يخلد المغرب الذكرى الخامسة والثلاثين للمسيرة الخضراء، في ظل أحداث متوالية تشهدها الأقاليم الجنوبية، وفي ظل تطورات ترخي بظلالها على قضية الوحدة الترابية للمملكة، تحاول الأطراف المتآمرة ضد سيادة الوطن ووحدته ومقدساته أن تنتقي منها ما تشاء، من أجل زرع الفتن والمساس بالأمن والاستقرار والنظام العام، وتقوم في الآن نفسه، بغض الطرف عما تشاء من وقائع، تأكد تورط الجزائر فيها. الأطراف المتآمرة ضد المغرب معروفة. فبالإضافة إلى الجارة الجزائر ودميتها المركونة في مستودع تيندوف، هناك العديد من الفعاليات الإسبانية التي تحركها عائدات النفط الجزائري، وهناك أيضا، وهو الأمر الأخطر، مغاربة يختبئون وراء الغموض والخداع، يواصلون التموقع داخل ما يعتقدونه منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة. قد يتساءل البعض حول دوافعهم في ذلك، خاصة وأنهم يبررون عداءهم للمغرب بغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية للمملكة، مع رفضهم تقديم مثال واحد عن توافر هذه الحقوق لدى الجهات التي يتقاضون ثمن الولاء لها. بل تجد أصواتهم صماء عند مواجهتهم بحالة مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، وبأسئلة أخرى حول المشروع /الأكذوبة الذي حاولت الجزائر إقامته جنوب المغرب لأغراض وأسرار لم تدفن مع موت بومدين، وورثها الرؤساء الذين تعاقبوا بعده تاركين صلاحية التنفيذ لمغاربة مغرر بهم ولشردمة لا زالت تأتمر بأوامر عبد العزيز المراكشي التلميذ النجيب لقسم المخابرات الجزائرية الذي بات يحظى بفرع رئيسي بتندوف. وقد يتساءل البعض أيضا عن السبب الذي يجعل المتموقعين في المنزلة الوسطى بين الوطنية والخيانة يخربون ممتلكات الدولة، التي امتصت ميزانيات ضخمة، وممتلكات الأشخاص، الذين بذلوا الغالي والنفيس لحيازتها، بدعوى ممارسة الحريات بالأقاليم الجنوبية، ويفضلون عدم إزعاج أصدقائهم في المجتمع المدني الإسباني بخصوص ما يجري للمغاربة في الجيوب المحتلة الشمالية الذين يعانون الموت والقمع في واضحة النهار، لمجرد طلب حقهم في الشغل والعيش الكريم. لقد كان من حسنات مخيم العيون، الذي نصبه المواطنون الصحراوين دفاعا عن مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية، حسب تصريح سابق أدلت به السيدة كجمولة منت أبي، المناضلة الصحراوية وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية لبيان اليوم، أن قدم درسا بليغا للدولة ولكل المغاربة حول السبل الحقيقية والواقعية التي تسمح بقطع الطريق على كل متآمر ضد سيادة الوطن ووحدته ومقدساته. سبل تتلخص في استمرار المضي على درب التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمغرب، والاهتمام بالمشاريع الاقتصادية الضامنة لتشغيل الشباب الصحراوي وللمشاريع الاجتماعية التي تحقق الوحدة الأسرية والتماسك المجتمعي، وتجعل المواطن يشعر بفخر الانتماء لوطن يضمن له العيش الكريم. كما كان من حسنات المخيم أن كشف أساليب خصوم وحدتنا الترابية ومن يدور في فلكهم، خاصة ونحن على مشارف مفاوضات ستجري في ظل إجماع دولي على رصانة مقترح المغرب، وعلى تورط الجزائر في ملفات مفضوحة، كما وقع بعد اعتقال مصطفى سلمة ولد سيدي مولود وتعذيبه وسجنه من أجل منعه من حرية التعبير عن موقفه. لقد قال أحد الحكماء ما معناه أن الضربة التي لا تقتل تزيد الإنسان عزما. ولا نظن طبعا أن المناوشات التي استعملت فيها الجزائر مجموعة من انفصاليي الداخل وبعض المرتزقة الأسبان ترتقي إلى مستوى يدفع للاستنجاد بهذه الحكمة. بيد أن ما حدث يجب أن يكون دافعا للمغاربة، كل المغاربة الأحرار، لمضاعفة جهود اليقظة والتعبئة، من أجل التصدي، بقوة القانون، لكل مساس بسيادة الوطن، والحزم في صيانة الأمن والاستقرار والنظام العام، وتعزيز جهود الدبلوماسية الرسمية والموازية، دفاعا عن مغربية الصحراء، وعن مبادرة الحكم الذاتي، التي أشاد المنتظم الأممي بجديتها ومصداقيتها. فنحن اليوم على مشارف جولة ثالثة من مفاوضات ترعاها الأممالمتحدة طيلة يومين. وسيشارك فيها المغرب، كما في السابق، بنفس روح التمسك بالشرعية الدولية، وسيجدد الإعراب للمنتظم الأممي عن استعداده الدائم للتفاوض الجاد من أجل إيجاد حل سياسي توافقي وواقعي ونهائي، على أساس مقترح الحكم الذاتي، وفي نطاق سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية. فلتكن هاته الجولة الثالثة، التي ستجري والمغاربة في قمة نشوة الاحتفاء بالمسيرة الخضراء، مناسبة لاستلهام روح هذه الذكرى، مع اتخاذ ما يلزم من إجراءات تتلاءم وحملة التصعيد العدواني الحالية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ذلك أن الصرامة والغيرة الوطنية الصادقة تفرض، داخليا، بالإضافة لنهوض الهيآت السياسية والنقابية، والجمعوية والإعلامية، والأدبية والفنية والرياضية بواجبها في تأطير المواطنين، وترسيخ قيم المواطنة الحقة، (تفرض) جعل الأقاليم الجنوبية نموذجا لعدم التمركز، وللحكامة الجيدة المحلية، وبعث الروح في المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية ومراجعة مجال عمل وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، ونفوذها الترابي. وتقتضي الصرامة والغيرة الوطنية، خارجيا، التوظيف الأمثل للديبلوماسية الرسمية والموازية لمواجهة المصرين على عرقلة الدينامية التفاوضية، التي أطلقتها مبادرة المغرب على المستوى الأممي، وحسن توظيف الأطر العائدة من مخيمات تندوف، لخلق جبهة مضادة فعالة، تمتص المواقف العدائية التي باتت تتخذ شكل مخطط للتآمر بأساليب الابتزاز والضغط، وتحسن تصريفها لكشف التناقضات ونوايا تحريف روح الشرعية الدولية. جميل أن نحتفل ونعتز بعيد المسيرة الخضراء المظفرة. لكن الأجمل هو أن نستغل الذكرى لشحذ سلاحنا الذي يثير حنق أعداء وحدتنا الترابية والمتمثل في متانة جبهتنا الداخلية، وإصرارنا على تعزيز تطورنا الديمقراطي والتنموي، ومواصلة الأوراش الكبرى على امتداد التراب الوطني من طنجة إلى لكويرة، والارتقاء بمستوى عيش مواطنينا، والإنصات إلى مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية والاستجابة لها. ففي الإقدام على المبادرات البناءة، لبلوغ ما يتوخاه المغرب لكل أقاليمه، بدون استثناء، من تنمية وتقدم ووحدة، تصد ناجع لتآمر الخصوم على مغربية الصحراء.