يستحق البلاغ الصادر عن الاجتماع الأخير لمكتب الفيدرالية المغربية لناشري الصحف أن تقرأه السلطات العمومية وتعيد قراءته بكثير من التمعن والانشغال، ذلك أنه لا يعبر عن مطالب قطاعية أو فئوية بمنطق اللوبي وضغوطات المصالح الضيقة، وإنما هو يدعو إلى وقفة تأمل جدية وحقيقية تستحضر مستقبلنا الديمقراطي كبلد، وصورة المملكة وقضاياها ومصالحها الوطنية، وحاجة كل هذا لصحافة وطنية جادة وذات مقدرات مهنية واقتصادية وإشعاعية. الحديث اليوم عن قوانين وتشريعات الصحافة مهم وجوهري بالنسبة لكامل منظومتنا الديمقراطية، والناشرون عبروا عن مطالبهم بهذا الخصوص أيضا، ولكن بنفس القوة يجب اليوم على الدولة أن تنتبه إلى واقع مقاولات الصحافة المكتوبة، ولنموذجها الاقتصادي والمقاولاتي، وهذا ما اهتمت به كثيرا مداولات الاجتماع المشار إليه. العلاقة مع المعلنين ووكالات الإشهار تطرح اليوم الكثير من المشكلات والحيف في حق المقاولات الصحفية، طبيعة المنظومة الضريبية والعلاقة مع الأبناك أيضا تتطلب النظر العميق والمبادرات الشجاعة المستحضرة لخصوصية القطاع، توزيع الصحف يشهد كثير اختلالات فضلا عن مصاعب جديدة يضيفها للصحف، عشوائية التوزيع وفوضى الانتشار والأرقام تفرض الكثير من التنظيم والأخلاقيات وبعد النظر، مجانية القراءة في المقاهي والضعف العام للمقروئية وعدم إقبال المؤسسات العمومية وكبريات الشركات الخاصة على اقتناء الصحف أيضا يزيد من إكراهات الانتشار... وعندما نضيف إلى كل هذا التباسات العلاقة بين السلطة السياسية والمؤسسات الاقتصادية من جهة والصحف من جهة أخرى، وضعف الشفافية والوضوح على هذا الصعيد، وتنامي المنتفعين من هذه الوضعيات الريعية داخل الجسم الصحفي نفسه، فكل هذا يجعل القطاع برمته أقرب إلى الاحتضار، وكثير مقاولاته هي تصارع يوميا فقط من أجل البقاء. اعتبارا للتحديات الديمقراطية المطروحة اليوم على بلادنا، واستحضارا لدور الصحافة في إنجاح الديناميات التحديثية والتنموية والديمقراطية والتفاعل مع قضايا البلاد وإشعاع صورتها، فان السلطات العمومية مطالبة اليوم بوضع واقع قطاع مقاولات الصحافة المكتوبة ومستقبله على رأس جدول أعمالها الديمقراطي لإنقاذه ولوضع لبنات صلبة لتأهيله والنهوض به. لابد من مساعدة هذه المقاولات المحدثة، فضلا عن كل ما سبق، لمناصب شغل وللقيمة الرمزية والثقافية والسياسية، على امتلاك استقرار مالي وتدبيري ومتانة مادية واقتصادية وتقنية، علاوة على ضرورة التخفيف من الضغوطات الجبائية والتمويلية المفروضة عليها، وأيضا مواكبتها لتمتين استقرارها العام كمقاولات، ثم تفعيل برامج ومخططات من شأنها تحقيق الانتشار والإشعاع لصحفنا الوطنية، وتحسين الأوضاع المادية والمهنية والاجتماعية لكل المرتبطين بالقطاع. المطلوب إذن هو مخطط حكومي متكامل بشراكة وتعاون مع المقاولات بغاية الإنقاذ المستعجل للقطاع والعمل على تطوير منظومته الكاملة. بلاغ فيدرالية الناشرين هو إذن جرس تنبيه حول كل ما سبق، وهو دعوة للدولة أولا، ولباقي الأطراف ذات الصِّلة لكي يسارع الجميع للقيام بالمطلوب قبل فوات الأوان. اللحظة أكبر من السجالات المزاجية السطحية وقصيرة النظر والحساب، وهي مناسبة لاتخاذ القرارات الكبرى والجوهرية خدمة لحق شعبنا في الخبر والمعلومة وفي صحافة جيدة وجدية وذات استقرار مادي ومهني . هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته