إعادة هيكلة التجارة الداخلية وتقريب المنتج من المستهلك لكسر حلقات الوسطاء ومعالجة إشكالية الأسعار فندت وزارة التجهيز والنقل، المبررات التي تمسحت بها لوبيات تجار الخضر والفواكه وسلع أخرى، من اجل رفع اسعار هذه المنتوجات. فقد أكدت الوزارة، في بلاغ لها، أن مدونة السير الجديدة لم تأت بأي جديد بشأن الحمولة المحددة للشاحنات, باستثناء مراجعة الغرامات في حالة عدم احترام الحمولة المحددة وفقا للقوانين المنظمة لنقل البضائع، خاصة القانون 99-16 ونصوصه التطبيقية. ومنذ دخول مدونة السير حيز التنفيذ، في فاتح أكتوبر الجاري، عرفت أسعار العديد من السلع والبضائع ارتفاعات صاروخية فاقت بالنسبة للبعض منها المائة بالمائة، وهو ما فسره التجار بكون الحمولة المرخص بها لشاحنات نقل السلع تم تخفيضها إلى النصف، الأمر الذي يضطر البائع إلى تحميل المستهلك للزيادة الإضافية لنفقات الشحن في كل كلغرام. غير ان الأمر لو كان يخضع لهذا المنطق الحسابي البسيط فلن تتعدى النفقات الإضافية للشحن، الذي يتجاوز 8 طن بالنسبة للشاحنات الصغرى، 30 سنتيم في الكلغرام الواحد، حسب اقتصاديين. أما في الواقع فإن الطماطم ارتفعت إلى 8 و10 دراهم وهو نفس مستوى أسعار الجزر والخضر الموسمية الأخرى مما يعني أن الزيادة تعدت 4 إلى 5 دراهم في الكيلغرام الواحد ما بين عشية وضحاها. ورغم ذلك تلاحظ تفاوتات كبيرة في أسعار هذه الخضر ما بين الأسواق الموجودة في ضواحي المدن، وأسعارها داخل هذه المدن، كما يلاحظ أن هناك تفاوتات في الأسعار ما بين سوق الجملة بالدارالبيضاء والاسواق المتواجدة في الأحياء، وهي تفاوتات مهمة جدا لا يمكن تبريرها وتفسيرها بنفقات الشحن. وزارة التجهيز والنقل أكدت في بلاغها أنه بعد تحليل المعطيات المتعلقة بتكلفة النقل في إطار الحمولة المرخصة, ف»إن التأثير المعقول والمتوقع على كلفة النقل جراء احترام الحمولة القانونية من طرف جميع الناقلين، لا يمكن أن يتعدى بعض الزيادات التي لا تفسر الارتفاع غير العادي الذي طرأ في الأيام الأخيرة على أثمان بعض المواد». هذه الزيادات حصر كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، قيمتها في ما بين 20 و30 سنتيم في الكلغرام الواحد حسب تصريح صحفي في الموضوع. ورغم ذلك اشار بلاغ الوزارة انه «بخصوص معالجة إشكالية الحمولة، فإن وزارة التجهيز والنقل» اتخذت وبالتوافق مع المهنيين، عدة تدابير عملية وإجراءات وتسهيلات مسطرية قصد تمكين المهنيين من احترام مقتضيات القانون الخاص بنقل البضائع عبر الطرق، والحمولة المرخص بها للمركبات». كما أشار إلى أنه «تقرر بعد المشاورات التقنية مع الجهات المعنية، رفع حمولة شاحنات صنف 8 طن إلى 14 طن، وهو ما يجعل الحمولة المسموح نقلها فعليا لهذه الشاحنات وبصفة قانونية هي 15 طنا و400 كلغ، باعتبار الهامش المتسامح بشأنه الذي حددته مدونة السير في 10 في المائة». ويتضح مع مرور الايام أن كل المبررات الظرفية وغير الظرفية التي تساق في تفسير الارتفاعات في أسعار الخضر والفواكه والسلع الأخرى لم تعد مقنعة فيما بات مؤكدا أن فوضى الأسواق وانعدام التنظيم والهيكلة المناسبين لها عامل رئيسي في إدامة لهيب الأسعار. فلم يعد المستهلك المغربي يدرك ما حل بأسعار المواد الغذائية والخدماتية بعد أن أصبحت تتضارب مستوياتها وتتفاوت من تاجر إلى آخر وبعد أن خضعت جلها لمنطق السوق السوداء. وسواء تعلق الأمر بالمواد المقننة أو تلك التي تخضع لقانون العرض والطلب فإن الإنطباع السائد هو أن الفوضى عمت الاسواق وإستبد الجشع بالمنتجين والتجار حيث لا يكاد يمر يوم حتى يصطدم المستهلكون بزيادة جديدة في بعض المواد الواسعة الإستهلاك البعض منها يجد مبرره في آليات السوق وقانون العرض والطلب وكثير منها لا مبرر له سوى إنعدام المراقبة التي من المفروض أن تقوم بها المصالح المعنية. ويرى محللون أن سياسة تحرير الأسعار التي طبقت لم يواكبها، كما يقتضي الأمر ذلك، تفعيل آليات المراقبة وحماية المستهلك من إحتمالات إستغلال المنتجين والتجار لنهاية تدخل الإدارة في تحديد الأسعار لإطلاق العنان للزيادات المتتالية في الأسعار والتي لا تخضع لاي منطق أو قانون بما في ذلك قوانين السوق أنفسها. وتؤكد التلاعبات في أسعار الخضر والمواد الغذائية أن هناك ضرورة ملحة لإصلاح وإعادة هيكلة منظومة التوزيع على مستوى التجارة الداخلية. وإذا كانت أسعار بعض المواد الأساسية تتحدد من قبل وضعيات الإحتكار وبالتالي المضاربة، فإن أسعار الخضر والفواكه يتحكم فيها، إلى جانب هذين العاملين، تعدد الوسطاء والسماسرة الأمر الذي يجعل سعرها المفروض على المستهلك يتجاوز بعشرة أضعاف أحيانا سعرها عند المنتج. ويبدو أن برنامج «رواج» إضافة إلى مشروع إعادة هيكلة اسواق الجملة مازال ورشا مفتوحا وامامه طريق طويل من أجل تقريب المنتجين من المستهلكين وكسر حلقات الوسطاء والاحتكاريين.