درب الحكايا شمعة جذلى تعاقر ليلها الممزوج بالتعب، وفتيلها المخمور بالعنب، تراقص ظلها النائم على وجه الوسادة، تحدِّث الجدران عن أسرارها. عن حزنها. عن يأسها. عن غربة الأحباب في مدن الشتات، عن درب الحكايا وانكسارات المرايا والأمنيات النائمات في درج الخبايا، عن صوته المصنوع من عسل الجبال الشاهقات. حين يهمس باتصال آخر الليل، أو ربما مع فجر الرواية، عن قلبه المصنوع من شُعَب المرجان في قاع الخليج. هو هكذا، يعشق المرأة إذا ما تلّون شعرها، وتخضبّت أطرافه بالحنّاء. هو هكذا، تفتنه الخلاخل والأساور ومراود الكحل، وعطر الكهرمان. هو هكذا، حبٌّ وكرهٌ وانصهارٌ. هو هكذا، حلوٌ ومرٌ. ومرات يوقد الدنيا لهيباً، واشتعال قلبه كوكب سريٌّ لم تكتشف سره سوى امرأة من نور ونار، فصار الماءُ حراً في جريانه، وتهامست الوديان والأنهارْ. هو منهلٌ عَذْبٌ، تغازل ثغره عصافيرُ الكنارْ، هو أسطورة منسٌّية، يكتبها ناسك الصومعة فجراً، ثم يمحوها آخر النهارْ، هو جدولٌ رقْرَاٌق إن همَّ بالعطاءْ هو ذلك المارد، يبارز البرقَ في أعلى سماءْ، هو بلسمٌ سحريٌّ للشفاءْ، فلتنتحر كلٌّ قوارير الدواءْ، شمعةٌ جذلى، تنادم ليلها المفتونَ بالنغم، تحدّثُ الدروبَ عن حلمها، عن عرسها، عن غدها المفروش بالنرجس. عن أمسها الموشّى بالحكايا والسجايا، وبطولات الخالدين. شمعةٌ جذلى تناجي درّبها: يادربَ الخيبة أغلقْ كلَّ مزالج أحزاني، فالفرح صارَ رفيقَ الحلمِ. صديقُ البسمةِ. صديقُ الشجرِ المورقِ في ساحات الأعياد. ماعاد الحزنُ يراقصُ شبابيكَ الشجنِ. ماعادت نكباتُ الأمسِ تغازلُ غرّة أيامي. يا دربَ الخيبة عمِّدنا من أخطاء الماضي. من ألم ظلَّ يلازمُ قلبَ البهجةِ من مارس حتى نهاية نونبر! يا دربَ الفرح، امسح آثار الأقدام عن رمل خطايانا، عن مدرج حَبْوِ حكايتنا، وأشعل كلَّ قناديل الليل، كي تترى مواويل الشغف! يا دربَ الحكمة، احكِ لي عن ماضي العرب، عن مآثر أجدادي، عن هند باعت أساورها، كي تطعم بعضَ الأيتام .عن حاتم ذبحَ الأشقَر كيْ يُطْعِمَ قافلة عبرت مضارب أجداد الطائِّي. عن قيسٍ ماتَ بليلاه. وترجّلَ عن ظهر الأيهم. يا دربَ الأملِ خذني نحو الأفق الأرحب، كي أمسكَ أهداب القمرِ، وأسرّح للشمس، جدائَلها. نقوش أثرية على وجه البحر ماجدة غضبان قبل السياب ما كان المطر يعني شيئا، ولا جيكور كانت ملكة المدائن، ولا بويب كان يجري دون توقف بين الكفوف التي احتضنت بحنوٍّ بالغ قصيدة المطر! ** اعلمُ انكِ خلف جدار أو في قلب الصخرة أو مجرى النهر، اعلمُ انكِ جذور الشجرة وحلو الثمرِ وتحدّي الظل لهجيرة صيف، اعلمُ إني حيث أسير أكون بين يديكِ وانزعُ من وجهكِ بقايا قشور، واكشف عن سحركِ وأتلاشى فيكِ كشعاع من نور! ** مثقلٌ بالحلي ذلك التمثال ضجرٌ من الوقوف وسط طواف لا ينتهي يتمنى لو إن عينيه ترمشان للحظة أو تتحركُ يداه إلى الأعلى أو يرتفعُ صوته بين لغط العابدين: اصمتوا أيها الجهلة!