شهد قطاع العدل سلسلة من الإضرابات في الشهور الأخيرة. دعوة أخرى لخوض إضرابات وطنية في أكتوبر الجاري أطلقتها نقابات أساسية. بشكل عام الوضعية مقلقة في القطاع. منذ ما يقرب من ست سنوات، كانت وزارة العدل قد اعتبرت الدعوة لشن إضراب في قطاع العدل هو بمثابة «خروج عن المألوف في قطاع يجب أن يستمر في أداء رسالته لفض النزاعات والمحافظة على استقرار المعاملات وأمن المجتمع». جاء هذا الموقف الرسمي في بيان صادر عن وزارة العدل في عهد الوزير الراحل محمد بوزوبع، إثر الدعوة لإضراب وطني خلال يومي 15 و16 يونيو 2004. اليوم، لا شك أن نفس الموقف يظل حاضرا لدى تفكير المسؤولين، لكن مع فرق طفيف. بالأمس كان من الممكن إعلان هذا الموقف بشكل صريح، على اعتبار أن العمل النقابي كان في بداياته في قطاع عانى ما عاناه في ظل العهد السابق. خلال تلك الفترة السوداء كان العمل النقابي يستحيل الحديث عنه وبالأحرى ممارسته. اليوم، لقد راكمت شغيلة قطاع العدل تجارب نقابية نموذجية، مفتوحة على أداء نقابي متطور. وما يساعد على بلوغ هذا هو توفر عناصر أساسية ميدانيا. أول هذه العوامل يكمن في طبيعة الموارد البشرية العاملة في القطاع وفي مستويات تعليمهم. العامل الثاني يتجلى في تعدد التجارب النقابية، ويعكسها تحديدا تعدد التنظيمات الأساسية العاملة والمؤطرة. أما العنصر الثالث فهو مرتبط بعدد الموظفات والموظفين العاملين في القطاع، وعددهم حوالي 13 ألف، ويقال رسميا أن العنصر النسائي يشكل زهاء 45 في المائة من مجموع العاملين. بالنظر إلى التوجه الديمقراطي الذي اختاره المغرب، واعتبارا للعوامل المذكورة، لم يعد ممكنا القول بشكل صريح أن إضرابات قطاع العدل هي «خروج عن المألوف»، لكن هناك ممارسات ماسة بالكرامة يجري بها العمل لضرب العمل النقابي، يعرفها النقابيون جيدا وقد يعتقد البعض أنها تفي بالغرض. مثل هذه الممارسات المنافية للحق النقابي، أو الهادفة إلى التشويش عليه، حضرت في إضرابات قطاع العدل مؤخرا، وكانت أحيانا عاملا للتصعيد. نعم، إن قطاع العدالة كان وما زال يمثل قطاعا حيويا كباقي قطاعات الوظيفة العمومية. أكثر من هذا، إن مصالح المواطنين تتعطل فعلا مع تنفيذ إضراب إقليمي أو وطني. مع ذلك، فلا يجوز، تحث أي ذريعة، حرمان الشغيلة من الدفاع عن حقوقها عبر الوسائل التي تختارها، بما في ذلك ممارسة حق الإضراب. ووحدهم، إذن، المسيرون النقابيون والقواعد النقابية هم من تعنيهم، بكل استقلالية، مسألة تقدير الظرفية واختيار أشكال الاحتجاج التي تناسبها. في كل الأحوال، إن نزع فتيل التوتر، وتعليق أي حركة، مرتبط أساسا بمدى قدرة الطرف الآخر، أي الإدارة، على إدارة حوار منتج ومقنع يؤدي إلى معالجة واقعية لمطالب شغيلة نشيطة تتوق للإنصاف والعدل.