علينا كبرلمانيين أن ننبه زملاءنا الإسبان إلى خطورة هذا المنحى السلبي على مستقبل العلاقة بين بلدينا ومستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة وفي حوض البحر الأبيض المتوسط ضرورة قيام البرلمان المغربي بدوره الدبلوماسي، بشكل أقوى من أي وقت مضى، وبشكل خاص فيما يتعلق بعلاقاتنا مع البرلمان الإسباني كمؤسسة، ومع الفعاليات البرلمانية داخلها، في أفق بناء علاقة تشاور، واحترام متبادل، تعزز ما نريده من تعاون وشراكة وحسن الجوار، واحترام السيادة ومصالح الشعبين عقد مجلس المستشارين جلسة أول أمس السبت مخصصة للرد على قرار البرلمان الإسباني وفيما يلي النص الكامل لتدخل العربي خربوش: «باسم فريق التحالف الاشتراكي بمجلس المستشارين أعبر عن تنديدنا واستنكارنا لموقف البرلمان الإسباني من قضية وحدتنا الترابية، واصطفافه، بدون تحفظ، بجانب الانفصاليين ومحتضنيهم، وتدخله في شؤون بلدنا بشكل لا يراعي لا علاقات الجوار، ولا سيادة المغرب وكرامة شعبه، ولا مصالح الشعبيين المغربي والاسباني.. إننا نعبر عن قلقنا الكبير من هذا التهور الذي أصاب أطيافا واسعة من الطبقة السياسية في إسبانيا، ومن إصرار على خلق حالة توتر، وتسميم أجواء العلاقات المغربية الاسبانية، وانسياق البرلمانيين الاسبان، بشكل أعمى، وراء أطروحات ومصالح أعداء الوحدة الوطنية والترابية لبلدنا، ووراء المصالح الانتخابية الظرفية، على حساب المصالح الإستراتيجية لبلدينا، المحكوم عليهما تاريخيا وجغرافيا وحضاريا ومصلحيا، بتوطيد العلاقات، والتعاون، والشراكة، لما فيه مصلحة بلدينا وشعبينا. وكنا نأمل أن يراعي البرلمان الاسباني كل هذه الأبعاد، ليضع المؤسسة البرلمانية في خدمة هذا البعد الاستراتيجي في علاقة إسبانيا بالمغرب، وليس خدمة أجندات انتخابية ظرفية، ومصالح حزبية جد ضيقة.. إننا بلد له سيادة، وشعب له كرامة، ووطن له حرمة، ولا يمكن لنا، بأي شكل من الأشكال، أن نقبل أبدا بهذا التدخل السافر في شؤوننا الداخلية، والمس بقضية شعب برمته، من منطلق الحنين للعهد الاستعماري، وتوهم وصاية انتهى فرضها بالقوة منذ زمن.. أحداث العيون مسالة مغربية داخلية، وتعالج داخل السيادة الوطنية المغربية، وإسبانيا لم يعد لها أي علاقة مع العيون، وباقي مدننا الجنوبية منذ 1975 بعد تحريرها من الاستعمار البغيض، وعلى جيراننا الاسبان أن يستوعبوا هذه الحقيقة، وأن يتخلصوا، بصفة نهائية، من الرواسب الاستعمارية ومخلفات عهد فرانكو البائد، ومن المناورات الصغيرة، التي تهدف إلى إدامة التوتر في جنوبنا، حتى لا نتفرغ لتصفية الاستعمار في مدينتينا المستعمرتين في الشمال، سبتة ومليلية، اللتان تندرجان ضمن آخر بؤر الاستعمار في العالم، وكان من المفروض، مبدئيا، أن تنتبه القوى التقدمية والديمقراطية الاسبانية إلى هذا الوضع المشين، وخلق أجواء وشروط تصفية هذا الاستعمار، عوض العمل على إدامته والدفاع عن اسبانيا كبلد مستعمر، وهو ما لا يليق بها وما لا يليق بهذا العصر. إن ما يفسر هذا التهور في التعامل مع بلدنا وقضيته الوطنية من طرف جزء هام من الطبقة السياسية الاسبانية، هو الحقد التاريخي الذي يعبر عنه في كل مناسبة، ورثة الدكتاتور فرانكو، المنضمين والملتفين حول الحزب الشعبي، والوهم الذي لا يريد جزء من اليسار الاسباني التخلص منه، وهو زعزعة النظام السياسي لبلدنا، والاستمرار في الاعتقاد، رغم كل الدلائل الملموسة، أن قضية الصحراء هي قضية نظام سياسي وليست قضية شعب، والعجز عن استيعاب تلاحم العرش والشعب منذ زمن طويل، وبشكل خاص فيما يتعلق بالوحدة الترابية والوطنية، وكل القضايا الكبرى للوطن... ويفسره أيضا، هذا الانسياق المحموم وراء أصوات ناخبين تغيب عنهم الحقائق بفعل التعتيم الإعلامي المنحاز، ونشاط منظمات حقوقية مسخرة من قبل أعداء وحدتنا الترابية، في ضرب سافر لمصداقيتها، وعلى حساب المصالح الإستراتيجية لإسبانيا نفسها. إن الأمور تتطور بشكل سيئ للغاية، رغم بعض الاتزان الذي ميز سلوك الحكومة الإسبانية لحد الآن إزاء المزايدات الرخيصة لجزء هام من الإعلام الإسباني، وللطبقة السياسية، والتي ابتدأت بالتزوير والكذب الذي مارسه الإعلام الإسباني، والذي يعرفه كل العالم، مرورا بتأثير الحزب الشعبي الإسباني داخل البرلمان الأوربي لإصدار موقف منساق وراء أطروحاته ومصالحه، بشكل متسرع ومنحاز، وبموقف البرلمان الاسباني السلبي والعدائي تجاه وطننا، ثم أخيرا الملتمس المعتمد من قبل اللجنة المنظمة لمؤتمر حزب اليسار الأوربي يوم أمس (يقصد الجمعة) بإيعاز، من أوساط يسارية إسبانية. وهذه مناسبة لنندد، بقوة وشدة، بما تضمنه هذا الملتمس من هجوم مرفوض على المغرب، وعلى ثوابته الوطنية ومؤسساته الدستورية، حيث اضطر حزب التقدم والاشتراكية، الذي كان يشارك في الأشغال، إلى الانسحاب بعد مجهودات مضنية، بذلها لإثارة الانتباه إلى خطورة اعتماد ملتمس من هذا النوع. فهل ينبغي أن ننتظر الأسوأ ويتوج كل هذا الطيش وكل هذا العداء والحقد على بلدنا، وكل هذا الضغط الرهيب، بموقف للحكومة الاسبانية يساير هذه الموجة العدائية العارمة؟. كنا نعتقد، في فريق التحاف الاشتراكي، أن هذه الموجة ستقف عند أكاذيب إعلامية مفضوحة، تمكنا من مواجهتها بنجاح، وعند مزايدات حزبية داخلية وظرفية، لكن الأمر وصل إلى مؤسسة دستورية وازنة في إسبانيا، وهي البرلمان، ولا يمكن لنا أن ننتظر الطوفان، علينا إيقاف الموجة عند حدها، وأن نتساءل بجد: ماذا تريد هذه الأوساط الإسبانية بالذات؟. هل تريد شراكة وتعاون في مختلف المجالات مع بلد موحد، ديمقراطي، نامي، بلد شريك في معالجة الملفات الشائكة المطروحة بين بلدينا، وشريك في التنمية، بلد دخل في مد إصلاحي منذ أزيد عقد من الزمن، بلد يقاسم مع إسبانيا وباقي الدول الأوربية عددا من القيم الكونية المشتركة، القائمة على الديمقراطية والتعددية والحرية والحداثة، بلد يشكل اليوم صلة وصل بين العالم الغربي والعالم المغاربي والعربي والإفريقي، في اتجاه حوار مثمر للثقافات والحضارات؟ هل تريد بلدا في جوارها يسير في هذا المنحى بكل استقلالية وسيادة؟ أم تريد بلدا ضعيفا مفككا، ومكلفا في نفس الوقت بحراسة الضفة الجنوبية؟ هل تريد شراكة إستراتيجية، أم تعاون في ملفات محدودة تزعجها مثل ملف الهجرة السري، والمخدرات والإرهاب؟ والاستفادة من ثرواتنا البحرية؟ بلدنا لن يقبل بهذه الانتقائية في مجالات التعاون والشراكة، وبهذه النزعة المتعالية لجزء هام من الطبقة السياسية باسبانيا. علينا أن نشرح لجيراننا أن هناك ملفات تهمهم بالدرجة الأولى، ونحن مستعدون للتعاون بشأنها، لكن هناك أيضا ملفات تهمنا نحن بالدرجة الأولى، وعليهم أن يعبروا عن نفس الاستعداد للتعاون والشراكة، بشكل متبادل، وانطلاقا من احترام سيادة ومصالح كل بلد.... ومن هذا المنطلق، فإننا ننوه بموقف الحكومة المغربية، وندعم التوجه نحو التفكير في تقييم مجمل العلاقات مع إسبانيا، في كل المجالات، لتكون هذه العلاقات ذات طابع استراتيجي، ومبنية على الاحترام المتبادل لسيادة البلدين، وعلى التوازن، وخدمة المصالح المشتركة بين البلدين لما فيه مصلحة الشعبين الإسباني والمغربي. كما نؤكد مرة أخرى على ضرورة قيام البرلمان المغربي بدوره الدبلوماسي، بشكل أقوى من أي وقت مضى، وبشكل خاص ما يتعلق بعلاقاتنا مع البرلمان الإسباني كمؤسسة، ومع الفعاليات البرلمانية داخلها، في أفق بناء علاقة تشاور، واحترام متبادل، تعزز ما نريده من تعاون وشراكة وحسن الجوار، واحترام السيادة ومصالح شعبينا. علينا أن ننبه زملاءنا الإسبان، بكل ما يلزم من قوة، إلى خطورة هذا المنحى السلبي على مستقبل العلاقة بين بلدينا، ومستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي حوض البحر الأبيض المتوسط. وفي نفس الاتجاه يتعين العمل لدى مختلف مكونات البرلمان الأوروبي والبرلمانات الوطنية لدول الاتحاد الأوروبي. فهناك مخاطر حقيقية تهددنا جميعا، وبشكل خاص خطر الإرهاب، الذي أصبح يتضح للجميع، ما يشكله وجود عصابات من المرتزقة في منطقة الساحل، بما في ذلك في الصحراء الجزائرية، غير خاضعة للضبط ولا لأي قانون دولي، من خطر، إن عاجلا أو آجلا، على أمن واستقرار، ليس فقط منطقة المغرب العربي بل كذلك إسبانيا و أوربا برمتها... علينا أن ندعوهم للتعقل، وإعمال المقاربة الإستراتيجية، والتخلي عن الأوهام... فالمغرب بلد مستقل، قوي بإجماعه الوطني الذي ظهر للعالم أجمع في مسيرة الدارالبيضاء التاريخية، التي تعتبر وقفة وطنية صارمة للشعب المغربي دفاعا عن وحدته، وبلد قوي بإرادته السياسية في حل النزاع بأسلوب حضاري، يتجلى بشكل واضح، في مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بدعم متزايد كحل وطني وديمقراطي لنزاع يعرف الجميع من اختلقه ومن يريد استمراره بأي ثمن. فلتعي إذن الأوساط الإسبانية بضرورة العدول عن تهورها، وبضرورة التعقل والرجوع إلى الصواب، الذين لا يمكن للمغرب أن يلتزم بهما لوحده.