توفي ليلة السبت / الأحد الأخيرة، بمدينة مراكش، الإعلامي محمد لغلام الذي ساهم بمعية زوجته الكاتبة والصحافية زكية داوود في تأسيس المجلة الشهرية "لاماليف" الصادرة ما بين سنوات 1966 و1988، وشكلت علامة أساسية في تاريخ الصحافة بالمغرب. وكانت الفرنسية جاكلين دافيد، قبل تغيير إسمها إلى زكية داوود، قد غادرت مدينتها برناي مباشرة بعد حصولها على شهادة الباكالوريا سنة 1956 لتلتحق بالمعهد العالي للصحافة بالعاصمة الفرنسية باريس، وهناك ستلتقي بمغربي حاصل على الجنسية الفرنسية هو محمد لغلام الذي شاءت الأقدار أن يقاسمها ليس فقط الحياة الزوجية ولكن أن يشاركها أيضا جميع تجاربها الإعلامية في زمن مغربي عرف بسنوات الجمر والرصاص، لاسيما تجربة جريدة "مغرب أنفورماسيون" وتجربة إصدار مجلة شهرية عرفت باسم "لاماليف". وفي الوقت الذي اشتغلت فيه زكية داوود بقسم الأخبار بالإذاعة الوطنية المغربية بالرباط في الفترة الممتدة ما بين 1958 و1961 تحت إدارة الراحل المهدي المنجرة، وبعد أن حصلت على الجنسية المغربية سنة 1959، كان زوجها محمد لغلام يشتغل بوزارة الأنباء، وعندما تم إعفاء حكومة عبد الله إبراهيم في ماي 1960 وأصبح مولاي أحمد العلوي وزيرا للإعلام، وقع شنآن بين الوزير وبين الإذاعية زكية داوود حول طريقة تقديم الأخبار واعتماد القصاصات الإخبارية التي تبثها وكالات الأنباء العالمية، وهو ما اضطرها إلى مغادرة العمل الإذاعي رفقة زوجها ليستقر بهما المقام هذه المرة في مدينة الدارالبيضاء. ومن وزارة الإعلام، سيلتحق محمد لغلام للعمل كتقني بالمكتب الوطني للكهرباء، أما الزوجة زكية وبسبب ميولاتها النضالية اليسارية ودعمها الواضح لحكومة عبد الله إبراهيم، فقد انضمت باقتراح وطلب من المحجوب بن الصديق إلى طاقم تحرير جريدة "الطليعة"، لسان حال الاتحاد المغربي للشغل، وكانت تقوم بتحرير مقالات حول مختلف أشكال المعاناة التي تواجهها الطبقة العاملة، قبل أن تتفرغ كلية للصفحة النسائية بذات الجريدة. وفي سنة 1964، غادرت صحافة الاتحاد المغربي للشغل لتعمل كمراسلة بالمغرب لمجلتي فرانس أوبسيرفاتور وجون أفريك التي يديرها الصحفي التونسي بشير بن ياحمد، هذا الأخير اقترح عليها اختيار اسم مستعار لتوقيع مقالاتها، فكان أن ولد لقب زكية داوود. وسيستمر عملها كمراسلة خارجية إلى غاية سنوات 1965 و1966، حيث تعرضت للكثير من المضايقات من قبل الشرطة التي كانت تستدعيها وتستنطقها عقب صدور أي مقال لها وهو ما عرقل عملها المهني في هذه الفترة مما فرض على إدارة المجلة دعوتها للإقامة بباريس والعمل على تغطية منطقة المغرب الكبير برمتها انطلاقا من هناك، غير أن ظروفها العائلية لم تكن لتسمح لها بذلك، لتتخلى بعد ذلك عن مراسلة جون أفريك. وفي مارس 1966، أسست زكية داوود بمعية زوجها مجلة شهرية أطلقا عليها "لاماليف" برأسمال قدره 20.000 درهم، ووصل عدد النسخ المسحوبة إلى حوالي 12.000 نسخة. وهي مجلة ثقافية واجتماعية واقتصادية، كما كان يظهر على غلاف كل عدد منها، وقد شكل هذا المنبر ملتقى للكثير من الباحثين والكتاب لنشر أفكارهم ووجهات نظرهم حول عدد من المواضيع، وكان ضمن هؤلاء: عبد الكبير الخطيبي، بول باسكون، محمد خير الدين، عبد الله العروي، محمد الطوزي، إدريس الشرايبي، عزيز بلال، ماري لويز بلعربي، وغيرهم. وعلى امتداد أعدادها التي بلغت 200 عددا، تناولت المجلة الكثير من المحاور التي كثيرا ما كانت مزعجة، من قبيل: الأحزاب السياسية المغربية، العمل النقابي، اليسار المغربي، البورجوازية، الملكية، الصحراء المغربية، مشكلة التعليم، الجامعة، تاريخ المغرب، العلاقات الخارجية للمغرب، الديموغرافيا، الإسلام، الإدارة المغربية، المرأة المغربية، الجنس، المخزن...، وكان ذلك طيلة اثنين وعشرين عاما إلى غاية توقفها اضطراريا عن الصدور سنة 1988 بسبب عدم قدرتها على تحمل المزيد من مضايقات السلطة واستفزازاتها. بعد ذلك، غادرت زكية داوود المغرب في حالة من الانكسار النفسي متجهة إلى بلدها الأصلي فرنسا حيث اشتغلت هناك بدءا من سنة 1989 بأحد مراكز التوثيق إلى غاية سنة 2001، وفي نفس الوقت كانت تتعاون إعلاميا مع عدد من المجلات المتخصصة مثل: عربيات، لوموند ديبلوماتيك، بانوراميات...، وعملت منذ تلك الفترة وإلى الآن على إصدار مجموعة من المؤلفات الخاصة بدول المغرب الكبير وضمنها: الحركة النسائية والسياسة بالمغرب الكبير، فرحات عباس: يوطوبيا جزائرية، بنبركة: حياة وموت، مغاربة الضفتين، عبد الكريم: ملحمة من ذهب ودم، العمال المغاربة بفرنسا، زينب: ملكة مراكش، الدارالبيضاء تتحرك... وبرحيل محمد لغلام، الذي رأى النور يوم 13 يوليوز 1931، من أب جزائري وأم مغربية، يفقد المشهد الإعلامي المغربي أحد رواده، حيث ظل الدعامة غير المرئية لمجلة "لاماليف" وفي جميع التجارب الإعلامية التي ارتبطت بزوجته زكية داوود.