"من أوقع به؟ من وجه له الضربة؟ ماذا حدث في تلك الفترة؟" تساءل جريج دايك رئيس الاتحاد الانجليزي لكرة القدم، وهو يتأمل في سقوط سيب بلاتر الذي أعلن استقالته من رئاسة الاتحاد الدولي (الفيفا) أول أمس الثلاثاء. وربما طرح آخرون الأسئلة بشكل مختلف لكنها كانت لا تزال على ألسنة الجميع. ومع احتفال جزء من عالم كرة القدم برحيله لم يكن بوسع الكثيرين سوى أن يسألوا كيف استسلم بهدوء رجل كان يوم الجمعة الماضي منتصرا بعد إعادة انتخابه في أعلى منصب في كرة القدم. والصورة المتناقضة الآن هي لبلاتر (79 عاما) وهو يتم اقتياده إلى الخارج من باب خروج خلفي بعد كلمة قصيرة أعلن فيها استقالته في زيوريخ ليظهر على نحو مفاجئ هشا للغاية. إذن ماذا حدث؟ ماذا جعل بلاتر يكتشف بهذا الشكل المفاجئ أن وقته انتهى؟ هل كان ذلك بسبب امتلاك مكتب التحقيقات الاتحادي للكثير من المعلومات حول مدفوعات مريبة تورط فيها مسؤولون ب (الفيفا) لدرجة أنه لا يمكنه أن يتجاهل أسئلتهم بسهولة؟ أو أن الأمر يتعلق فقط بفهم سياسي قديم اكتشف أن الضغط الواقع عليه من الجميع بدء من الرعاة الناقمين إلى نجوم كرة القدم السابقين غير السعداء سيؤدي إلى الإطاحة به من (الفيفا) آجلا أو عاجلا. وفي إعلانه للرحيل سعى بلاتر لشرح أن استقالته كانت بادرة نبيلة منه لمساعدة اللعبة التي يحبها وكان هناك العديد من الحلفاء - وبعض الخصوم - سعداء بهذه الرواية. وأشاد ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، الذي حث بلاتر على الاستقالة الأسبوع الماضي، بالمسؤول السويسري على اتخاذ "قرار صعب وقرار شجاع وقرار صحيح" بينما أبدى جيروم شامبين وهو مرشح محتمل للمنصب إعجابه "بالتضحية" من أجل مساعدة (الفيفا). لكن بعضا من منتقديه السعداء لم يكونوا مستعدين للتخلي عن توجيه الضربات له. وقال دايك: "لا أصدق أنه اتخذ هذا القرار بناء على أي أساس أخلاقي لذلك. حدث شيء في هذه الفترة مما جعله يستقيل، كان يمكن أن يستمر للأبد لذا بالتأكيد هناك شيء ما حدث". مثل ماذا؟ أبلغ مصدر قريب من (الفيفا) رويترز أنه في أعقاب كل الخزي الذي أحاط بالمنظمة منذ اعتقالات الأسبوع الماضي لمسؤولي (الفيفا)، تعرض بلاتر لضغوط من مسؤولين في اللجنة التنفيذية وأناس في دائرته الداخلية لكي يرحل. وجرى إبلاغ بلاتر على ما يبدو من مستشارين كان يستمع إليهم دائما - حتى وإن تجاهل في المعتاد نصائحهم - بأنه إذا أراد اختيار متى وبأي طريقة يرحل، فإنه يجب أن يفعل ذلك الآن. وبذلك يستطيع بلاتر الإشارة إلى النمو الضخم الذي حققه الفيفا خلال 17 عاما له في المنصب ونجاحاته في تطوير كرة القدم حول العالم وتقدم اللعبة بين السيدات والشباب. وقال المصدر إن بلاتر ولمرة واحدة فعل ما قيل له. وربما لعب الضغط من رعاة (الفيفا) وراء الستار أيضا دورا مهما. ولم يكن هناك سخط علني ضخم من الرعاة بعد انتصار بلاتر يوم الجمعة، لكن إعلان "كوكاكولا" بعد كلمة الاستقالة التي ألقاها بلاتر أمس الثلاثاء أعطى لمحة بسيطة عن الشعور الحقيقي للشركات. وقالت شركة المشروبات الغازية "إعلان اليوم خطوة ايجابية لصالح الرياضة وكرة القدم والجماهير، وستساعد على أن يحول (الفيفا) نفسه سريعا إلى منظمة للقرن 21". ورحبت "أديداس" وهي من الرعاة الكبار أيضا باستقالة بلاتر، وقالت "أنباء اليوم تمثل خطوة بالاتجاه الصحيح في طريق (الفيفا) لتكوين واتباع معايير إلزامية شفافة في كل شيء يفعله". ورحيل بلاتر بدا أنه ما أراده العديد من أصحاب المصالح. وقال آندرو وودورد وهو مستشار تسويق رياضي كان مديرا سابقا للعلاقات العامة في فيزا "المشكلة تم حلها. كانت هذه أكبر عقبة وتغير كل شيء". لكن في النهاية حقيقة أن التحقيقات الأمريكية في (الفيفا) بدأت في الاقتراب منه بشدة ربما أقنعه على الرحيل الآن. وذكرت رويترز والعديد من وسائل الإعلام الأخرى الاثنين أن السلطات الأمريكية تعتقد أن جيروم فالك الأمين العام ل (الفيفا) قام بمعاملات مصرفية بقيمة عشرة ملايين دولار متعلقة بإعطاء جنوب افريقيا حق استضافة كأس العالم 2010. وكان مصدر رويترز في التقرير شخص على صلة بالمسألة. ووصف فالك - في لائحة اتهام تم تقديمها لمحكمة اتحادية في بروكلين بنيويورك - "كمسؤول بارز في الفيفا" لم يتم تحديد هويته قام في 2008 بتحويل المال المذكور إلى جاك وارنر وهو مسؤول آخر في الاتحاد الدولي. ورأى البعض أن تركيز التحقيق على فالك عامل أساسي في رحيل بلاتر. وقال بير رافن اومدال الرئيس السابق للاتحاد النرويجي لكرة القدم، والذي عمل كمسؤول في (الفيفا) من 1994 إلى 2002، وكان قريبا من بلاتر في سنواته الأولى في المنصب إنه يعتقد أن هذا الأمر كان حاسما. وأبلغ أومدال رويترز "أنا واثق أن الخطاب المرسل من اتحاد جنوب إفريقيا كان نقطة فاصلة. كان مرسلا لأمينه العام الذي نفى ذلك. كان الأمر يقترب بشدة." وفي وقت متأخر من الثلاثاء، قال مصدر تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لرويترز، إن بلاتر نفسه يتم التحقيق معه عن طريق مدعين أمريكيين ومكتب التحقيقات الاتحادي، ولم يتسن على الفور الاتصال ب (الفيفا) أو بلاتر للتعليق. ويواجه بلاتر العديد من الاتهامات من قبل منتقديه، لكنه لم يكن أبدا غير واقعي لدرجة ألا يدرك أن كل شيء ضده. وقال بلاتر خلال إعلانه الرحيل: "لا أشعر أنني املك تفويضا من الأوساط الكروية بأسرها، من مشجعين ولاعبين وأندية إضافة للناس التي تعيش وتتنفس وتعشق كرة القدم".