الرد العلني الذي كتبه وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، ووجهه، عبر الصحف، إلى مدير مجلة أسبوعية وطنية يناقشه مضمون إحدى افتتاحياته، يجسد خطوة متفردة في المعنى وفي الأسلوب، وتستحق الخطوة أن تتحول إلى ممارسة رائجة تغني نقاشنا السياسي والإعلامي العمومي. المسؤول الحكومي ذاته، عاد مساء أول أمس لواجهة الحديث، من خلال برنامج «حوار» على القناة الأولى، ليؤكد أن المغرب يوجد اليوم «في مواجهة شرسة، وفي حرب مفتوحة»، وأنه في مواجهة «عدو عنيد، قرر أن يفجر الحرب ضدنا في الإعلام...»، وفي مثل هذه الحرب المفتوحة والشرسة، يرى الوزير أن «الجيوش الداخلية يجب أن تكون واقفة...». إن الكلام هنا، بالرغم من وضوحيته الحادة أحيانا، يحيل على قضية جوهرية على أدائنا الإعلامي الوطني أن يضعها موضع نقاش. يتعلق الأمر بكيفية تغطية ومعالجة قضية وحدتنا الترابية من لدن وسائل الإعلام الوطنية... وفي السياق نفسه، فحين يطلب الجميع من الحكومة أن تكون لديها «إستراتيجية إعلامية للدفاع عن القضية الوطنية»، فهل من حق الحكومة اعتبار وسائل الإعلام الوطنية من ضمن دعامات هذه الإستراتيجية ؟؟؟ قد تكون أحداث العيون الأخيرة كشفت لنا كلنا حاجتنا وحاجة القضية إلى نقاش عمومي وسياسي عميق حول مختلف جوانب قضيتنا الوطنية الأولى، ولكن في نفس الوقت، فإن الخروج الإعلامي الجريء لوزير الاتصال، والفضائح التي تورط فيها الإعلام الإسباني وقناة «الجزيرة»، كل ذلك يفرض على مهنيي الإعلام في بلادنا طرح موضوع: الصحراء والإعلام المغربي، لطاولة النقاش السياسي والمهني. هل لإعلامنا مسؤولية وواجبات تجاه الوطن وقضاياه الكبرى؟ وكيف عليه أن يقوم بهذه المسؤولية على الصعيد المهني؟ وما هي محددات المعالجة أخلاقيا وسياسيا ومهنيا؟ مثل هذه الأسئلة، سبق أن طرحت في بلدان أخرى، ويمكن لمساراتها وتجاربها أن تقدم لنا اليوم دروسا للاستئناس وللتأمل. والتجربة الإسبانية نفسها مع تغطية أخبار «ايتا» وتفجيراتها، تمثل نموذجا على هذا الصعيد، وأيضا التجربة البريطانية، وغيرهما، وعبر نقاش مهني يستحضر مثل هذه التجارب، ويتفاعل مع ما يطرحه الموضوع اليوم مغربيا من مساءلات لنا كلنا، يمكن أن ندفع بحقلنا الإعلامي إلى الابتعاد عن كل السطحيات وتجليات الخفة التي باتت تملأنا ضجيجا وصخبا. خطوة خالد الناصري تستدعي اليوم الحرص على عدم تضييعها، وبالتالي الانطلاق منها لتفعيل نقاش مهني حقيقي بشأن علاقة إعلامنا المغربي بالقضايا الكبرى والأساسية للبلاد.