من التحجيب إلى التنقيب ومن الترغيب إلى الترهيب «ليس الخطر فيما يقوم به الأشرار، بل في صمت الأخيار.» مارتن لوثر كينغ دشنّ الأصوليون جهادهم ضدّ الجزائريات بتلك الجريمة الشنعاء التي اقترفوها في حقّ سيّدة أحرقوها حيّة هي ورضيعها بتهمة فساد الأخلاق سنة 1989 بمدينة ورقلة في الجنوب الشرقي التي تبعد حوالي 70 كيلومترا من «حاسي مسعود»، التي لم تعد اليوم مشهورة بآبار النفط، بل بجريمة اعتداء لئيم كانت ضحيّتها نساء جزائريات جئن طالبات للرزق من كلّ أنحاء الجزائر. كلّهن كنّ فقيرات وصلن إلى الصحراء هربا من الفاقة تارة ومن ظلم الأهل الأصولي في أحيان كثيرة. ما ذنب شابّات جزائريات قرّرن أخذ مصيرهن بأيديهن وقطعن ألوف الأميال بحثا عن لقمة عيش كريمة، تحمّلن من أجلها الوحدة وحرارة الجوّ وأخلاق الذكور الهابطة؟ يصاب بالغثيان من يقرأ «تركن على أنهن ميتات»(1) الكتاب الشهادة الصادر أخيرا والذي يروي بالتفصيل وقائع تلك الليلة الفظيعة التي طعنت خلالها رحمونة بسكين في بطنها وأشبعت ضربا على وجهها بهراوات وعصيّ المجاهدين في سبيل الأخلاق الحميدة. أما فتيحة بنت الخامسة والعشرين آنذاك فتقول في الكتاب الذي حررته الممثلة الجزائرية المناضلة نادية قاسي إنها تعرّضت للطعن بالسكين واغتصبت ثم طمرها المجاهدون في الأرض حتى رقبتها وانهالوا عليها ضربا وهم يصرخون «الله أكبر..الله أكبر» حتى أغمي عليها. كانوا يكبّرون حتى وهم يجرّدونها بعنف من ثيابها ويجذبونها بقوة من شعرها ويطرحونها أرضا! هذا قليل مما فعله مجاهدو العفّة من مناكر ليلتئذ وما لم يذكر كان أفظع. رغم مضيّ تسعة أعوام على تلك الغزوة الهمجية ومحاكمة بعض المتهمين فكأنّ شيئا لم يكن. ما زالت النساء يعانين الأمرين، إذ تتحدّث جريدة الوطن الجزائرية المستقلة الناطقة بالفرنسية عن سلسلة من الهجمات الوحشية قد تعرّضت لها في الآونة الأخيرة النساء غير المتزوجات اللاتي يعملن في شركات النفط في حاسي مسعود. منذ مارس الماضي، تكالبت على النساء العاملات عصابات من الملثّمين المدجّجين بكل أنواع الأسلحة البيضاء من قضبان حديدية وسكاكين وسيوف وهراوات.. وراح التتار يقتحمون منازل بريئات فيرهبوهن ويسرقون كل ما في حوزتهنّ ثم يغتصبوهنّ. وفي الوقت الذي كان ينكّل بهن كانت النساء «الحرّات» الأخريات يزغردن. «بينما كنا نتعرض للضرب والرجم والاغتصاب كنّ يزغردن... كما لو كنّ في عرس»، هكذا تتحسر رحمونة بكل ما تملك من مرارة بعدما بلغ الحمق أوجه والخراب الأخلاقي أقصى مداه. لقد تم الاعتداء عليهن ثانية من طرف أقلام أصولية إذا كتبت جريدة «الشرق الأوسط» يوم 15 يوليو 2001: «أفادت مصادر متطابقة في الجزائر أن مجموعة من الشباب شنت هجوما، على بيوت تسكنها نسوة ينتمين إلى شبكة ممارسة الدعارة في مدينة حاسي مسعود البترولية (860 كلم جنوب شرقي الجزائر)، وأسفر ذلك عن إصابة 20 امرأة بعضهن في حالة خطيرة ولا يزلن يعالجن في المستشفى». ويتابع مراسل الجريدة الخضراء ممرغا الحقيقة في التراب: «وقالت المصادر في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن شبابا شرعوا في مداهمة مجموعة من البيوت معروف لدى أهل المدينة أنّ عاهرات يسكن فيها، وقد قاموا بضربهن وطعن بعضهن بالخناجر، إضافة إلى تسجيل حالات اغتصاب وآثار للتعذيب». ورغم الشهادات الدامغة والتحقيقات الصحفية الموثّقة التي قامت بها صحفية «الوطن»، سليمة تلمساني، صمتت في الجزائر جرائد وحاولت أخرى التهوين من الأمر وراحت صحف أخرى تقرأ الخبر قراءات تضليلية أهمها اتهام الصحافة الفرنسية وحليفها «حزب فرنسا» في الجزائر بالضلوع في فبركة القضية من أجل النيل من سمعة الجزائر! وتلك نكتة سمجة لم تعد تضحك أحدا. مع التنازل تلو الآخر للأصوليين وإشراك بعضهم في إدارة الدولة الجزائرية، ترسخت السلوكيات البطريكية في المجتمع، بل أصبحت هي القانون السائد. فكيف نستغرب أن تتهم عازبات من طرف جيرانهن بكل الموبقات، لا لشيء سوى كونهن يعشن من دون حماية ذكورية أو رقابة؟ يعمل الأصوليون كل ما في وسعهم لحرمان النساء من العمل لمنعهن من الاستحواذ على مساحة من الفضاء الاجتماعي، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى إعادة نظر في مشروع المجتمع القروسطي الذي يعدّونه للجزائريين في السرّ والعلانية. هامش: 1-Laissées pour mortes, le lynchage des femmes de Hassi Messaoud, Rahmouna Salah&Fatiha Maamoura. Témoignage recueilli par Nadia Kaci .Ed. Max Milo,2010