قبل ما يربو على قرن وعقد ونيّف، صدر في القاهرة، في العام 1899، كتاب المصري قاسم أمين "تحرير المرأة"، وبعد ذلك بثلاثة عقود صدر كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للتونسي الطاهر الحداد، وكلاهما تناول قضية حق المشاركة السياسية للمرأة من منظوره الخاص، وفي حدود أفق ظلّ ضيقا في كل حال. ومهما يكن من أمر أفكار قاسم أمين والطاهر الحداد، والكتابات والأفكار المتلاحقة على امتداد العقود، والتي قدّمها رجال ونساء نهضويون من مناصري حقوق المرأة والمدافعين عن حضورها الإنساني في الوجود، أو من أمر موجات النسوية الحديثة وتطوراتها وأولويات نضالها، وتحولاتها، فإننا نستطيع، تكثيفا للأمر في حدود ما يخصّ موضوع هذه المقالة، أنْ نستشير اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة التي تعتبر، عن حقّ، تتويجا لنضال المرأة في جميع أنحاء العالم، وعلى امتداد قرون عديدة، في شأن معنى مصطلح "المشاركة" في ارتباطه بالمرأة من جهة، وبالسياسة، أو بالحياة السياسية من جهة ثانية. ولكن، قبل فعل ذلك، دعونا نذهب إلى تعرّف معنى الجذر اللغوي "ساس"، ومشتقاته، حيث لدلالتها اللغوية أنْ تضيء فهمنا، وأن تعزّز استيعابنا، المعاني الاصطلاحية للمصطلح "سياسة". في سياق الدلالات التي يحملها الجذر "سوس" بما يتوافق مع ما نبحث عنه، نجد إيجازا مؤدّاه أنّ قولنا "ساس فلان الأمر يسوسه سياسة" أي دبّره وقام بأمره، و"ساست فلانة الأمر تسوسه سياسة" أي دبّرته وقامت بأمره. ولعلّ السياسة مرتبطة بالسيادة، وهي كذلك في واقع الأمر، فالجذر اللغوي ساد، يذهب إلى معنى السّؤدد، أو السّودد، وهو المجد والشرف والتحكّم والحكم، فالرّجل سيّد والمرأة سيّدة، ولكن معاجم اللّغة (ولنا مع اللغة كلام كثير في هذا الشأن) ترى أنّ "زوج المرأة هو سيّدها"، وذلك من دون أن تقول شيئا عن الصورة المقابلة. وأيضا، وقبل قراءة دلالات ربط المشاركة بالسياسة في سياق تركيب اصطلاحي حديث العهد يوحّد الطرفين ويصلهما بالمرأة في إطار اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، دعونا نذهب إلى تعرّف المعنى اللّغوي لكلمة "امرأة"، فماذا نجد في الجذر اللغوي "مرأ" من دلالات ترتبط بموضوعنا؟ تكاد المعاجم القديمة أن تكتفي بالقول إنّ المَرء (بفتح الميم) هو الرجل، وضمّها لغة أخرى، فإنْ لم تأت بالألف واللام قلت امْرؤ وامْرآن والجمع رجال من غير لفظه، والأنثى امرأة بهمزة وصل وفيها لغة أخرى: "مرْأَة"، ويجوز نقل حركة هذه الهمزة إلى الرّاء فتحذف فتبقى "مرة"، وربما قيل فيها امْرأ بغير هاء اعتمادا على قرينة تدلّ على المسمّى. قال الكسائي: سمعت امرأة من فصحاء العرب تقول "أنا امْرأ أريد الخير"، بغير هاء. وجمعها نساء ونسوة من غير لفظها. أما الأنثى، التي تكتفي المعاجم بجعلها رديفا وحيدا مكافئا لمعنى المرأة، فإنها على وزن فُعْلى، وجمعها إناث مثل كتاب، وربما قيل الأناثيّ. والتأنيث خلاف التذكير، ويقال أنث الاسم تأنيثا إذا ألحق به أو بمتعلّقه علامة التأنيث. قال السكيت: وإذا كان الاسم مؤنثا ولم يكن فيه هاء تأنيث جاز تذكير فعله، كأن نقول "أبقل الأرض" بدل "أبقلت الأرض". لنلاحظ، هنا، أنّ التعريف اللغوي، المؤسّس على معطيات جنسية واجتماعية وثقافية تمييزية قديمة تجاوزها الزّمن، للمرأة- الأنثى، لا يزال مرتبطا بكونها تابعة للرّجل، ملحقة به، ولا يمكن تعريفها بمعزل عنه. ولنلاحظ أيضا أنّ التأنيث يتحقّق من خلال عملية إلحاق، حيث الأصل في كلّ شيء هو التذكير بينما التأنيث مجرّد ملحق به، ولنلاحظ أيضا أنّ اللغة تنظر إلى المرأة، لغويا وفي هذا الموضع، بوصفها مجرّد هاء تضاف إلى الاسم كي تؤنثه ولكن يمكن الاستغناء عن هذه الهاء، حيث تستطيع الأسماء أن تكون مؤنثة ضمنا ومن دونها، وهنا يصحّ أنْ تعامل معاملة المذكّر، أهي فكرة جيدة يمكن إدراجها ضمن جهد علمي يتوخى تجديد اللغة عبر تخليصها من التعقيد والإرباك وشبهات التّمييز والإتباع وغياب التكافؤ بين التذكير والتأنيث؟ ربما! مهما يكن من أمر، فإنّ لإكمال الرحلة مع جذور الكلمات والمصطلحات بالذهاب إلى اللغة بوصفها مخزن ثقافة، أنْ يجعلنا نعثر في هذا المخزن العتيق الذي يحتوي تراثنا الثقافي المتراكم والممتد والساكن منذ قرون متطاولة على تصوّرات فكرية ونظريات عقيمة هيمنت على نظرة تيارات الثقافة العربية والإسلامية المهيمنة، إلى المرأة، وتلك تصورات ونظريات لا يتحقّق نهوض حضاري، في ما نحسب، من دون إبطالها. *ناقد من فلسطين مقيم في سلوفاكيا