القانون المغربي لتنظيم مجال الملكية الفكرية أصبح قويا ومعصرنا يتطرق مدير المكتب المغربي لحقوق المؤلفين عبدالله الودغيري، في هذا الحوار الخاص ببيان اليوم، إلى الحديث عن آخر المستجدات التي طرأت على قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ويبدي تفاؤلا بالصيغة الحالية لهذا القانون، حيث تم منح صلاحيات أقوى، لكافة السلطات المعنية بحماية حقوق التأليف. تناول في هذا الحوار كذلك، الامتيازات التي حققها عقد البرنامج الذي أبرم بين المكتب المغربي لحقوق المؤلفين ووزارة الاتصال. وكشف من جهة أخرى عن أهم العراقيل التي تعترض عملية حماية الملكية الفكرية، كما أشار إلى أهم الأنشطة التي يعتزم المكتب القيام بها، على المدى القريب. *باعتبار مسؤوليتكم على رأس المكتب المغربي لحقوق المؤلف، لكم مشاركات في العديد من اللقاءات الوطنية والدولية، حول حماية الملكية الفكرية، هل هناك أولويات تتناولونها بهذا الصدد؟ - نقوم باستعراض وضعية حقوق التأليف والحقوق المجاورة في المغرب، سواء من حيث التطور التشريعي، وتطور الحماية وكذلك الضمانات المتعلقة بذلك، والمراحل التاريخية التي عبرها موضوع تدبير هذه الحقوق. نستعرض كذلك، أهمية المستجدات التي جاءت بها القوانين الجديدة في مجال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بغية تعزيز وتقوية هذا المجال، وكذلك بغية تعزيز حماية حقوق المبدعين ورعاية مصالحهم. هناك أيضا المستجدات المتعلقة بالأدوار الجديدة التي منحت للجهاز القضائي، باعتباره جهاز إنفاذ لقوانين حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وكذلك للدور المهم الذي أعطي للنيابة العامة، في ما يتعلق بالقيام بالمتابعات القضائية للمخالفين في مجال هذه الحقوق، مع الإضافة بطبيعة الحال لدور الجمارك في ما يتعلق بتعزيز القضاء، عبر الحدود، وكذلك في ما يتعلق بالعقوبات التي أصبحت تطول الخروقات والتعديات على حقوق التأليف. هذه إذن مقتضيات مهمة جدا، لا بد من تسليط الأضواء عليها، بالإضافة إلى الجانب التدبيري، من خلال استعراض المجهودات التي يقوم بها المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، من حيث صلاحياته ومجالات تدخله وتنسيقه مع الإدارات الحكومية ومع التنظيمات الفنية والمهنية، ودوره الأساسي باعتباره مقاما أول في مجال محاربة التقليد والقرصنة، وكذا دوره الأساسي في مجال حماية استغلال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة. * ماهي آخر المستجدات التي طرأت على مجال حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة؟ - في ما يخص الشق القانوني، هناك مستجدات حقيقية لتقوية حماية حقوق التأليف والحقوق المجاورة، هناك أيضا صلاحيات واسعة أنيطت بالقضاء لأجل ردع وزجر أي شكل من أشكال الاعتداء على هذه الحقوق. إلى جانب الصلاحيات الهامة التي أنيطت كذلك بإدارة الجمارك، في ما يخص مراقبة السلع المقلدة أو المقرصنة عند نقط الحدود. تم تشديد وتصليب دور القضاء، حيث تم تخويله إنزال عقوبات جنائية قوية في حق المعتدين على حقوق الملكية الفكرية، وتصل هذه العقوبات الحبسية إلى أربع سنوات، بعد أن كانت لا تتعدى سنة واحدة، أما الغرامة المالية فقد انتقلت من خمس آلاف درهم إلى ستين مليون سنتيم، ومن شأن ذلك أن يعمل على إيقاف نزيف القرصنة. النيابة العامة، صار بمستطاعها أن تتدخل بتلقائية، في مواجهة أي خرق لحقوق الملكية الفكرية، دون تحريك شكاية مسبقة في الموضوع. أعوان المكتب المغربي لحقوق التأليف بدورهم، صار بإمكانهم هم أيضا التدخل بتلقائية لحجز سلع مقرصنة، دون حاجة إلى الرجوع إلى النيابة العامة. وهذا يجعل من القانون المغربي لتنظيم مجال الملكية الفكرية، قانونا قويا ومعصرنا. بل إن هذا القانون سبر كذلك أغوار الأنترنت، الذي يشكل حديث الساعة، بالنظر إلى المشاكل العويصة التي يطرحها، نتيجة انسياب المنتجات الفكرية والفنية عبره، ولهذا الغرض نص الباب الرابع من قانون حماية الملكية الفكرية، على إلزام مقدمي الخدمات ضمن الشبكة العنكبوتية، على المساهمة بدورهم في الحد من الاعتداءات على حقوق التأليف، من خلال العمل على مراقبة المواقع التي توجد تحت حمايتهم، والإبلاغ بالاعتداءات المفترض وقوعها بهذا الخصوص، ونحن حاليا بصدد تفعيل المقتضيات المرتبطة بهذا الجانب، عبر التعاون مع كافة القطاعات الحكومية المعنية: وزارة التجارة الصناعة والتكنولوجيا الحديثة، الوكالة الوطنية لتقنين الاتصال، إلى غير ذلك. هناك عقوبات أخرى إضافية، تتمثل في الحجز والإتلاف والمصادرة وإغلاق المؤسسات المتورطة في عرض المنتجات بدون رخص، أو نشر غير مشروع. هذا يبين أن هناك مقاربة تشاركية مع العديد من القطاعات، تصب جميعها في هدف أسمى، هو حماية حقوق الملكية الفكرية. من بين المستجدات الأخرى التي طرأت على هذا القطاع، هو أنه تم العمل على تنظيمه وإعادة هيكلته، حيث جرى توقيع عقد برنامج بين المكتب المغربي لحقوق المؤلفين ووزارة الاتصال، يتم بموجبه تعزيز المكتب بالوسائل المادية والبشرية، وعصرنة آليات العمل والتوثيق والاستخلاص والتكوين، وسيمتد هذا العقد على مدى ثلاث سنوات، لأجل مواكبة التحولات التي يعرفها مجال حقوق التأليف. * كيف هي وضعية حقوق التأليف بالمغرب؟ - طبعا الوضعية في تحسن كبير، الدليل على ذلك القوانين الجديدة التي جاءت بمستجدات قوية جدا، حيث تمت تقوية دور وتدخل وعمل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، بما في ذلك إعطاؤه صلاحيات مهمة جدا، ستمكنه من القيام بدوره كما ينبغي ، خاصة في مجال إعطائه صلاحية تكليف أعوانه للقيام بمحاضر تسجيل المخالفات، وفي ما يتعلق بحق التقاضي لجميع المؤلفين والدفاع عن حقوقهم لدى المحاكم ،وفي ما يتعلق كذلك بإلزام السلطات العمومية بكل مستوياتها لتقديم الدعم والمساندة للمكتب وأعوانه أثناء مزاولة مهامهم. هذه أشياء مهمة جدا وأهم دور جديد وصلاحية جديدة، أسندت إلى المكتب، هي صلاحية القيام بالحجز ، عن طريق أعوانه، بدون الرجوع إلى النيابة العامة، بمعنى منحها دور الضابطة العدلية،وهذا مهم جدا لحماية الإبداع وحماية حقوق المؤلفين ومحاربة التقليد والقرصنة، بالإضافة إلى آليات الإنفاذ الأخرى التي كان للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين حق التنسيق فيها، سواء على مستوى بلادنا، أو على مستوى دولي، من أجل النهوض بالإبداع وحقوق التأليف ومحاربة التقليد والقرصنة. هناك المنظمة العالمية للملكية الفكرية وهناك الاتحاد الدولي لصناع الموسيقى وهناك الجمعيات الدولية المهتمة بهذا الميدان، وهناك اتفاقيات عديدة في هذا المجال، كلها طبعا ستعود بالخير على الإبداع ببلادنا. * ماهي طبيعة المشاكل التي يواجهها المكتب المغربي لحقوق المؤلفين، في ما يخص تحصين هذه الحقوق؟ - هناك العديد من المشاكل والاكراهات، من قبيل الإمكانيات وغياب ثقافة احترام حقوق الإبداع. نحن نبذل مزيدا من الجهود في مجال التحسيس والتوعية -تحت إشراف وزارة الاتصال- بالتنسيق مع الإدارات المعنية ومع الجهات الدولية، وبالأخص المنظمة العالمية للملكية الفكرية، من أجل أن نرسخ ونثبت ثقافة مواطنة لاحترام حقوق الإبداع ببلادنا، هذا طبعا، يتطلب بذل كثير من الجهود وتوفير الكثير من الوقت للقيام بهذه المهمة التي ليست بالسهلة. * ما مدى مساهمة التكنولوجية الحديثة، في تفاقم خرق حقوق التأليف، وما هي وسائلكم لمواجهة ذلك؟ - التطورات التكنولوجية الحديثة تساهم بشكل كبير في التأثير سلبيا على الإبداع وعلى الاستثمار فيه وعلى هجرة المبدعين خارج الوطن، ذلك أن القرصنة تنفر طبعا من عملية الإبداع برمته، ولا تشجع على الخلق وعلى العطاء في هذا المجال الأدبي والفني، ناهيك عن عزوف المستثمرين عن الاستثمار في هذا القطاع، مما يؤثر سلبا على الصناعة الثقافية ببلادنا، وهذا ما يؤدي إلى انكماش الإبداع، بالنظر للاستنساخ غير المشروع، وبالطبع لا يساعد على وجود هذه الصناعة الثقافية، سواء في مجال الموسيقى أو المسرح أو السينما أو في مجال البرمجيات أو سوى ذلك. إذن هذا يؤثر علينا، ونحن نبذل مجهودا من أجل تكريس الوعي بأهمية احترام حقوق الإبداع. صحيح أن الدولة بذلت مجهودات جبارة على مستوى تطوير القوانين والتشريعات والتنظيمات المتعلقة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، يبقى علينا أن نتصدى ميدانيا لظاهرة القرصنة ونحسس الجمهور والمستغلين والمستهلكين، ونحاول أن نحد من الآثار السلبية للتكنولوجيا وخاصة الانترنت، لأن التحميل واستغلال المصنفات الأدبية والفنية، أصبحت في المتناول بفضل التطورات التكنولوجية، مما يسهل عملية الاستنساخ عبر الانترنت في البيوت، وبالتالي أصبح القراصنة الآن يتفنون في عملية الاستنساخ بفضل الآلات المتطورة، مما ينعكس سلبا على مداخيل المبدعين وعلى التوزيعات وعلى الإبداع برمته، ويؤثر على الصناعة الثقافية. إذن هناك إكراهات ميدانية وأخرى في تطبيق القوانين وفي مجال التحسيس والتوعية، وإكراهات أخرى في مجال التصدي لظاهرة القرصنة ومخاطرها وأضرارها، ليس فقط على الإبداع والاستثمار، ولكن أيضا حتى على سمعة بلادنا الدولية، خاصة وأننا نعلم أن المغرب، ملتزم ومنخرط في العديد من الاتفاقيات الدولية، سواء كانت ثنائية أو جماعية، وإذن كل هذا يعتبر معيقات، نحاول أن نتغلب عليها مع مرور الوقت، غير أن الشيء الأساسي أن هناك إرادة حكومية قوية لحماية الإبداع، تتمثل في العديد من الآليات وفي الدعم الموجه للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين،وتطوير القوانين والتشريعات. إذن كل ذلك يعبر عن أن الدولة، تعنى بالملكية الفكرية وبحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وهذه مسؤولية أصبحت جماعية، فالكل ينبغي أن يكثف الجهود من أجل محاربة القرصنة ومن أجل حماية الإبداع وتطويره والنهوض به في بلادنا. * ماهي المقارنة التي يمكن عقدها بين حقوق التأليف بالمغرب وبالغرب؟ - مقارنة مع الغرب، نحن في الطريق إلى ما وصل إليه، لكن مقارنة مع الدول العربية، نحن في الطليعة، وطبعا نحن نموذج يقتضى به على مستوى الدول العربية والإفريقية. بكل صدق، بلادنا تطورت كثيرا، قوانيننا محينة ومتطورة جدا. نهوضنا بالقطاع في أعلى مستوى. درجة الحماية في مستوى أعلى، يضاهي المستويات الدولية، وخاصة أننا بفضل القوانين الجديدة لحقوق المؤلف، صرنا نقارن بالدول الغربية والمتقدمة في مجال حماية الإبداع. تبقى النقط الأساسية المتمثلة في محاربة القرصنة وتكثيف التحسيس والتوعية والتنسيق بين الإدارات وكل الجهات المتدخلة في هذا المجال، من أجل تكثيف الجهود والرقي بهذا المجال، لإعطائه الأولوية والأهمية التي يحظى بها على المستوى الدولي. * ما هي أهم الأنشطة المقبلة للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين؟ - هناك جانب نوليه أهمية كبيرة، وهو المتعلق بنشر ثقافة حقوق التأليف والتوعية بها، حيث يعد هذا المحور حيويا ومحوريا في الاتفاقات والمعاهدات التي نعقدها على المستويين المحلي والدولي. فعقد البرنامج المبرم مع وزارة الاتصال، يحتوى على خطة عمل، تقتضي مواصلة الحملة التحسيسية والتوعوية بحقوق المؤلف، عبر وصلات بوسائل الإعلام المختلفة، بالإضافة إلى تنظيم ورشات، وما إلى ذلك. نعمل في هذا السياق كذلك على إنشاء نشرة موقع الكتروني جديد.هكذا، فهناك استراتيجية لمكافحة التقليد والقرصنة مع شركائنا المهنيين، تحت وصاية وزارة الاتصال، عبر شتى الطرق.