يفتتح البرلمان يومه الجمعة، سنته التشريعية الرابعة، وأفق الانتخابات التشريعية المقبلة يظلل رهاناتها. ومثل كل دخول برلماني جديد، تعيد قضايا سياسية نفسها إلى الواجهة، سيما تلك المرتبطة بماهية الدورة الخريفية بالأساس. كما أن بعض القضايا من تلك التي حظيت بمساحات واسعة من النقاش العمومي خارج البرلمان، لكنها مرتبطة به، في طريقها لتضع نفسها بين أيدي البرلمانيين خلال هذه السنة التشريعية. وبين هذه وتلك، تعود الإشكالات الروتينية المطروحة على البرلمان، إلى فرض نفسها من جديد، خصوصا تلك المتعلقة بالسلوك البرلماني ومسائل التنظيم الداخلي لمجلس النواب والمستشارين. عدا ذلك، يبقى الدخول البرلماني، بدون رهانات تقنية، إذا صح هذا التعبير، إذ تضع مؤسسة رئاسة الغرفتين نفسها خارج أي عملية تجديد انتخابي، كما أن رؤساء الفرق البرلمانية بمجلس المستشارين، لا يخضعون تقنيا لأي تجديد بدورهم، وتبقى إعادة توزيع الأدوار بين الفرق داخل مكتبي المجلسين، وإعادة تجديد رؤساء الفرق البرلمانية بمجلس النواب، العمليتين التقنيتين الوحيدتين في هذا الدخول البرلماني. وبمقابل ذلك، يظل مسعى تحسين صورة البرلمان والبرلمانيين، رهانا أساسيا يضعه الفاعلون السياسيون والبرلمانيون على السواء، نصب أعينهم، وبات القطع مع «الممارسات البرلمانية» الحالية، مطلبا ملحا. ومن ثم، لا ينفك الفاعلون البرلمانيون عن الإلحاح بضرورة الإصلاح الداخلي لمؤسستهم، سيما ما يتعلق بالقوانين التنظيمية والداخلية لكل غرفة على حدة، في أفق إيجاد صيغة توفيقية تجعل من الغرفتين مكملتان لبعضهما البعض، بدل أن تكون إحداهما تكرر الأخرى. ويقود الحديث عن الإصلاح الداخلي للبرلمان إلى تسليط الضوء من جديد، على صيغة طرح الأسئلة الشفوية في الجلسات العامة للغرفتين، علما أن أبرز الانتقادات التي توجه للنمط الحالي لطريقة طرح هذه الأسئلة، تحاول أن تتفادى تلخيص العمل البرلماني في أسئلة تفقد في أكثر من مناسبة معناها، وتُظهر البرلمانيين وأسئلتهم في صورة كاريكاتوربة، في وقت يظل فيه العمل الرئيسي في العملية التشريعية، مخبأ وراء أسوار اللجان. وبين هذا وذاك، تسللت ظاهرة مرضية جديدة إلى مجلس المستشارين الذي يحتفظ لنفسه بامتياز طرح الإحاطات علما، حيث تحولت هذه الآلية إلى ما كان دائما يتخوف منه الفاعلون البرلمانيون، أي جعلها فرصة لإعادة طرح سؤال بنفس الصيغة والطبيعة محط الانتقاد سلفا. ومن دون شك، فإن الورش الإصلاحي الذي ينتظر البرلمان المغربي، لم يعد يحتمل مزيدا من التأخير، ولهذا، فإن أغلب الفاعلين البرلمانيين من الغرفتين معا، متفقون على أن مؤسستهم في حاجة إلى مزيد من العقلنة والإنتاجية. في تعليق ساخر له على الدخول البرلماني، قال رشيد الطالبي العلمي، رئيس الفريق التجمعي الدستوري الموحد، «إن ما نحتاجه في كل دخول برلماني هو ما يحتاجه التلميذ في الدخول المدرسي: مقرر دراسي». بهذه الصيغة، وإن غلب عليها التعميم، يكون الفاعل البرلماني قد وضع المشكل في حالته البسيطة، في حدوده الدنيا. ولأن البرلماني، ربما ما يزال في حاجة إلى أن يفهم أكثر مقرره، أي القانون التنظيمي لمؤسسته وصلاحياته الدستورية ودوره السياسي. من هنا، لابد أن يقفز المرء بشكل مباشر نحو البنية المنتجة للبرلمان، أي الأحزاب السياسية. ولأن علاقة سببية تربط بالضرورة بين مصداقية الأحزاب ومصداقية البرلمان والعكس بالعكس صحيح، فإن تأهيل البنية الحزبية بالمغرب أصبح بدوره مطلبا أساسيا. المصداقية، تطرح اليوم، والانتخابات التشريعية بادية في الأفق، لكن تأهيل البرلمان والمقرون بتأهيل الأحزاب السياسية أيضا، يطرح بصيغ متعددة، بالنسبة إلى البعض، فإن مصداقية البرلمان لا ينبغي أن تطرح بمعزل عن السياق السياسي العام، ومن ثم، يلح هؤلاء على ضرورة تأهيل المؤسسات السياسية نفسها. ولا ضير إذن، أن نجد فاعلا برلمانيا كعبد اللطيف أعمو، يطرح المشكل في أكثر صيغة الجدلية إحراجا : «تأهيل المؤسسات السياسية بالضرورة، جزء من مشروع الإصلاح السياسي العام، وما دام هذا الإصلاح لم يتم بعد، فإن هذه المؤسسات ستبقى ناقصة التأهيل ولا تنتج إلا نعايشه. فالمسألة إذن، ليست مرتبطة بالمصداقية من عدمها، بل بقدرة هذه المؤسسات في وضعها الراهن على إفراز منتوج في المستوى المطلوب». ومن جهة أخرى، تبقى الرهانات السياسية الأكثر حدة، لهذا الدخول البرلماني، تلك المتعلقة بمشاريع القوانين المزمع إحالتها على أحد المجلسين. وفيما خرج البرلمان، في سنته الماضية، من معركة تشريعية، شكلت عبئا كبيرا دام لأزيد من سنتين، أي مدونة السير، فإن الإحالة المرتقبة خلال هذه السنة لمشروع قانون إصلاح أنظمة التقاعد، من شأنها أيضا أن تثير جدلا يختلط فيه السياسي بالنقابي. وقد يرفع هذا المشروع من حرارة هذه السنة التشريعية، التي بقدر ما ستكون سياسية بامتياز، بحسب أكثر من فاعل برلماني، ستكون أيضا، سنة الملفات الاجتماعية، سيما أن سياسة التقشف التي بشر بها وزير المالية كإحدى معالم القانون المالي لسنة 2011، قد تعجل بالرفع من مستوى النقاش البرلماني في هذا الصدد. نقاش برلماني قد ترتفع سخونته أيضا، في حال إحالة مشاريع القوانين المتعلقة بالانتخابات، إذ يظهر من النقاشات السائدة على مستوى الأحزاب السياسية، خلاف لطالما أعاد نفسه في كل مرة تطرح فيها مثل هذه القوانين. إذن، لا شك، أن الدخول البرلماني الجديد، له مميزاته، وله نكهته الخاصة عن باقي السنوات الثلاث الماضية، وإن كان الجدل المرتبط بالقانون المالي معتادا في كل دورة خريفية. وبالتالي، فإن أبرز طابع لهذا الدخول سيكون لا محالة، إعادة الملفات الاجتماعية والاقتصادية إلى الواجهة بموازاة مع الملفات السياسية. ومن المنتظر أن يكشف البرلمان، عن فعالية أكثر وعن إنتاجية أوفر، كما من المأمول أيضا، أن يعبد هذا الدخول البرلماني، الطريق لإصلاح منظومته والارتقاء به إلى مستوى أفضل، وقد يكون ذلك مقدمة للإصلاح السياسي العام المنشود.