من المؤكد أن صحافتنا الوطنية تواجه اليوم، كما نبهنا ونبه آخرون إلى ذلك مرات ومرات، العديد من التحديات والمخاطر التي تسائل ليس المهنيين وحدهم، وإنما الدولة أساسا ومختلف الفاعلين ومكونات المجتمع. إن حلول اليوم العالمي لحرية الصحافة في ثالث ماي أتاح الوقوف على كثير إشكالات حقوقية وقانونية تعاني منها ممارسة مهنة الصحافة بالمغرب، واستعرضتها بتفصيل المنظمات المهنية وتقارير الجمعيات الحقوقية وهيئات دولية معنية، ومن باب الموضوعية نسجل أن كثير معضلات واختلالات هي بالفعل موجودة ولا بد من الانتباه إليها ومعالجتها في التشريعات والنصوص ومن خلال الممارسة اليومية وعلاقة قوات الأمن وأجهزة القضاء والسلطات الترابية بمهنيي الصحافة والإعلام، ولكن، في نفس الوقت، نعتقد أن مهنتنا والمقاولات الصحفية في بلادنا تواجه مشكلات بنيوية أعمق تهدد مستقبلها ومستقبل القطاع برمته. صحيح أن بعض هذه التحديات مطروح كذلك في بلدان ومناطق أخرى، والكثير من الدول والمؤسسات الإعلامية أقدمت على تحولات جوهرية وجرى اتخاذ قرارات قاسية، لكن ليس كل ما صلح هناك يمكن استنساخه هنا، كما أن الأوضاع والرهانات المهنية والمجتمعية هي غيرها بالنسبة لبلادنا وشعبنا، ومن ثم يبقى ضروريا بلورة أجوبة ومداخل مغربية لواقع ومستقبل صحافتنا الوطنية. الأهداف هنا متعددة، منها ضرورة تمتين السلامة الاقتصادية والتدبيرية والمقاولاتية للقطاع وحمايته وتوفير شروط استقراره ونموه، ثم هناك تعزيز صمامات الأمان والدعامات المسندة لمسارنا الديمقراطي والتنموي العام، وأيضا لتقوية إشعاع بلادنا وتميزها والدفاع عن مصالحها وقضاياها الوطنية الكبرى، وهناك كذلك حماية التعددية الديمقراطية والتنوع المهني والثقافي كأحد مرتكزات التجربة الديمقراطية والتاريخية المتفردة لبلادنا. وهذه الأهداف تقتضي اليوم مخططا استراتيجيا تضعه الدولة وينخرط فيه باقي الفاعلين الاقتصاديين والمهنيين، ويقوم على جوانب قانونية وتشريعية وتنظيمية ومؤسساتية وسلوكية وتمويلية وجبائبة واجتماعية، ويستحضر كذلك الرهانات الكبرى للبلاد. لن تربح المهنة والبلاد هذا التحدي بدون وضوح النظر، وفي غياب مخطط وطني كبير واستراتيجي، وأيضا بدون تحرير المهنة من بعض الاختراقات هنا وهناك، ومن بعض ممارسات بدائية لا مستقبل لها تقودها لوبيات اقتصادية وسياسية ريعية، وتسعى، من خلال ذلك، إلى تثبيت حلقات مريدين داخل المهنة تنفخ فيهم يوميا بكل أنواع الدوباج، لكنها في الواقع لم تجن للبلاد وللمهنة سوى المزيد من غياب الجودة ورداءة المضامين الإخبارية والتحليلية المنتشرة بيننا وضعف احترام أخلاقيات المهنة. إن بلادنا في حاجة إلى صحافة ذات جدية ومصداقية، ولهذا القطاع ككل في حاجة إلى تدخل جوهري كبير من الدولة للمساعدة في تأهيله، على غرار ما فعلت بلدان أخرى، وأيضا ما قام به المغرب بالنسبة لقطاعات اقتصادية واجتماعية أخرى، ولهذا أيضا النظر إلى هذه المهنة والى ضرورتها الديمقراطية والمجتمعية يتطلب اليوم الكثير من العقل والابتعاد عن أوهام خلق المريدين وعن التحكم والابتزاز وتضييق الخناق، لأن من لا زال يقتنع بمثل هذه الخرافات ولم يستفد شيئا من دروس التاريخ سيصطدم بالجدار، وسيجعل بلادنا تدفع ثمن كل هذا الذي يجري في مقاولاتنا الصحفية وحواليها. لنعد إلى العقل بهاءه . هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته