انشغل المغرب بورش إصلاح العدالة منذ بداية عهد ما يعرف بالتناوب التوافقي، الذي قاد تجربته المناضل عبد الرحمان اليوسفي. خلال بداية هذه التجربة تم التأكيد على أهمية دور العدالة في تكريس الديمقراطية و على ضرورة إصلاح هذا القطاع الحيوي. في أول تصريح له أمام البرلمان، اعتبر الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي «إن كل ديمقراطية حريصة على احترام قواعد القانون، لا يمكنها أن تقبل أن يحوم الشك حول قدرة العدالة على الشفافية والإنصاف وسرعة القضاء، مما يقتضي من بلادنا أن يصبح المتقاضي فيها موقنا بأن الجميع سواء أمام القانون». وبلغة القانوني والسياسي، وكواحد من مهندسي تجربة التناوب التوافقي، أردف اليوسفي قائلا، في نفس الخطاب، أن ورش إصلاح العدل سيشغل مكانة متميزة في العمل الحكومي التي قادها، وأن هذا الأخير سيعمل «بالحزم الضروري على تكريس الأخلاق المهنية وتحديد قواعد التعامل والمسؤوليات، تطبيقا للتوجيهات الملكية». في أولى خرجاته الإعلامية،سبق للأستاذ عمر عزيمان، كوزير للعدل في تلك الحكومة التي علق عليها ملايين المغاربة آمالا كبيرة ، أن أعلن»أن قطارا صلاح القضاء انطلق...». طيلة العهد الجديد، ظل إصلاح القضاء يولى بأهمية متميزة، وسنحت الظرفية الجديدة بفتح نقاش معمق حول موضوع إصلاح القضاء من طرف المهتمين والمختصين والعاملين في القطاع. ما بين 1998 و2010 فتح المغرب أوراشا مهمة في مجالات متعددة، بما في ذلك قطاع القضاء. ويمكن القول أن البلد راكم زخما من الأفكار والتصورات والتوصيات في هذا المضمار. ويحق القول كذلك أن مسيرات الإصلاحات رافقنها جملة من الأعطاب، بل إن الانتقال العملي إلى مرحلة تنفيذ متكامل لمشروع إصلاح القضاء ما زال معلقا، ويظهر أن أوساطا ما زالت تشكل جيوب مقاومة حقيقية في ظل تعثر وبطئ وتيرة الإصلاح المطلوب. إن العدالة في المغرب تمر من وضعية لم تعد مقبولة، وهناك إجماع على عدم الارتياح إزاءها.صحيح أن المرء يحق له أن يفتخر بتلك المحطات المضيئة التي تنير وضعا رماديا تعيش فيه العدالة المغربية. بالمقابل تقشعر الأجساد لنماذج الحيف والظلم و الشطط والرشاوى التي تسري على مستوى المجتمع و على صعيد أجهزة من المفروض فيها حماية الحق و إشاعة القانون. رب قائل قد يريد إقناع المتعطش لعدالة سليمة، ولقضاء مستقل، أن الإصلاح العميق يتطلب الوقت ويقتضي الصبر. مثل هذا الكلام قد يكون فيه جزء من الصواب، وفي كل الأحوال لا يجب الركون إليه حتى لا يتحول إلى مأثورة يرددها مدى الدهر كل من تعاقب على مسؤولية وزارة أو حكومة حتى،ويجعل منها وسيلة لتبرير فشل أو تعثر أو عدم قدرة على ترجمة أفكار الإصلاح إلى واقع. إن اقتناع المغاربة بعدالة تستحق التقدير يمر عبر ممارسات ملموسة، ينبغي أن تنفذ وسط المتقاضين والمجتمع. ممارسات ينبغي أن تكون بديلة لحالات اليأس والإحباط ،و قمينة بتكريس ثقة الجميع في عدالة وقضاء الوطن.