أيام قرطاج المسرحية السابعة عشر تقام بالعاصمة التونسية فعاليات الدورة السابعة عشر لأيام قرطاج المسرحية التي تحتفي هذه السنة بمئوية المسرح المغربي. ويتضمن برنامج هذه الدورة، التي تتواصل إلى يومه السبت، تقديم حوالي 67 عملا تونسيا، و29 عملا مسرحيا عربيا منها خمسة أعمال مغربية، بالإضافة إلى 18 عملا من أوروبا و 9 من بلدان تنتمي لمناطق أخرى. ويتم تنظيم الاحتفالية الخاصة بمئوية المسرح المغربي طيلة أيام المهرجان مع جعل يوم أمس يوما خاصا لإبراز مظاهر الاحتفاء بالمسرح المغربي، إذ شهدت قاعات مدينة تونس تقديم خمسة عروض مسرحية مغربية، اختيرت بالتنسيق مع الجهات التونسية. وتمت برمجة محاضرة وندوة فكرية وتوقيع كتاب دليل المسرح المغربي وأمسية فنية، هذا إلى جانب معرضين للكتاب المسرحي والصور المسرحية. وتستضيف هذه الأيام المسرحية أيضا مجموعة من نساء ورجال المسرح المغاربة الذين يعقدون لقاءات مختلفة مع الفعاليات المسرحية التونسية ومع باقي المسرحيين العرب والأجانب. وتتوزع محاور ندوة مئوية المسرح المغربي ، التي يسيرها محمد بهجاجي بين "الحركة المسرحية المغربية قبل الاستقلال" لعبد الرحمان بنزيدان، و"المسرح المغربي من الاستقلال إلى الآن" لخالد أمين، و"المسرح المغربي والدولة (التقنين التنظيم المهني الدعم)" لعزالدين بونيت و "تجارب مسرحية مغربية (الطيب الصديقي، أحمد الطيب لعلج، عبد الكريم برشيد وعبد الحق الزروالي)" لمسعود بوحسين. كما يتاح لرواد المهرجان حضور معرض الصور المؤرخة لمراحل من المسرح المغربي ومعرض الكتاب المسرحي المغربي وحفل فني موسيقي وعرض فني لمحمد الدرهم ومجموعة بنات كناوة. وأوضح مدير الدورة الأسعد الجموسي خلال حفل الافتتاح، الذي حضره على الخصوص رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد ووزيرة الثقافة التونسية لطيفة الأخضر ، أن الفن يشكل وسيلة للاحتفاء بالمشترك الإنساني وتعميق الحوار الثقافي بين مختلف البلدان ، مبرزا أن المسرح يبقى فضاء لممارسة الحرية في أسمى معانيها وأفقا لمعانقة قضايا الانسان. وسلم الجموسي وزيرة الثقافة "إعلان قرطاج لحماية المبدعين في المناطق التى تشهد حروبا" ، موجها للحكومة التونسية من أجل أن ترفعه لمنظمة الأممالمتحدة قصد تبنيه رسميا. وقد تضمن حفل الافتتاح عرض مسرحية " غيلان" من توقيع المخرج التونسى الراحل عز الدين كنون ، احتفاء بروحه واعترافا بمساهماته في إثراء المسرح التونسي والعربي. "ضيف الغفلة": خطورة الخطاب الذي يدعي امتلاك الحقيقة الدينية استمتع جمهور "أيام قرطاج المسرحية"، بأول عرض خارج المغرب لمسرحية "ضيف الغفلة" التي أدتها فرقة "مسرح تانسيفت" وأخرجها مسعود بوحسين. وتتناول مسرحية "ضيف الغفلة"، التي شخص أدوارها كل من فضيلة بنموسى ومريم الزعيمي وعادل أبا تراب وسعيد أيت باجا، موضوع الانغلاق والتعصب الديني وتوظيف الدين لخدمة مصالح انتهازية ومصلحية. وقد تم عرض هذه الثيمة من خلال قصة أسرة يتعرف فيها الأخ الأكبر ومعيلها "صاحب بزار" على أحد الدعاة المزيفين، والذي سيعمل باستخدام خطاب وسلوك ديني منحرف وشكلي، على استغلال هذه العلاقة والسيطرة على ثروة الأسرة والإيقاع بالأخت الصغرى، بعدما تمكن من غسل دماغ معيلها وتحويله إلى متطرف ومتعصب ديني أهوج. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قال مخرج المسرحية، التي حظيت هذه السنة بدعم من وزارة الثقافة، إن هذا العمل الإبداعي، الذي ألفه حسن حموش ووضع موسيقاه الفنان محمد الدرهم، يقارب خطورة وتأثير خطاب يدعي امتلاكه الحقيقة الدينية في مجتمع يعاني الهشاشة، وما ينجم عن ذلك من مواقف وتداعيات خطيرة على مصير الأفراد والمجتمع على حد سواء. ولاحظ المخرج بوحسين أن عرض هذا العمل المسرحي في تونس أعطاه بعدا متجددا وتفاعليا في بلد عانى من ويلات الانغلاق والتطرف الديني، مشيرا إلى تفاعل الجمهور التونسي، على الخصوص، مع المواقف الدرامية للمسرحية، فيما كان احتفاء الجمهور المغربي قد انصب أساسا، في عروض سابقة، على بعده الكوميدي. وفي تصريح مماثل، أعربت الممثلة فضيلة بن موسى عن اعتزازها وسعادتها بزيارتها الأولى لتونس وتقديم أول عرض لهذا العمل المسرحي خارج المغرب، منوهة بالتجاوب الكبير للجمهور مع مشاهد المسرحية وأداء ممثليها ورؤية مخرجها، ما بدد لديها ولدى أعضاء الفرقة تخوفات كانت لديهم قبل العرض بخصوص ما قد يكون من صعوبة في تلقي الجمهور التونسي للهجة الدارجة. "بين وبين": قضايا الهجرة وإشكاليات الهوية لقيت المسرحية المغربية "بين وبين" التي عرضتها بالعاصمة التونسية، فرقة "نحن نلعب للفنون" في إطار "أيام قرطاج المسرحية"، تفاعلا وتجاوبا واسعين من قبل الجمهور الحاضر، وذلك بفضل الأداء الراقي والاحترافي للممثلين، وجمالية مكونات العرض المسرحي. وتميزت لحظات عرض المسرحية، التي أخرجها محمود الشاهدي، وأداها الثلاثي عادل أبا تراب وهاجر الشركي ومالك أخميس، بانصهار وثيق وتفاعلي بين الأداء المتميز لأبطال المسرحية، من خلال مشاهد ولوحات فنية مزجت بين المسرح والغناء والرقص، وبين أفق انتظار جمهور تونسي ومغربي متعطش للعمل المسرحي الأصيل. وفي تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، عقب العرض، أعرب كل من مخرج المسرحية محمود الشاهدي والممثلة هاجر الشركي وعادل أبا تراب عن ارتياحهم الكبير للتجاوب الواسع الذي لقيته المسرحية من قبل جمهور مهرجان قرطاج المرموق والعريق، مشيرين إلى أن ذلك يؤكد إبداعية وجمالية المسرحية، نصا وتشخيصا وسينوغرافيا وموسيقى. وفي هذا السياق، أوضح الشاهدي أن المسرحية، التي تعرض للمرة الثامنة والخمسين داخل وخارج المغرب، وسبق أن فازت بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للمسرح، تقارب قضايا الهجرة وإشكاليات الهوية والزواج المتعدد والاندماج الثقافي للمهاجرين في أوروبا، مضيفا أن رسالة هذا العمل الابداعي تتمثل في الدعوة للتعايش وتلاقح الثقافات والاحتفاء بالقواسم الانسانية المشتركة، بعيدا عن التعصب والانغلاق الديني والثقافي. "التلفة":وضعية النساء الهشة كان جمهور "أيام قرطاج المسرحية"، على موعد مع أول عرض خارج المغرب لمسرحية "التلفة" التي أبدعتها فرقة "الأكوريوم" وأخرجتها نعيمة زيطان. وتقارب مسرحية "التلفة"، التي حظيت بدعم من وزارة الثقافة خلال السنة الجارية، وضعية النساء الهشة في مجتمعات تشهد انتهاكات متواصلة لكرامتهن وهدر حقوقهن، في ظل تردي أوضاعهن الاجتماعية التي تدفعهن إلى مصير يمس بوضعهن الاعتباري والإنساني ودورهن المفترض داخل المجتمع. وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قالت مخرجة المسرحية، نعيمة زيطان، إن هذا العمل الإبداعي، الذي يقدم للمرة التاسعة، يتناول قضايا النساء وأوضاعهن في العالم من خلال تجارب سجنية لشخصيات نسائية منذورة للعذاب والتشظي منكسرات مهيضات الجوانح معرضات لمختلف أساليب الانتهاكات الجنسية والاقتصادية والحقوقية، مضيفة أن المسرحية تدعو إلى إعادة النظر في هذه الأوضاع والانكباب على معالجة هذه الاختلالات والانتهاكات، وإيجاد، على سبيل المثال، بدائل عقابية لفائدة سجينات من هذا النوع. ومن جهتها، أعربت إحدى بطلات هذا العمل المسرحي، الممثلة جميلة الهوني، (المعروفة بدور "التايكة" في المسلسل المغربي الشهير "وجع التراب")، عن فخرها واعتزازها بالمشاركة في هذا المهرجان المسرحي العربي ذي الصيت المرموق والعريق، منوهة بالتجاوب الكبير للجمهور الحاضر مع مسرحية "التلفة"، وهو ما يؤكد أن موضوع "اللهجة المغربية لم يكن مطروحا ولم يشكل، كما يروج لذلك عادة، أي عائق يحول دون الاستمتاع الجمالي والتفاعل الفني والإنساني" مع هذا العمل.