أمير المؤمنين يترأس الدرس السادس من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية ترأس أمير المؤمنين، جلالة الملك محمد السادس، ، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، أول أمس الخميس، بالقصر الملكي بمدينة الدارالبيضاء، الدرس السادس من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية. وألقى درس أول أمس بين يدي جلالة الملك الأستاذ مولاي البشير أعمون، عضو المجلس العلمي المحلي بتمارة ، متناولا بالدرس والتحليل موضوع " الأبعاد الروحية للصلاة وبعض جزئياتها في الفقه المالكي" انطلاقا من قول الله تعالى "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين". وتناول المحاضر موضوع الدرس من خلال خمسة مباحث يهم الأول، معاني الصلاة، ثم منزلة الصلاة ومكانتها، فمعنى الصلاة، وأمثلة من فقه الصلاة، وأخيرا الأبعاد الروحية للصلاة. وأبرز المحاضر أن الصلاة من "أعظم العبادات البدنية وأشرفها جمع الله فيها لبني آدم أعمال الملائكة كلهم من قيام وركوع وسجود وذكر وقراءة واستغفار ودعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصنافا مهمة من أعمال بني آدم". وشدد المحاضر على أن الصلاة عبادة مشتركة بين الديانات وهي لون من ألوان الابتهال إلى الله وهي الصورة المعهودة من العبادة التي علمها الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين مضيفا أنها أقوال وأفعال يقصد بها تعظيم الله وشكره وهي مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم بشروط خاصة، فمن ورودها دعاء قوله تعالى "وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم". وقال المحاضر إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله، مضيفا أن الصلاة هي أول ما اوجبه الله من العبادات وبدون واسطة وتلقاها النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة من الله في حضرة القدس ، "فهي عهد بين العبد وربه ". واستدل في هذا السياق بما رواه أبو داوود والنسائي عن عبادة ابن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خمس صوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له عهد على الله أن يغفر له. ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه". وفي تفسيره لمنزلة الصلاة ومكانتها بين العبادات موضوع المحور الثاني أبرز المحاضر انه مما لا جدال فيه أن فريضة الصلاة في الإسلام من أمهات الفرائض بل هي الأساس المتين لهذا الدين وهي عماد الدين من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة مضيفا أنها من ابرز أركان الجانب العملي في بنيان الإسلام "فهي تقوي العقيدة بما يتمثل للإنسان فيها من جلال الله وما يجده من لذة المناجاة التي تجعله أهلا لأن يحب الله عز وجل ويحبه الله وهي نور للقلوب والبصائر يهديها إلى الحق ويرشدها إلى الطريق القويم ويبعدها عن الموبقات والمهلكات والشرور والآثام". وأكد المحاضر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حز به أمر أو نالته شدة فزع إلى الصلاة ويقول "أرحنا بها يا بلال" مبرزا ان في فرضية الصلاة خمسا إشارة إلى انها معراج روحي يعرج به روح المسلم في كل وقت من اوقاتها خاشعا لربه خمس مرات في اليوم والليل تمكينا له من الراحة التامة لتحول بينه وبين الانفعالات النفسية والعواطف المثيرة التي تدفعه الى المغالاة في فرحه فيرتكب المحرمات او تدفعه إلى المغالاة في حزنه فيحيط به اليأس والوسواس. وختم حديثه عن معاني الصلاة ، بالتأكيد على أن الصلوات الخمس هي المرتكزات الأساسية لصلة الإنسان بالله وإحياء معاني الإيمان في قلبه مضيفا أنها الوسيلة العظمى في تزكية النفس وهي علم ميزان لهذه التزكية ". وفي المبحث الثالث، تحدث الخطيب عن معنى الإقامة فذكر أن القرآن لم يذكر الصلاة التامة إلا ومعها لفظ الإقامة في كل أمر بها أو خبر عنها دون بقية الفرائض من زكاة أو صوم أو حج، مشيرا إلى قول المفسرين إن مجرد لفظ الإقامة في القرآن يعني إقامة الصلاة، وإن كل موضوع ذكر فيه المصلون بالمدح جاء مقرونا بإقامة الصلاة. وقال إن العلماء رأوا أيضا أن إقامة الصلاة تعني إدامتها واستيفاء أركانها وأفعالها ، وتكون في حركة القلب لا حركة الجسم وفي خضوع الروح لا سجود الجباه ، وتكون أيضا بترك كل ما أمر الله بتركه فيها ، وفعل كل ما أمر بفعله فيها. وأضاف أن القرآن خص الصلاة بلفظ الإقامة تنبيها إلى أن المقصود من فعلها توفية حقوقها وشروطها ، لا الإتيان بهيئتها فقط ، وأمر الله تعالى بأدائها في أوقات معينة لأنها تطهر النفوس فتتغلب على نزعة الشر لأنها تمحو آثار السيئات التي قلما يخلو منها البشر. أما الخشوع في الصلاة، حسب الخطيب، فهو وسيلة لتنمية ملكة حصر الذهن في الإنسان والتي يترتب عنها أكبر الاثر في نجاحه وفوزه في هذه الحياة ، إذ أنه في الصلاة يعمل العقل والجسم معا في حركات وأحوال تبقى متنوعة حسا ومعنى، مشيرا إلى أن الجلوس بعد كل فاصل من ركعتين أو في آخر الصلاة إشارة إلى مقام استقرار العلم بعد التنقل في الأحوال التي هي الوقوف والركوع والسجود.وفي تناوله لأمثلة من جزئيات فقه الصلاة، انطلق المحاضر من قول الرسول الكريم "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" ، مبينا أن أداء الصلاة تامة صحيحة على ما يوافق المذهب المالكي الذي ميز المغاربة منذ دخول الإسلام إلى المغرب ، يستوجب من المصلي الالتزام بالضوابط والأحكام الفقهية المرتبطة بالصلاة ، من أركان وسنن ومستحبات. وقال إن الحفاظ على وحدة المذهب تقتضي الإشارة الى بعض المسائل الجزئية في فقه الصلاة يجب مراعاتها والتوحد عليها وتطبيقها ، منها دعاء الاستفتاح ( وهو قول المصلي : إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا...) ، والبسملة، وسدل اليدين ، معتبرا في هذا الصدد أنه يكره قبضهما في الفرض لمخالفة ذلك عمل الصحابة والتابعين من أهل المدينة ، لافتا إلى أن استحباب السدل مشهور عند مالك رضي الله عنه وأن السدل هو الأصل في القيام على الجبلة والفطرة التي فطر الله الناس عليها ، فضلا عن كونه، يضيف المحاضر، سنة عملية موروثة عند المغاربة توارثتها الأجيال أبا عن جد كابرا عن كابر، منذ دخول الإسلام الى المغرب وانتشار المذهب المالكي. وأضاف أن من هذه المسائل كذلك، جلسة الاستراحة ، موضحة بخصوص هذه النقطة أن الجمهور ومالك وأحمد وابو حنيفة اتفقوا على أن المصلي إذا نهض من السجود للقيام ينهض على صدور قدميه ولا يجلس ، ثم بعد ذلك التسليم حيث لا تجب على المصلي سوى تسليمة واحدة ومعها الالتفات جهة اليمين وهو ما أجمع عليه العلماء. وآخر هذه الجزئيات، يقول المحاضر، التأمين وهو قول "آمين"، مبرزا أهمية هذه الجزئية تكمن في قول الرسول الكريم " ... من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر ما تقدم من ذنبه". وقال إن الغرض من تبيان الإشارة إلى هذه الجزئيات ، ليس لان مخالفتها تبطل الصلاة، بل لأن الإجماع عليها يقوي الوحدة من جهة ولأن ادلتها قوية في السنة من جهة أخرى. وبخصوص الأبعاد الروحية للصلاة، ذكر المحاضر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن "المصلي يناجي ربه" معتبرا أن مقام المناجاة مقام كبير عبر عنه من عاشه من العباد العارفين ، "فهو مقام أدب أهل الخصوصية من أهل الدين في طهارة القلوب ومراعاة الأسرار ووفاء بالعهود وحفظ للأوقات وقلة الالتفات إلى الخواطر والعوارض". وأشار إلى أن "من أذواق العارفين في الصلاة قولهم الصلاة سر المعراج وهو معراج القلوب"، معتبرا أن من الأبعاد الروحية كذلك للصلاة أخذ المصلي حظه من مسرى فرضيتها ، فكان له حظ ونصيب من جميع مسراه صلى الله عليه وسلم ، مضيفا أن طهارة المصلي وإسباغ وضوئه وتهيئته للوقوف بين يدي ربه هو حظه من شرح صدره صلى الله عليه وسلم ، وغسله بماء زمزم وملؤه إيمانا وحكمة كما صح في الخبر أنه وقع ليلة الاسراء. وخلص إلى التأكيد على أن ما تم ذكره من شأن الصلاة وآدابها ومكانتها قليل من كثير، لأنها أكبر مما يمكن وصفه وأكمل مما يمكن ذكره ولا سيما صلاة الجماعة لأنها من اهم وسائل التغيير في المجتمع لذلك أولاها الدين الإسلامي أهمية كبيرة، مضيفا أن صلاة الجماعة تهدف إلى فائدتين أساسيتين الاولى نفسية ، دلالتها ان وجود الجماعة يسهل إتيان الصلاة أكثر مما لو كانت فرادى، ومنها الإيحاء للإنسان بالصفات الخيرة، ومنها أنها وسيلة فعالة في غرز الصفات الحسنة في الإنسان. اما الفائدة الاجتماعية الثانية للصلاة في الجماعة، فهي كونها وسيلة للتعارف بين المؤمنين وإزالة الحقد والغل من قلوبهم ، وهدم الحواجز النفسية السلبية للفوارق الاجتماعية فيما بينهم، ثم تسهل تبادل المنافع فيما يعود عليهم بالخير. وأكد أنه من حافظ على الجماعة يتعلم كثيرا من الدروس والأخلاق الكريمة التي امتاز بها الدين الاسلامي الحنيف، ويتعلم النظام والاحترام والآداب والتآلف والتعاون والتضامن والسكينة والأمن والطمأنينة.