تستوجب التأهيل وابتكار أساليب ونظم استغلال جديدة جبال شامخة بالأطلس الصغير يمكن أن تكون أرضا فقط لرعي ماشية الرحل. ومع ذلك، فإن الجزء الغربي الكبير من هذه المرتفعات يحمل علامات حضارة زراعية باهرة، يمكن قراءتها على جل المنحدرات المهيئة بمدرجات لا تعد ولا تحصى. ذلك أنها تتعايش مع مكونات زراعية أخرى من قبيل "إيكودار" و"البيدر" أي مكان فصل حبوب القمح من السنابل، ما يسمى بالأمازيغية "انرارن"، وخزانات مائية "تنضفوين". تتواجد هذه المناطق في مجال شبه جاف وتتميز بعدم انتظام هطول الأمطار.. هي إذن معالم جغرافية مجتمعة، تشكل فسيفساء من المناظر الطبيعية الزراعية المتنوعة. وتفرض، فضلا عن المشهد الطبيعي بالأطلس الصغير، سمة الرجل المزارع في بيئته. وبعبارة أخرى، فإنها تعطيه مظهر الخصوصية المحلية والمناظر الطبيعية "المشيدة". المدرج الزراعي المدرجات الزراعية هي تقنيات زراعية مشتركة تعاقبت عليها العديد من الحضارات في جل القارات تقريبا. تنامت من قبل الإنسان في المناطق الجبلية من أجل تكييف منحدر السفوح لتلبية الحاجات الغذائية، وشهدت على ذكائه وتأقلمه مع بيئته ومهارة خبرته، خصوصا لفترات إقامته الطويلة. وهكذا تحولت بعض المنحدرات، بشق الأنفس، إلى سلسلة متتالية من المدرجات تدعى بالأمازيغية "إغرمان"(sing. igherm). ، وتستخدم الكلمة للدلالة على الجدار الحجري الجاف الداعم للتربة وللزراعات المتبعة في حقول المدرجات كما وتوحي الكلمة بشكل طبيعي لفكرة الدفاع والحماية والتحصين. كما يشير مصطلح "إغرم" فقط إلى الجدار الداعم الذي شيد بدعامة من الحجر الجاف. ويطلق على المدرج الزراعي أو المساحة الصالحة للزراعة الضيقة المحددة بين اثنين من الجدران الداعمة تسمى بالأمازيغية "إكيد"، حيث ليس هناك أي زراعة ممكنة بدون هذه الوسيلة الممتازة للمنحدر. ويتطلب العيش والإنتاج في هذه المناطق الصعبة تدبيرا مندمجا للموارد والوسائل وتسخيرا مبتكرا للتقنية والمعرفة، في إطار مؤسساتي وتنظيمي ملائم وخاص. فبعد استقرار الإنسان في هذه المناطق ونمو الحاجة إلى الغذاء تم اللجوء إلى إعداد المدرجات لتوسيع المساحات المزروعة حسب عدد الأسر المستفيدة منها. ورغم صغر هذه المساحات وصعوبة التضاريس تمكنت الساكنة من تحقيق إنتاج زراعي متنوع من نباتات وأشجار مثمرة وخضر وفواكه في المدرجات المروية. ضرورة فلاحية يعد بناء هذه المدرجات الوسيلة الوحيدة والأكثر نجاعة لتدبير التربة والمحافظة عليها مع إقرانها بتدبير وتجميع مياه الأمطار . وتساهم هذه المدرجات في تطوير خصوصيات التربة وخصوبتها. ضرورة اجتماعية واقتصادية. ويعد الاستثمار في إعداد هذه الصروح استثمارا في المستقبل على المدى المتوسط والبعيد يبررها أساسا تطور القبيلة والمجتمع وضمان الاستقلالية الغذائية والسلم الاجتماعي. وفي هذا السياق، مكنت هذه العمليات المنجزة من خلق فرص الشغل لساكنة هذه المناطق. ويمكن الاستمرار في تطوير مساهمة هذه المنشئات في الرفع من دخل الساكنة عبر ابتكار طرق جديدة للتثمين، بعد تغيير وتطوير نظم الانتاج وتثمينها كتراث ثقافي واقتصادي. كما أن إنجاز هذه المدرجات له أثر مجتمعي إيجابي يساهم في تطوير العمل الجماعي وتوطيد العلاقات والتضامن بين الأفراد والجماعات، لتدبير منظم لموارد نادرة مكنت من تأسيس حضارات تركت بصماتها التاريخية في المناطق المعنية. وإضافة الى ذلك، فما تم إنجازه ساهم في اغناء المعارف الخاصة بتدبير الموارد الطبيعية والأزمات والتغيرات المناخية . وتتميز هذه المناطق بقلة الامطار وتذبذبها. وللمدرجات دور هام في تدبير هذه المتغيرات. وتبين أنها كانت مع باقي البنيات (السكن، التخزين، أدوات وآليات الري..)، ركيزة لاقتصاد يوصف "باقتصاد الندرة ". ودور التأقلم لا يقتصر على الجانب الاقتصادي بل يعم الجوانب البيئية كتدبير الفائض من الماء، إذ تسهل نفاذه وتقلل من سرعة السيلان وفي نفس الوقت تساهم في الحد من التعرية وضياع التربة بفعل السيلان. وأضحت المدرجات آلية تستوجب العناية والتطوير لتستمر في المساهمة في دعم قدرات الانسان والنظم البيئية والإيكولوجية للتأقلم مع التغيرات المناخية، وذلك لما تعرفه الأرض اليوم من تغيرات مناخية وما يترتب عنها من عواقب. إن للجفاف وقلة الأمطار أثرا سلبيا على المدرجات بحيث انخفض مستوى استغلالها وبالتالي العناية بها. ويرتبط التخلي عن استغلال هذه ا لمدرجات بالمردودية الاقتصادية لممارسة الزراعة، مقارنة مع بدائل أخرى الهجرة وأنشطة اقتصادية اخرى، وقد أدى هذا المعطى إلى تدهور ملحوظ في هذه المدرجات يزداد حدة مع تواتر الأمطار الطوفانية مؤخرا. كل هذا أثر على بنيات أخرى كتوحل السدود، وانهيار الطرقات وانجراف التربة ...ويهدد بانهيارها واندثارها كليا. وعليه يستوجب اتخاذ تدابير عاجلة لتفادي فقدان مكون أساسي من النظام البيئي والموروث الفلاحي للأطلس المتوسط، مما سيترتب عنه عواقب وخيمة مستقبلا.