يشكل الكتّاب أعمالهم من تناقضات الوضع البشري وتغيراته واشتغال الخيال وتأثر اللاوعي بالموروث الأسطوري والشعبي ويصنعون من جميع هذه العناصر رؤيتهم الخاصة للعالم وقد لا تبدو هذه الرؤية الإبداعية مترابطة أو منطقية لدى كثير من القراء ممن لديهم نظرة تقليدية مسبقة عن الأشكال الأدبية والفنية فلا يتقبلون أنواع الخطاب الخارجة عن مألوفهم وشروطهم ومن بينها الخطاب النسوي. تقول سوزانا أونيغا المتخصصة في السرديات ضمن دراستها "مقدمة في علم السرد": "هناك تعريف للأدب بوصفه نظاما وظيفيا، ومجموعة من الأساليب الفنية تتحدّد قيمتها بفضل أساليب فنية أخرى توضع في تعارض معها مثل: الحيل الفنية لأنواع إبداعية أخرى، وأساليب الماضي والقصة التاريخية، والرؤيا، ولذا فإن عملا أدبيا يتطلب ضمنيا أعرافا وأعمالا مختلفة وأساليب مغايرة وأجناسا متنوّعة وبنى أخرى للمعاني تتجاوز العمل نفسه" ووفق ما تطرحه أونيغا تتحدّد قيمة العمل وجدواه من تجاوزه لأجناس مألوفة وتخطيه عتبات التجنيس المكرسة والأبنية المألوفة. لا بدّ للكاتبات والكتّاب المغامرين أن يتوفّر لديهم قدر من التمرّد في شخصياتهم ليتسنى لهم تخطّي الأفكار المسبقة وما لم يكن الفنان قادرا على تجاوز القوالب والأطر فلن يتمكن منه شغف الإبداع ولا التوق إلى التجريب في النص والحياة معا، الكاتب المتمرد -لا يلتزم بالضرورة- بأيّ قانون سوى قانون التجريب والخروج على الصيغ السائدة في الكتابة والخطاب الأدبي المهيمن نمطا ولغة وبناء، ولا يقدم على خيار التجاوز سوى الشجعان من الكتّاب والكاتبات الذين ما عادوا يتأثرون بالمعايير المسبقة أو الأفكار السياسية التي اختبروها وتخلَوا عنها مثلما تحصنوا روحيا ضدّ الأحكام العامة، لسبب بسيط وجوهري هو أنهم يكتبون لمتعة الكتابة وخلق المغاير في العمل الأدبي ويرودون آفاق التجربة منعتقين ممّا سبق لحظتهم في بحثهم عن مخرج للمأزق الإنساني، وتمثل الكتابة الروائية ذاتها خروجا من شرنقة الصمت واللامبالاة بالمصير الإنساني، فما عادت الرواية تصويرا ممتعا أو آسيا للواقع، وتمجيدا لأيديولوجيا معينة كما شاء لها الواقعيون بتأكيدهم على الحبكة والمتن الحكائي والخواتيم المفبركة، بل صارت تمثلا لوقائع وتخيلات متشابكة وتعقيدات سيكولوجية وإعادة صياغتها روائيا. وفي هذا العصر عصر الحروب الجائحة واستلاب الإنسان وظهور جلادين مرعبين من بين بني البشر، وفي زمن الاغتصاب والهيمنة الأيديولوجية والعسكرية والتشدّد، لم تعد روايات الأمس ببنيتها التقليديه ومواعظها الأخلاقية وخطابها الشعبوي ونزعاتها البطريركية متلائمة مع هذا الزمن المتشظّي، فأفضى ذلك إلى ظهور الرواية التي يمتزج فيها التأمل بالسرد واستخدام أساليب غير مألوفة، كما ظهرت النصوص الروائية التي تتمثل المقاربة النسوية- الجندرية لمواجهة البطريركية الملازمة لأنساق الحبكة المعروفة، وذلك ما لم يتقبله كثير من القراء الخاضعين لشرط التلقي التقليدي وحتى الكتّاب الذين لايقرّون بوجود خطابات متعددة في الإبداع، تعاملوا مع الروايات المكتوبة بحسّ أنثوي وخطاب جندري، على أنها تقع ضمن الأنساق الاستيهامية الخارجة على منظوماتهم المألوفة التي فرضها الخطاب الذكوري المتسيّد. ونتيجة لما تعرضت له الحياة الإنسانية ولا تزال تتعرض له من انتهاكات تجاوزت كل الحدود، كان لا بدّ للفن والأدب من الردّ، وانتهاك حدود كانت مفروضة على النص من قبل بعض المنظرين والنقاد والكتّاب أنفسهم، لتتبلور وتتشكل بالتدريج معايير مختلفة للتعاطي مع الأعمال الفنية والنصوص، وفي مقدّمتها ما أفرزته الدراسات الجندرية التي قدّمها النقد النسويّ، وهو يتفحّص خطاب المرأة الإبداعي، ويتقصّى خصوصية ذلك الخطاب إزاء تحدّيات الخطاب البطريركي، وأنساقه المسيطرة على وعي الكتّاب والقرّاء.