يكتسي الورد أهمية كبيرة في حياة الإنسان، لما له من فوائد ودلالات ومعان متنوعة، أضفت على حياته الكثير من الحب والجمال، فالورد لا يعتبر نباتا فحسب وإنما كائنا حيا ينبض بالحياة وينشر أريجه في روح الإنسان ويلون يومياته بالمحبة والبهاء، لذلك فقد حقق الورد حضورا لافتا في التراث العربي والأدبي. وأثار اهتماما كبيرا لدى الدارسين والباحثين المهتمين بسبر أغواره واكتشاف دلالاته ومعانيه في دراسات وأبحاث ميدانية وعلمية −على الرغم من قلتها − لما لهذا المنتوج من حضور قوي في مختلف مناحي الحياة اليومية للإنسان. وقد تعددت مدلولات الورد الرمزية في الثقافة المغربية، نتيجة الاندماج الحضاري والتاريخي للقطر المغربي، الذي شكل هويتها المتنوعة بأبعادها الإفريقية والمشرقية والأوروبية إضافة إلى الأمازيغية. هذه الهوية التي تمظهرت من خلال مختلف العادات والتقاليد المغربية، وخاصة ما له صلة بالورد وثقافته منذ العهد الموريسكي (إبان حروب الاسترداد وتهجير مسلمي الأندلس إلى المغرب) مرورا بالاستعمار الإسباني والفرنسي، ما جعل دلالة الورد تكتسب أهميتها وقيمتها الرمزية في بعض الأعياد الوطنية والمناسبات الاجتماعية مثل الزواج والخطوبة وأعياد الميلاد، وبعض المناسبات الدولية كعيد الحب وعيد الأم واليوم العالمي للمرأة ورأس السنة الميلادية، كما عرف حضورا مميزا في بعض المناسبات الثقافية والإبداعية، مثل تكريم الأسماء الأدبية والأسماء الفاعلة في المشهد الثقافي، وشكل ماء الزهر - أهم منتوجات الورد - رمز الضيافة والكرم والترحاب لدى المغاربة، لذلك نجده حاضرا في مختلف المناسبات الاجتماعية والدينية. ولهذا فإننا لا نستغرب، إذا كانت زراعة الورد في المغرب تعرف نموا متواترا في بعض المناطق مثل أكادير وبني ملال ومراكش وضيعات "تيط مليل" التابعة للدار البيضاء وغيرها.. بل إن بعض المدن تكاد لا تعرف إلا من خلال إنتاجها للورد مثل قلعة مكونة أو عاصمة الورود، التي ينظم ساكنتها "مهرجان الورود السنوي" أو "موسم الورود" − يعتبر أقدم مهرجان في المغرب بعد مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو −، خلال شهر ماي من كل سنة، بمناسبة قطاف الورد الذي يعرف حضور آلاف الزوار من السياح المغاربة والأجانب، ويتميز المهرجان بلوحات فلكلورية محلية وفرق موسيقية ورقصات وألعاب وبرامج ثقافية وفنية متنوعة. كما تتنافس فتيات المدينة (تلميذات وطالبات) على لقب "ملكة جمال مهرجان الورود". ويمثل المهرجان فرصة لاستقطاب السياح لهذه المدينة المنعزلة، التي تحيط بها جبال الأطلس الشاهقة بهدف الترويج لهذا المنتوج، والتعريف بمُزارعيها الذين توارثوا مهنة زراعة وإنتاج الورد منذ مئات السنين، حيث تنتج قلعة مكونة ما بين 20 و40 ألف طن من الورود سنويا، وهي كمية تلعب دورا مهما في اقتصاد المدينة وضواحيها. ولم يقتصر الأمر عند حدود الإنتاج والتوزيع، بل نشطت على أساسه صناعات ذات صلة بهذا المنتوج مثل العطور وماء الورد والصابون ومستحضرات تصفيف الشعر وترطيب البشرة والزيوت ومواد التطهير السائلة والصلبة ومصنوعات الديكور المنزلي وغيرها من المواد التي تعرف انتشارا واسعا في مختلف ربوع الوطن، وتصدر إلى معظم دول العالم. ومع تزايد الاهتمام بالورد فقد عملت النساء المغربيات على تأثيث صالونات وشرفات منازلهن بالورود الطبيعية منها والاصطناعية، حيث لا تدخل بيتا مغربيا إلا وتستقبلك رائحة الورد، وتلاحظ مزهريات تؤثث الموائد وأركان المنازل وديكورات منزلية على هيئة الورد. _ خاصة في البيوت العتيقة وحدائقها الغناء، وقد برعت الأسر العريقة المنحدرة من الأندلس في رعاية ثقافة الورد وتقطير وتجفيف مختلف أصنافه _ كما يزين الورد أرجاء الفنادق والمؤسسات البنكية والإدارية الخاصة، وبعض المحلات التجارية مثل متاجر العطور وصالونات الحلاقة والتجميل. ويتمظهر أيضا في أقمشة الملابس الجاهزة مثل الفساتين والأقمصة النسائية والمناديل المطرزة بالورود المختلفة، كما نجد الورد منسوجا بدقة على الستائر والأفرشة الملونة، ومنقوشا على الجبس والرخام وأرضية الحمامات وكذا جدران غرف النوم. ونجده يزين بعض الحقائب الجلدية ومشابك الشعر وغيرها من الإكسسوارات النسائية التي تعتبر من أساسيات الزينة والجمال عند المرأة. بل أن الورد أصبح وسيلة للترابط الاجتماعي مثل توطيد العلاقة بين المرأة والرجل وبين الأصدقاء وعيادة المريض وصلة الرحم. وهذا يدل على مدى حضور الورد وثقافة الورد في الحياة اليومية للإنسان المغربي. وإذا استحضرنا الجانب الإبداعي والثقافي والفني (السينمائي والتشكيلي) المغربي، نجد أن الورد يشكل جزءً لا يتجزأ من هذه المجالات، إذ يحضر في مختلف الأعمال الروائية والقصصية والشعرية وحتى النقدية في صورته الطبيعية والرمزية، وقد تفنن الشعراء والأدباء في وصف الورد وتوظيفه في التشبيه والاستعارة والرمز، مثل ما ورد في قصيدة "طائر في النافذة" للشاعر عبد الكريم الطبال: « يضحك.../ إذ يلمحني منكفئاً/ كطحلب في الذاكرة/ أرسم الورد في الأوراق/بلا دم/... فكن/ إذا أبصرت اللطف في خصر الجبل/ وردا/ أو شمسا». وفي قصيدة "إلى زوجتي" للشاعر عبد اللطيف اللعبي: «زوجتي الحبيبة/ يعيدنا الفجر للحضور/ يتواصل الصراع/ ويتفتح الحب وردة/ في حلبة الهيجان/». كما وظف الورد كعنوان لأهم الإصدارات السردية مثل "مجنون الورد" لمحمد شكري، "بائعة الورد" و"المرأة والوردة" لمحمد زفزاف، كما أخذ حيزا كبيرا في كتب التراث العربي التي تضم أجمل الحكايا والقصص عن الورد وأنواعه وأشكاله ودلالاته. دون أن ننسى حضوره المميز في الأغاني المغربية والأهازيج والموشحات، وجاء في قول شاعر الملحون المغربي بلقاسم اليوراشدي: «والورد والزهر فى المرشات/ ومطارب العطر/ والند فى الجمار/ وقماري لاح/ من مسوك عاطرة». وكذا في الأمثال المغربية المتداولة بين عامة الناس ("عندو الزهر"، "عندو الزهر كيهرس الحجر"، "الزين زين وردة والسعد سعد قردة"...). كما يحضر في الأعمال السينمائية والمسرحية − حيث يحضر باعتباره موضوعا أو جزءً من ديكور الفضاء − وفي الفنون البصرية وكذا شكل موضوعات لبعض اللوحات التشكيلية، ما ساهم في إضفاء السحر والبهاء والجمال والرمزية على العمل الإبداعي. كما أن تمثل الورد في الثقافة المغربية، يتمظهر من خلال إطلاق بعض الأسماء على الإناث مثل: الزهرة، زهور، وردة، نرجس، ياسمين... وغيرها من الأسماء المشتقة من الورود. وعليه فإنه يمكن التأكيد على حضور الورد في الثقافة المغربية بكل أبعاده الدلالية سواء على مستوى الامتداد التاريخي أو على المستوى السوسيوثقافي.