القرار الذي اقترفته شركة اتصالات معروفة في حق صحيفة "ليزانسبيراسيون ايكو" بحجب إعلاناتها عنها وإلغاء حجوزات، فقط لأن الصحيفة أوردت خبرا يتعلق بضعف استثمارات شركات الاتصالات في الإشهار الموجه للصحافة المكتوبة، يفضح عقلية عتيقة مستشرية في أوساط اقتصادية مختلفة، وهي لا تفهم الإشهار سوى كمرادف للصمت عن الأخطاء أو الخروقات، أي كابتزاز... ليس مهما هنا الوقوف عند تفاصيل العلاقة التجارية وغير التجارية بين الصحيفة والشركة، وإنما الأساسي أن ما حدث يوجد له مثيل في حالات أخرى، ومع شركات ومؤسسات أخرى، وفي حق صحف أخرى، يومية أو أسبوعية، وهذا واقع فيه كثير اختلالات وتجليات... تخلف. الكل يحب أن ينظر ويحلل على أن المسار الديمقراطي لبلادنا لا يمكن أن ينجح بلا صحافة مكتوبة تعددية ومستقرة وذات إشعاع وتمتلك متانة اقتصادية ومالية، والكثيرون ينسون أن تحقيق هذا لن يتم سوى عبر الإشهار، ومن خلال شراكة منتجة مع القطاع الخاص والمؤسسات العمومية... وعندما يكون هذا القطاع الخاص مسيرا بنفس عقلية شركة الاتصالات المومأ إليها أعلاه، وعندما يكون سوق الإعلان في الأصل ضعيفا وهشا وبلا ضوابط واضحة، وعندما تكون الأبناك مفتقرة لأسلوب تعامل واضح مع قطاع الصحافة والإعلام، فكيف إذن يمكن تفعيل نموذج اقتصادي سليم وفاعل للمقاولة الصحافية في بلادنا؟ مقاولات عديدة تتعامل مع الصحف بذات العقلية التي أبانت عنها شركة الاتصالات، وكثير فضائح على هذا المستوى تبقى في الكواليس وفي حكايات الناشرين ولا تخرج للعلن خوفا من انتقام أشد، وهذا الواقع يبرز أننا غالبا ما نصدم بفاعلين اقتصاديين ومؤسساتيين، رغم حداثة مظهرهم ونمط عيشهم، هم غارقون في سلوكات وعقليات ماضوية عتيقة ورديئة... وعندما تتربص المخاطر بالبلاد، أمنيا وسياسيا ووطنيا، تكون في حاجة إلى صحافة وطنية تملك المصداقية والتاريخ ووضوح الرأي والانتماء لتدافع عنها بلا مساومات أو ابتزاز، وهذه الصحافة، الموجودة في البلاد ومنذ عقود، تحتاج إلى إسناد المعلنين، لأن ذلك سيتيح لها الاستمرار والتطور وتطوير مهنيتها وإشعاعها، أما أن نغلق عليها كل الأبواب ونعلن عنها الحصار من كل النوافذ، ونعتبر أحيانا أن البلاد ليست في حاجة إلى صحف سياسية ذات خط واضح وهوية فكرية وتحريرية معلنة، فهذا يعني العمى وبلادة التقدير...، وحتى عندما تقدم أكثر من جهة إدارية وغير إدارية على النفخ في هذه الجريدة الطارئة أو تلك، فقط لأنها بلا لون أو موقف أو أنها تسمح أن تجر من أنفها، أو تسارع إلى خلق صحف جديدة، عسفا وتيها، فكل هذا لن يفيد البلاد في شيء، وفي كل مرة ستجد البلاد نفسها تبدأ من البدايات وتعود إلى منطلقات الحديث الأول... إن ما حدث مع الزملاء في "ليزانسبيراسيون ايكو" يجب أن يجري التحقيق بشأنه، ويجب أن تتغير العقلية في عمقها، فمثل هذا السلوك موجود ويقوم به آخرون منذ سنوات، ونحن هنا في هذه المؤسسة الإعلامية العريقة، مؤهلون لنعرف كيف يتم هذا، وكيف يمارس يوميا هذا التخلف، وكيف أن كل المعايير، المهنية والاقتصادية، تنهار ولا يبقى سوى الابتزاز والضغط من فوق ومن تحت ومن بينهما لنفخ هذا وإغنائه مقابل إفقار ذاك وإسكاته... وحدها البلاد لا تستفيد شيئا من كل هذا العبث. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته