أنهى المغرب احتضانه لبطولة إفريقيا للسباحة في نسختها العاشرة، باحتلال المرتبة السادسة ب 5 ميداليات، ذهبيتان، فضيتان، ونحاسية واحدة، فازت بها جميعها السباحة سارة البكري. وكما كان منتظرا، فقد تألق سباحو وسباحات جنوب إفريقيا بحصد 58 ميدالية منها 27 ذهبية و16 فضية و15 برونزية، فيما حل المنتخب التونسي ثانيا برصيد 18 ميدالية منها 3 ذهبية و 10 فضية و 5 برونزية ، فالجزائر في المركز الثالث بمجموع 10 ميداليات منها 3 ذهبية و4 فضية و 4 برونزية، بينما جاءت مصر في المرتبة الرابعة ب 19 ميدالية منها 3 ذهبيات. السباحة المغربية التي استطاعت العودة لكسب الذهب الإفريقي بعد 20 سنة من الغياب، استطاعت أن تجمع شتاتها، وتسترجع أنفاسها لتتمكن من تسجيل حضور لافت، بفضل عداءة واحدة استطاعت منافسة أبطال القارة، وكسبت مجموعة من الميداليات طردت لعنة الاصفرار عن الحصيلة المغربية، حيث ساهم تألقها في جعل السباحة المغربية تعود إلى واجهة الأحداث الوطنية، بعد فترة انكماش طويلة دخلتها مرغمة من جراء سيطرة نوع من التسيير على الجهاز الجامعي، أدخل هذه الرياضة وسط دوامة من المشاكل والصراعات الهامشية والولاءات التي لا تقيم وزنا لمصلحة الممارسين بالدرجة الأولى. والواقع، أن التغيير الذي عرفته الجامعة بعد تحمل السيد الإبراهيمي مسؤولية الرئاسة، والأجواء الإيجابية التي خلفها هذا التغيير، مكن أخيرا السباحين من استعادة الثقة والاستعداد في ظروف جيدة، وفي مقدمة هؤلاء السباحة سارة البكري، التي عانت طويلا من عنتريات المسؤولين السابقين، إلى درجة كان من الممكن أن تعتزل مبكرا السباحة، لولا المجهود الذي بذلته عائلتها، بضمان انتقالها إلى أوروبا للدراسة والتدريب. فقد عشنا معها جميعا، المشاكل التي فرضت عليها من طرف المكتب الجامعي السابق، مشاكل حملتها معها وهي تغادر أرض الوطن نحو مدينة ليون الفرنسية، حيث التحقت بإحدى المعاهد المتخصصة، لتتمكن هناك من تحقيق رقم أهلها للمشاركة بدورة بكين الأولمبية سنة 2008 ، هنا طرحت لها مشاكل أخرى مع المكتب الجامعي السابق، الذي حاول أن يفرض عليها مدربا كان سببا في مغادرة فريقه الأصلي الوداد، لتلتحق مكرهة نحو الغريم التقليدي الرجاء، وبعدها نحو القارة العجوز. رفض سارة البكري التدرب تحت إمرة مدرب الجامعة، طرح إشكالا حقيقيا وصل إلى حدود تدخل الوزارة الوصية في عهد نوال المتوكل، وكذلك اللجنة الاولمبية الوطنية، بأمر من الرئيس حسني بنسليمان، فكان الحل هو رحيلها بدون مدرب، بعد أن رفضت هذه الأجهزة قبول مدرب من اختيارها، هو قرار كانت له انعكاسات سلبية على مشاركتها بهذا المحفل الدولي... مباشرة بعد دورة بكين قررت الجامعة توقيف سارة البكري، كما رفضت تسليمها مستحقات الاستعداد التي تمنحها عادة اللجنة الاولمبية الدولية، حيث تحملت بمفردها وبدعم من مؤسسة بنكية مصاريف فترة التهيء للدورة الأولمبية بجنوب إفريقيا، كما أن أخبارا تحدثت عن سعي بعض الأطراف داخل الجامعة السابقة إلى الترويج لعدم نظافة سجل سارة البكري من حيث تهمة التعاطي للمنشطات، وهي قمة الانحطاط وانعدام الحس الوطني، لتغادر بعد كل هذه الحيثيات فرنسا، حيث التحقت بإحدى المعاهد الخاصة بالولايات المتحدةالأمريكية. ما حدث لسارة البكري البطلة الإفريقية، التي شرفتنا جميعا كان من الممكن أن يقضي نهائيا على مسارها الرياضي، إلا أن عزيمتها الكبيرة وتضحيات عائلتها، حالا دون استسلامها لرغبات أشخاص يدعون أنهم رياضيون، وهم بسلوكهم هذا بعيدون كل البعد عن فضاء الفعل الرياضي السامي، الذي يلغي كل أشكال الأحقاد والتفرقة والعنصرية والصراعات الهامشية... وإذا كان تألق سارة البكري قد ساهم في جعل الرياضة الوطنية تستعيد نغمة الفوز، بعد غياب قاسي عن منصات التتويج على الصعيد القاري والدولي، اثراعتزال أبطال العاب القوى والتنس وتراجع عطاء الملاكمة، فان هذا التألق أعاد إلى الواجهة إشكال حقيقي عاشه أبطال آخرون، ويتجلى في سيطرة مسيرين هواة على تسيير جامعات تشرف على رياضيين محترفين، وهي معادلة غريبة، لم تستطع الرياضة الوطنية فك لغزها طيلة سنوات طويلة... والآن، وقد فرضت تغييرات جذرية على مجموعة من الجامعات، من بينها جامعة السباحة، همت هياكلها وقوانينها، فان هناك جامعات أخرى على الطريق، وهذا مخطط فرضته الحالة السيئة التي وصلت إليها الرياضة الوطنية عموما، التي دخلت مرحلة قاتمة من تاريخها، زج بها وسط دوامة من المشاكل والإخفاقات والصراعات الهامشية، إلى درجة أصبحت عاجزة عن منافسة دول تتلمس بالكاد المبادئ الأولية للممارسة... فتحية خاصة للسباحة سارة البكري، التي قدمت لنا من خلال رياضتها الجميلة رسالة من تحت الماء، تحمل الكثير من الدروس والعبر...