الصحافة في بلادنا، باعتبارها كقطاع ومقاولات وكأحد المقومات الأساسية في الحياة الديمقراطية الوطنية، تستحق اليوم تفكيرا جديا من لدن السلطات العمومية ورؤية ناجعة ومتكاملة بغاية النهوض بها وتقويتها وتأهيلها. فعلا نتابع هذه الأيام كيف أن صحفا عالمية إما تغلق أبوابها نهائيا أو تكتفي بطبعتها الالكترونية، وآخرها"الأندبندنت" البريطانية ثم "السفير" اللبنانية قبل أن يتدخل فاعلون سياسيون واقتصاديون لإنقاذها، ولكن رغم ذلك فسياقات الدول والمجتمعات هنا تختلف والحاجة هنا ليست مثلها هناك، ولهذا يجب أن تفتح بلادنا اليوم عينها واهتمامها على حاجة ديناميتنا الديمقراطية والتنموية ومصالحنا الوطنية إلى وجود صحافة مكتوبة ذات جدية ومصداقية، بالإضافة إلى الهوية الواضحة والمتانة الاقتصادية والمقاولاتية اللازمة. الصحافة هنا، وضمن هذا الأفق، هي ضرورة لتطلعنا الديمقراطي الوطني، وفي جديتها وتعدديتها تبرز أهم مؤشرات الواقع الديمقراطي والحقوقي للبلاد، كما يمكنها الإسهام في إنماء الوعي والتربية على المواطنة وترقية الممارسة السياسية والمؤسساتية في البلاد وتأطير المجتمع والدفاع عن القضايا الوطنية، ولهذا من مسؤولية الدولة والفاعل السياسي والفاعل الاقتصادي حماية قطاع الصحافة الوطنية والحرص على تطويره باستمرار. اليوم مداخيل الإشهار تراجعت بمستويات كبيرة، وشركات كبرى لا تخصص ميزانيات واضحة للإشهار عبر الصحف، وفاعلون اقتصاديون ومؤسساتيون يلتفون على معادلات هذا الميدان باستثمار فرص الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي العالمية للزيادة في حرمان وإفقار صحفنا الوطنية، علما على أن مثل هذه المؤسسات التواصلية الدولية العابرة للقارات لا تخضع لأي التزامات ضريبية أو غيرها، بالإضافة إلى أن هذا المجال برمته يعاني في بلادنا من غياب الوضوح القانوني والتنظيمي، ومن سيادة الريع وعلاقات الهواتف وتعدد الوسطاء والضغوط المختلفة، وأساسا من سيادة كثير من قصر النظر والتكلس والبدائية وسط منظومتنا الاقتصادية ولدى بعض المعلنين. المنظومة البنكية والجبائية ذات الصلة بعمل مقاولات الصحافة هي أيضا تتطلب شجاعة تفكير وانفتاح أفق، وذلك ضمن رؤية متكاملة والتقائية غايتها تفعيل نموذج مقاولاتي واقتصادي ملائم لهذا القطاع يتيح له فرص النمو والإشعاع. من جهة أخرى، تتنامى في بلادنا ظواهر سلبية لا توجد في كثير من البلدان الأخرى، مثل عرض الصحف في المقاهي مجانا على الزبناء، وكرائها من لدن الباعة، فضلا عن غياب مبادرات وازنة وخطط لاقتناء الصحف من لدن المؤسسات الوطنية والمقاولات الكبرى، وبعض هذه الظواهر يجعل أن أرقام مبيعات الصحف عندنا ليست هي ما يجري الإعلان عنه، وإنما هي أكبر من ذلك في الواقع لوتم التخفيف من العرض المجاني وكراء الصحف، ولو جرى تقوية قطاع التوزيع وتوسيعه، ما يعني أن هناك مداخيل مهمة تضيع عن مقاولات هي أصلا تستثمر وتنتج يوميا في ظروف صعبة وبالغة التعقيد. وحيث أن الأمر له علاقة وطيدة بإشعاع القراءة وسط شعبنا، فمن الغريب فعلا أن تحجم المدارس والإعداديات والثانويات والجامعات، وهي التي تضم عشرات الآلاف من التلاميذ والطلبة والمدرسين، على إعمال خطط وبرامج وآليات لاقتناء الصحف وتعميمها وتشجيع تقاليد القراءة وسط فضاءاتها، وذات الأمر يعني كذلك مراكز الشبيبة والرياضة مثلا وبعض المؤسسات الصناعية الكبرى، وقد سبقت دول أخرى عبر العالم إلى القيام بهذه التجربة، كما أن نقاشا مماثلا يجري هذه الأيام بفرنسا حول تعميم قراءة الصحف واقتنائها من لدن المؤسسات التعليمية. يمكن إذن للصحف أن تكون من ضمن أهم دعامات إشعاع وتنمية القراءة وسط شبابنا وعموم شعبنا، وخصوصا من خلال المدارس والجامعات، وذلك ضمن مخطط وطني تسهر عليه الدولة وتدعمه وتوفر له ممكنات النجاح والاستمرار. الأهم في كامل هذا التفكير، أن بلادنا في حاجة لاستمرار صحافة وطنية جادة وذات متانة اقتصادية ومقاولاتية، ويجب على مختلف الفاعلين الاقتصاديين والحكوميين الانكباب على تفعيل مبادرة وطنية متكاملة وشجاعة بتأطير مؤسساتي ومالي عالي المستوى لتحقيق هذا الهدف خدمة لمسارنا الديمقراطي والتنموي العام. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته