نساء يطالبن ب «كوطا» اقتصادية على غرار ما تحقق في المجال السياسي شكل السوق الدولي الأول للاستثمار النسائي، الذي نظم مؤخرا بالعاصمة الاقتصادية البيضاء، تحت شعار»الاندماج الاقتصادي: أي آفاق للعالم العربي والاستثمار»، أرضية خصبة، لتناول قضية الاستثمار النسائي الذي أصبح يشكل مدخلا أساسيا لتنمية اقتصادات الدول، خاصة النامية. فقد خلق السوق (الملتقى) مساحة كبيرة للتفكير في إعداد استراتيجيات وسياسات قادرة على تشجيع الاستثمار النسائي وتحديد فرص الأعمال، وفضاء لتبادل التجارب والخبرات النسائية، وإغناء النقاش حول مسألة الاستثمار خاصة الشق النسائي منه، وتشجيع المرأة على ولوج هذا العالم الذي ظل حكرا على الرجال إلى وقت قريب. فواقع الاستثمار النسائي بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط «مينا»، تعتريه جملة من الاختلالات والمشاكل سواء الإدارية أو التشريعية، بل حتى السياسية والاقتصادية، مشاكل تحول دون دخول سيدات الأعمال بقوة إلى الساحة الاستثمارية ومنافسة الرجل في إطار الندية. ففي المغرب، يصل عدد النساء رئيسات المقاولات، حسب إحصاء أنجزته الجمعية المغربية للنساء رئيسات المقاولات سنة 2006، قرابة 5 آلاف امرأة، في حين بلغ عدد مناصب الشغل التي توفرها المقاولة النسائية المتمركزة غالبيتها في قطاع الخدمات، ما يفوق 30 ألف منصب شغل. وشكلت تجربة الجمعية، تجربة فريدة في العالم العربي، حيث تتجلى فلسفتها في تشجيع روح المقاولة في صفوف المرأة، إذ رصدت لهذه العملية ميزانية أولية تبلغ 1.1 مليون درهم، وهي تقدم الدعم التقني والمالي للنساء الشابات اللواتي يحملن أفكار مشاريع. هذه التجربة تستحق التشجيع، إذا ما تم إسقاطها على واقع الاستثمار النسائي في المنطقة العربية، والذي مازال في بداياته ويتخبط في مجموعة من المشاكل، خاصة في المجتمعات المحافظة التي ترى في خروج المرأة إلى منافسة الرجل في مجال المال والأعمال غير مقبول نهائيا. فالفتاة في المنطقة العربية ككل، حاضرة في الجامعات وغائبة في مجال خلق المقاولات نتيجة طبيعة العقليات بهذه المنطقة، وأن الظرفية الحالية تدعو إلى تحفيز الفتيات في هذه المنطقة لولوج المقاولة، عبر فتح نقاش واسع حول هذا الموضوع، وبالتالي جعل المرأة المغربية المقاولة حاضرة بقوة داخل المشهد الاقتصادي الوطني، ومساهمة في النسيج الاقتصادي العام. وتماشيا مع ذلك، ومند سنوات، تعالت أصوات نسائية مغربية وماتزال، بالمناداة بضرورة تخصيص التمثيلية النسائية في المجال الاقتصادي ب «كوطا» تماثل «الكوطا» المتوصل إليها في المجال السياسي، مع العلم أن المنظومة التعليمية الوطنية لا تساعد على إفراز خريجات يستجبن لمتطلبات سوق المقاولة. وفي السياق ذاته، أكدت الحكومة غير ما مرة، على أهمية المساهمة النسائية في النسيج الوطني الاقتصادي، والدفع بعجلة الاقتصاد الوطني، حيث كان أحمد رضا الشامي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة قد أكد على أن مشاركة العنصر النسوي في الاقتصاد الوطني يشكل أولوية. مبرزا أن الحكومة مصممة أكثر من أي وقت مضى على تشجيع وتعزيز المشاركة النسائية في الأنشطة الاجتماعية كما في مجال الأعمال. كما أشار إلى أن النساء يشكلن رافعة هامة لتحقيق النمو بالنظر لدورهن النشيط، وتوفرهن على طاقة خلاقة ومواصفات هامة في ميدان التدبير والحكامة الجيدة. وعلى العموم، فالعالم يعرف فترة تتميز فيها المجتمعات بفرصة ثمينة، يحتل فيها الاستثمار النسوي دورا مهما في بناء الاستقرار الاجتماعي، والتنمية المستدامة، والازدهار الاقتصادي، لأن هذا الاستثمار يبدأ، في غالبية البلدان النامية من أسفل السلم، حيث الفقر والتهميش اللذان يطالان المرأة قبل باقي شرائح المجتمع، وحيث القطاعات والأنشطة غير المهيكلة، ليمر بكل المستويات، ويصل إلى القمة في الخدمات، والتجارة، والأبناك، والصناعات التقليدية والحديثة، والتكنولوجيات الجديدة، بالإضافة إلى أن حلول الواقع الجديد تمر، بشكل طبيعي، من خلال الدور النسائي القوي في المقاولة والاستثمار. وعلى المستوى العربي، فقد شكل اتحاد المستثمرات العرب، نقطة تحول كبيرة في المشهد الاقتصادي العربي، حيث أصبح هذا الاتحاد نواة أولية لانطلاق المرأة نحو عالم الاستثمار، وتعزيز مشاركتها في تنمية مجتمعاتها المحلية والعربية، ودعم حضورها في كافة المجالات، بما يساهم في الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والبيئية، والتربوية، والثقافية لهذه المجتمعات، إضافة إلى الدعوة إلى إدماج قضايا المرأة العربية، ضمن أولويات السياسات العمومية، وخطط التنمية الشاملة، والتوعية القانونية والإدارية والبيئية لأعضاء الاتحاد، بكل ما يتعلق بقوانين الاستثمار والمستجدات العالمية والإقليمية. ويعمل الاتحاد، أيضا، من أجل توثيق التجارب، وتبادل الخبرات بين المستثمرين والمستثمرات، خاصة في المجالات الرائدة والمتميزة، والتعريف بما تنجزه المرأة المستثمرة من أدوار مؤثرة. فموضوع الاستثمار النسائي بالعالم العربي شهد نقاشا واسعا خلال الأعوام الأخيرة، بفضل الانخراط الجدي لعديد من المستثمرات العربيات في إغنائه وتوطيده.