شكلت النقابة الوطنية للتعليم العالي طيلة عقود، كما اتحاد كتاب المغرب والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، وأيضا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في زمن مضى، ومنظمات نقابية وثقافية وحقوقية ومدنية أخرى، مدارس حقيقية للنضال الوطني الديمقراطي في بلادنا، وواجهات لترسيخ قيم الانفتاح والحوار والدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، بالإضافة إلى الانشغالات القطاعية والترافعية. ومن ثم صارت هذه الهيئات بمثابة قيم رمزية لبلادنا وشعبنا يجدر الدفاع عنها من لدن الكل، والحرص على استمرارها وتطوير فعلها وزخمها. النقابة الوطنية للتعليم العالي، التي أنهت أول أمس مؤتمرها الوطني العاشر، كانت دائما السند للنضالات الحقوقية والثقافية والفكرية من أجل الحرية والديمقراطية والتقدم والتحديث، وحضرت في الكثير من المعارك الثقافية والحقوقية بمجتمعنا، وعرف عن كثير من قيادييها ورموزها إصرارهم النضالي على الأفق الديمقراطي المنفتح لمجتمعنا. وهذه الخاصية كانت دائما مصدر قوة للتنظيم النقابي للجامعيين والباحثين المغاربة. لقد جمعت نقابة الجامعيين، وأيضا نقابة الصحفيين، واتحاد الكتاب بين السؤال القطاعي الخاص والانشغال الديمقراطي المجتمعي العام. وبالرغم مما قد يكون خلفه هذا الجمع من ارتباكات وتوترات في الطريق، فإنه، بصفة عامة، كان يجسد نقطة قوة، ومكن من احتضان مجتمعي كبير لهذه الهيئات، كما حماها من الانجرار إلى التموقع والتدجين داخل أجهزة السلطة الإدارية، كما حدث لتنظيمات مماثلة في كثير من البلدان العربية والإفريقية. ويعتبر المؤتمر الوطني العاشر للنقابة الوطنية للتعليم العالي لحظة أساسية. ذلك أن ظرفية انعقاده تتميز بسياق سياسي ومجتمعي مختلف وطنيا وإقليميا، ويطرح على النخب الجامعية، وعلى الجامعة نفسها كثير أسئلة ورهانات تتعلق بهذه النخب ذاتها، وبالمجتمع وآفاق تطوره. وقد جاء في كلمة الكاتب العام للنقابة خلال افتتاح المؤتمر أن النقابة الوطنية للتعليم العالي مع الجامعة الوطنية الديمقراطية الحداثية المنفتحة والقادرة على صناعة النخب وخلق مجالات للإبداع وتركيزها كقوة اقتراحية منخرطة في مجتمع المعرفة بكل شروطه، ويمثل هذا الأفق بالفعل رهانا حقيقيا لمستقبل النقابة يتطلب أولا الوعي بأهميته، ويقتضي ثانيا الانخراط الصادق من لدن كل المعنيين من أجل تحقيقه، كما يفرض تجاوز كل السلوكات والعقليات والحسابات التي من شأنها تكبيل النقابة والحيلولة دون نجاحها في تحقيق الرهان المذكور. إن بلادنا تعيش اليوم تحولات جوهرية ومتعددة الأبعاد، وتتفاعل في ذلك مع ما يحياه العالم من حولنا، وهي بذلك في حاجة إلى جعل العلم، أي الجامعة والمختبرات ومراكز البحث العلمي، وقطاع التعليم العالي برمته في عمق قضايا المجتمع ومستقبله، كي يساهم في تنميته ونهوضه، وفي تعزيز حداثته وتقدمه وديمقراطيته. الرهان الجوهري يوجد هنا بالذات، أما باقي الحسابات فهي ستبقى صغيرة جدا.