والإحاطة بهم ومنحهم الاهتمام والرعاية اللازمين، وذلك استنادا إلى تجاربهم وخبراتهم التي تمكنهم من أداء هذه المهمة على أتم وجه، وقد يتنبهون بحكم هذه الخبرة إلى المشكلات السلوكية والإعاقات التي يعاني منها الأبناء في وقت مبكر. ويتفق الخبراء عند علاج حالات التوحد على مبدأين أساسيين، يأتي أولا التدخل المبكر الذي يعد أمرا أساسيا لمساعدة الطفل المصاب بالتوحد في الحصول على حياة صحية سعيدة ومرضية، وثانيا أن مرضى التوحد يستجيبون بشكل أفضل للبرامج والعلاجات التي تشكلت وفقا لاحتياجاتهم. وأكد الخبراء أنه كلما تم تشخيص حالة التوحد مبكرا كانت نوعية وكيفية البرامج التي يخضعون لها أحسن، وذلك انطلاقا من التكهن بحالة المريض وتطوراتها على المدى البعيد. يبقى دور الأسرة والمجتمع مهمّا في مواكبة الطفل التوحدي، الذي يحتاج إلى معاملة دقيقة مبنية على أسس علمية نظرا إلى طبيعة الاضطراب المعقدة التي يعاني منها، وذلك بهدف تمكينه من الاندماج الفعلي في المجتمع وحتى جعله نابغة في مجال من المجالات التي يميل إليها. وتجد الأسر التي لديها طفل يعاني من التوحّد صعوبة في فهم سلوكياته، ويمكن أن يساعد الأقرباء الآباء في تشخيص إصابة الأطفال بالتوحد في سن مبكرة إذا كانوا يقضون الكثير من الوقت مع الصغار، استنادا إلى ما أكدته دراسة أميركية حديثة. وقال جوزيف بوكسباوم أحد الباحثين في الدراسة من كلية إيكان للطب في نيويورك "هذه النتائج مهمة بشكل لا يصدق إذ يمكنهم تشخيص الحالة مبكرا.. التشخيص المبكر يعني التدخل المبكر وهو أمر مهم لتحسين نتائج العلاج". وأشار الباحثون في دورية التوحد (أوتيزم) على الإنترنت إلى أنه على الرغم من أن اضطراب طيف التوحد يمكن رصده بدءا من بلوغ الطفل سن العامين فإن حالات كثيرة لا يتم تشخيصها إلا حين يقترب الطفل من سن الرابعة. وتابعوا أنه كلما جرى تشخيص الإصابة بالتوحد مبكرا كلما كان العلاج أفضل لأن مخ الأطفال الصغار يكون أكثر قدرة على الاستجابة للعلاج من الأطفال الأكبر سنا. وأجرت الدراسة الحالية مسحا عبر الإنترنت لآباء وأمهات أطفال مصابين بالتوحد وشملت أيضا بعض الأصدقاء وأفراد العائلة. وجرى تشخيص إصابة الأطفال الذين شاركوا في الدراسة بالتوحد عندما أتموا 40 شهرا من العمر في المتوسط إلا أن تشخيص إصابة الأطفال الذين أمضوا وقتا مع جداتهم بانتظام كان قبل ذلك بخمسة أشهر تقريبا. وقال ناتشوم سيكرمان كبير الباحثين في الدراسة وهو من جامعة كولومبيابنيويورك "لاحظ نحو 50 بالمئة من الأصدقاء وأفراد من أقرباء العائلة أن الطفل يعاني من أمر ما قبل أن يدرك الآباء والأمهات ذلك بأنفسهم". ولتحديد كيف يمكن أن يؤثر الكيان الأسري على رصد المرض فحص الباحثون بيانات 477 من أولياء أمور أطفال مصابين بالتوحد وبيانات 106 من الأصدقاء المقربين وأفراد العائلة. وأوضحت الدراسة أن تشخيص إصابة الأطفال الذين ليس لهم إخوة بالتوحد جرى ما بين 6 و8 أشهر قبل الأطفال الذين لهم أشقاء أو شقيقات. وعندما سئل الآباء والأمهات عن شخص آخر بالغ مقرب من الطفل تعرف على احتمال إصابته بالتوحد أوضحت 27 بالمئة من الحالات أن هذا الشخص كان الجدة من ناحية الأم و24 بالمئة من الحالات كانت المعلمة. وأوضحت الدراسة أن الأجداد والجدات لاحظوا قبل الآباء والأمهات احتمال إصابة الطفل بالتوحد بنسبة نحو 59 بالمئة. وقال الطبيب توماس فريزير مدير مركز التوحد في مستشفى كليفلاند كلينيك للأطفال في أوهايو الذي لم يشارك في الدراسة "من المعتاد أن يقضي الأجداد وقتا طويلا مع الأطفال أو يوفرون لهم الرعاية بحيث يسهل رصد وجود مشكلة مما قد يؤدي إلى تشخيص الإصابة بالتوحد". وأضاف قائلا "يجب أن يكون الآباء والأمهات منفتحين على مخاوف أفراد العائلة بما في ذلك الأجداد والجدات، المتعلقة بأبنائهم... فكلما زادت الأعين كان أفضل وهذا حقيقي بشكل خاص عندما يكون الطفل الذي يواجه مشكلة هو الطفل الأكبر سنا". ومن جانبها قالت الدكتورة ريم رودياس، الأخصائية في الطب النفسي للأطفال في المغرب، إن أعراض اضطراب التوحد تشمل ثلاثة جوانب رئيسية تتمثل في التفاعلات الاجتماعية للشخص المصاب، وخصائص التواصل عنده، سواء منها اللفظية أو غير اللفظية، والقيام بسلوكات أو حركات متكررة ونمطية تبعث على الاستغراب أو التعجب أو انزعاج الغير. وأوضحت رودياس، أن التوحد يعد "اضطرابا في النمو، تظهر بداية أعراضه قبل السنة الثالثة من عمر الإنسان"، مضيفة أن "الوقع النفسي لاكتشاف اضطراب التوحد يكون عموما مزعزعا لنفسية أسرة المصاب". وأكدت نائبة رئيس التحالف من أجل النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة ورئيسة تحالف الجمعيات العاملة في مجال إعاقة التوحد بالمغرب، سمية العمراني "لا يوجد دواء لعلاج التوحد، وإنما يعالج بالاشتغال على طريقة التربية وتعديل السلوك والتدريب والتأهيل". وغالبا ما تواجه أسر المصاب باضطراب التوحد صعوبات ومشاكل عديدة تتمثل بالأساس في قلة الإطارات الطبية المتخصصة في هذا المرض وتكاليف علاجه الباهظة، فضلا عن مواكبة الطفل التوحدي واندماجه في المجتمع. وأكدت العمراني أن الصعوبات والتحديات التي يواجهها الأشخاص المصابون بالتوحد وأسرهم في التعامل مع هذا الاضطراب وتداعياته تمس أربعة جوانب أساسية تكمن في "تقبل الإعاقة المرتبطة أساسا بالصورة النمطية الشائعة عن المصابين بالتوحد، والتوجيه، والمواكبة والتكفل بالمصاب على المدى المتوسط والبعيد، إلى جانب اندماج الأطفال التوحديين في المجتمع". من جانبها، قالت عزيزة قاسم، وهي موظفة بالقطاع العام وأم لمراهق توحدي، إن المشاكل التي تواجهها في التعامل مع تداعيات اضطراب طفلها، كانت ولا تزال جمة، موضحة أنها تتجلى، بالأساس، في قلة الأطر الطبية والتربوية المتخصصة وارتفاع تكاليف التكفل ، فضلا عن صعوبة الولوج إلى المؤسسات التعليمية ومراكز التكوين.