عندما علمت بفوزي بجائزة نوبل.. تصورتني طفلا في سن الخامسة حصل الكاتب البيروفي، على جائزة نوبل للأدب لهذه السنة، ويعد هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة لومند الفرنسية، الأول بعد حصوله على الجائزة، وفيه يعبر عن أحاسيسه بخصوص تلقيه لخبر الفوز، والظروف التي أحاطت بذلك. * في أي ظروف بلغ إلى علمك أن جائزة نوبل للآداب، هي من نصيبك؟ - كانت الساعة حوالي الخامسة والنصف صباحا، في نيويورك حيث أقيم حاليا، وكنت جالسا حول طاولة العمل، منذ نصف الساعة. اقتربت مني زوجتي، وكان تعبيرها غريبا. قلت في نفسي، إلهي، قد وقع مكروه. أخبرتني بأن شخصا يريد التحدث إلي عبر الهاتف. كان هناك هرج يحيط بمخاطبي، الذي قدم نفسه باعتباره عضو أكاديمية السويد. ثم قطعنا الاتصال بيننا. عاد من جديد للاتصال بي، أحالني على السكرتير الدائم للأكاديمية، الذي أعلن لي أنني الفائز بجائزة نوبل للأدب هذه السنة وأن الخبر سيذاع بشكل رسمي بعد أربع عشرة دقيقة. * في أي شيء فكرت بعد أن أقفلت الهاتف؟ - فوجئت بشكل كبير. كنت مرتبكا، ولم أستوعب اللحظة.ثم بسرعة، بمجرد أن أذيع الخبر رسميا، كانت انطلاقة السيرك الكبير، جنون حقيقي، دوار: الهواتف كانت ترن في جميع الاتجاهات،الناس بدؤوا يفدون من كل مكان، الأسرة، الأصدقاء، إلى حد أنني لم أعد أعرف من أكون. لم أع كيف بدأ كل ذلك إلا في ما بعد: رأيتني صغيرا تماما، في سن الخامسة، أتعلم القراءة، في بوليفيا، وكيف أن القراءة، هذا الشيء العجيب، الساحر، قلب حياتي وأغناها. فكرت في أمي، القارئة الكبيرة، التي لم تتوقف قط عن تشجيعي، والتي ستكون سعيدة اليوم، إذا كانت لا تزال على قيد الحياة. عاودت التفكير في سنوات شبابي، الصعبة، بالأكاديمية العسكرية، لما اكتشفت أنني أرغب في أن أصبح كاتبا، أكرس حياتي للكتابة، أعيش من قلمي، الشيء الذي كان يبدو آنذاك مستحيلا، خصوصا في بيرو، حيث الأدب كان يعتبر مجرد تزجية للوقت، خلال أيام العطل الماطرة. فكرت كذلك في خالي، لويس لوشو، الرجل الرائع الذي حفزني على متابعة المسار الذي خططته لنفسي، والذي كان يقول لي إذا لم أقم بذلك، سأكون شقيا طيلة حياتي. هناك إسمان آخران: كارلوس برال، ناشري الاسباني الأول، الذي كسر الرقابة بنشره لروايتي الأولى «المدينة والكلاب»، ووكيل أعمالي الأدبية، كارمن بالسيلز، الذي قدم لي خدمات كثيرة. ثم فكرت بكل بساطة في الأدب، في هذا المسار العجيب، هذه المكافأة الرائعة، التي أنا مدين لها بأجمل لحظات حياتي، التي جعلتني أحلم، وحققت لي الكثير من المتع. والحظ الذي يصاحبني، كوني أنذر له نفسي كل يوم. * من هم كبار الكتاب الذين تأثرت بهم؟ - جول فيرن، فكتور هيغو، ألكسندر ديما.. لقد ساعدوني كثيرا، بالأخص في بداياتي. كان لي شغف كبير بأدب القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين: قرأت وأعدت قراءة طوماس مان، الذي لا أمل منه أبدا، بصفة خاصة «الجبل الساحر»، إنها كاتدرائية أدبية. «الشياطين» للكاتب الروسي دوستويفسكي،»الحرب والسلام» لتولستوي، «موبي ديك» لملفيل، «مدام بوفاري»، بالطبع، للكبير فلوبير، الذي علمني كل شيء، هؤلاء دائما بصحبتي. ثم هناك كذلك فولكنر الذي كان تأثيره علي كبيرا، أيضا مالرو، صاحب»الشرط الإنساني»، إنه كاتب كبير في نظري، وهو لم يعرف بالقدر الكافي باعتباره كذلك، لأسباب سياسية..أتذكر عندما كنت صحافيا في باريس، خلال سنوات الستينات، كان كل خطاب لمارلو بمثابة عمل أدبي. * مقارنة مع آخر الفائزين بنوبل للأدب، أنت ليبرالي. تمثل إذن صورة السياسي غير المألوف بالنسبة للأكاديمية السويدية.. - تماما، أصرح بذلك منذ أربعين سنة على الأقل. إلى غاية تلك المكالمة المعلومة، كنت مقتنعا بأن كاتبا يصرح بأنه ليبرالي، ليس له أي حظ للفوز بجائزة نوبل. إنه لهذا السبب فكرت في أنني لن أحصل عليها أبدا، وأنني معترض علي بشدة، أنشطتي الصحافية والسياسية، زجت بي في الغالب بالرغم مني، داخل سجالات عديدة. لقد كنت مغفلا. * ماذا تشكل جائزة نوبل التي حصلت عليها بالنسبة لأمريكا الجنوبية؟ - أتمنى أن تشكل حافزا بالنسبة لمناصري الديمقراطية والحرية الاقتصادية والسياسية والثقافية، وهو ما أناضل من أجله وأقاتل منذ عشرات السنين من خلال مقالاتي بالصحف. قاومت دائما الديكتاتورية والحكم المستبد، يمينا ويسارا. ويلزمني القول إنه بالرغم من المشاكل الكبيرة والكثيرة التي لا تزال مطروحة، فإن أمريكا الجنوبية في الاتجاه الصحيح، لم يعد هناك سوى دكتاتورية واحدة -كوبا- وبضع أشباه الديكتاتوريات، مثل فنزويلا شافيز أو نيكاراغوا.. اليسار حقق منعطفا ديمقراطيا ومجتمعا ديمقراطيا، منفتحا على السوق، كما في الشيلي، وفي البرازيل وفي الأورغواي،كما أن اليمين هو الآخر ديمقراطي، الشيء الذي يعد جديدا بالنسبة لقارة أمريكا الجنوبية. * هل تمارس الأدب الملتزم؟ - أنا بالتأكيد كاتب ملتزم، لكنني أعتبر أن الأدب، لا ينبغي أن يكون مؤطرا من طرف السياسة. لم يحدث للدعاية أن كانت في توافق جيد مع الإبداع. * ستنشر في الشهر القادم بالاسبانية رواية جديدة. ماذا سيكون موضوعها؟ - سيكون عنوانها «حلم شعوب السلت»، شخصيتها الرئيسية هي روجي كازمنت، الايرلندي الذي كان أول من أعد وثائق عن الهمجية في كونغو البلجيكية وعن تخريب الجاليات الهندية في الأمازون، تخريبها بواسطة حمى المطاط في مطلع القرن العشرين. كازمنت كان صديقا كبيرا للروائي كونراد، وقد ساعده على كتابة «في قلب الظلمات». لقد ذهبت إلى الكونغو لأجل إعداد هذا الكتاب، وكانت تجربة رهيبة. عن لوموند الفرنسية- عدد الخميس 14 أكتوبر 2010