الإبن الذي مات أبوه في ظلمة زنزانة، سيذهب إلى صفّ داعش. الطيار الذي قُتلَ لأنه شارك في تأديب إيران في ثمانينات القرن البائد، سيذهب أبناؤه إلى داعش. العائلة التي أخرجَتْ من بيتها بغير حقّ وسكن مكانها أحد حرامية المحمية الخضراء ببغداد المريضة، ستذهب قوتها إلى داعش. الموظف النزيه الطيب المسالم المبدع العالم الذي أكل الحرامية حقهُ التقاعديّ بحجة التبعية البعثية، سيذهب صوب داعش. والأهمّ من ذلك هو أنّ الجندي الذي يقوده ضابطٌ أو آمرٌ فاسد مرتشٍ، سيهرب مع صوت أول إطلاقة عدوة تهبُّ على موضعه. لغة فقدان الأمل تنمو بصورة مُميتة. المخرج الأميركي يقول للضحايا المؤجلين، إنّ القضاء على جسد داعش قد يأكل من أعماركم عشر سنوات، وإنَّ هلاكه فكريا ربما احتاجَ إلى كمشة عقود. كتبنا وقلنا غيرَ مرةٍ وعلى أزيد من موضعٍ ومنزَرَع، إنّ الاحتلال الفكريّ لهو أخطر وأقسى من الاحتلال العسكري، فالأول قد يجلب معهُ لعنةً أبدية أو طويلة، والثاني يمكن كنسهُ بعد شدّ الحيل والحيلة. أظنني الآن في طريقي لأنْ أُضيّع وحدة المعنى. محاولة لهرس الحروف ورشّها على الجهات الأربع. قد تكون هذه واحدة من إشارات سنّ اليأس. المكاتيب الطويلة لم تعدْ مقروءة، والناس صارت تفضّل الفكرة القائمة على ثلاثة سطور ومعنىً تام. أرى أنّ سطوري الأولى قد سدّتْ مسدّ داعش وأخواته، والإضافات هي محض حشو فائض. بمقدوري قطع النصّ الأصليّ والذهاب إلى مضافة جديدة. سأكتب قليلا عن تايتانيك الفقراء. أميركا المسيحية وأوروبا مثلها وإسرائيل اليهودية، هي من غزت وحطّمَت وفكّكَت وسرقت بلادنا وجعلتها أعظم حقلٍ لتصدير اللاجئين والجياع والمعذبين على وجه الأرض. الآن نحن نمدحهم ونشيد بخلقهم ودينهم، ونلعن أنفسنا وديننا ونبيّنا. شعوب مستسلمة متخلفة يجري استغفالها وتضليلها من أول اختبار رومانسيّ. كأنّ أميركا المتوحشة ليست هي أول من استعمل القنابل النووية واليورانيوم المنضب والنابالم وقنابل الفسفور السام في قتل مئات الآلاف من البشر في اليابان وفيتنام والعراق، وكأنّ ألمانيا لم تتسبّب في قتل ملايين البشر في حربها الهتلرية القذرة، وكأنّ حوبة ملايين الناس ودماءهم ليست برقبة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسرائيل. زبدة مذهبي هذا، هي أنّ الشرّ لا دينَ ولا مذهبَ ولا قوميةَ لهُ. طبعا يعجبني جدا منظر الألمان الطيبين الذين يوزعون الماء والخبز والحلوى على الناجين الداخلين. نحنُ نميّز بين الشعوب الطيبة الكريمة، ومافيا الحكم وسلطة المال القذر.