بحضور أكثر من 600مشارك في ندوة وطنية بمراكش قال مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض، الجمعة الماضي بمراكش، إن التحفيظ العقاري كان وما يزال، الوسيلة الحضارية لحماية الملكية وتقوية مناعتها، كما احتل مكانة متميزة على رأس الأنظمة القانونية الأكثر تطورا، لإدماج الملكية العقارية في الحياة الاقتصادية، عبر تيسير عملية تداول العقار، وتشجيع حركة العمران، وتنمية الفلاحة وتمكين الدولة من المعطيات القمينة بإنجاز المخططات الاقتصادية والاجتماعية عبر توفير الوعاء العقاري الكافي لسد الحاجيات في مجال السكن وغيره. وأضاف مصطفى فارس، في الجلسة الافتتاحية في ندوة وطنية ثالثة للعقار حول موضوع " الأمن العقاري"، نظمتها محكمة النقض بشراكة مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، يومي الجمعة والسبت الماضيين، أنه بالرغم من الوعي المبكر بأهمية ضمان الأمن العقاري ببلادنا لتحقيق التقدم المنشود،والجهود التي لم تدخرها المؤسسات القائمة على التخطيط العقاري، وعلى رأسها الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، فإنه لايمكن الجزم بإزاحة كافة المعيقات والإشكاليات التي تحول دون بلوغ التطلعات. وأوضح الرئيس الأول لمحكمة النقض، أنه إذا كانت الملكية العقارية والحقوق العينية العقارية الأخرى، من أهم الثروات التي يرتكز عليها النظام الاقتصادي، فإن المنظومة القانونية المؤطرة للعقار متنوعة ومتشعبة بتنوع واختلاف طبيعته، كما أنها مبعثرة هنا وهناك، يجد معها المهتم صعوبة في التوجه والتوجيه، مضيفا بالمناسبة، أن الإجراءات القانونية المؤسسة للحقوق والمساطر القضائية الفاضة للنزاعات، تحتاج إلى دفعات أخرى لتسريعها وسلامة سلوكها، إضافة إلى استحضار البعد الحقوقي والاجتماعي في تدبير المجال العقاري، بما يضمن الإنصاف والمساواة ويساهم في تحقيق العدالة العقارية. وأكد أيضا أن هذه العدالة، التي تعرف منازعات عقارية كثيرة ومعتقدة وتداخل جهات الاختصاص بشأنها، لايمكن أن يؤسس لها، سوى قضاء واع بمسؤوليته في حماية الثروة العقارية، ملم بتنوع العقار واختلاف القواعد التي تحكمه. واعتبر مصطفى فارس أن الحديث عن الأمن العقاري ببلادنا لايكتمل في غياب استحضار وضعية العقار بالصحراء المغربية، كما لا تستقيم أي استراتيجية لاتأخذ بعين الاعتبار إرساء دعائم حماية الملكية العقارية بها، في إطار وحدة المملكة الترابية. ومن جهته، قال مصطفى مداح الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، إن الندوة تقام بعد دخول مجموعة من القوانين الهامة التي لها علاقة بموضوع العقار حيز التطبيق، وهي القوانين التي لم تحض سوى بعدد قليل من اللقاءات، أبانت المناقشات خلالها، عن اختلاف في قراءة موادها وتفسير بعض مقتضياتها، وتعكس وجهات نظر ممارسين، تحدوهم الرغبة في سد الثغرات وإيجاد الحلول المناسبة لمختلف التساؤلات. وأضاف مصطفى مداح، أن حق الملكية، سواء ورد على منقول أو عقار، هو من أقدس الحقوق المقررة للأفراد والجماعات، وأن الإسلام قد رتب عليها نتائج طبيعية، في حفظه لصاحبه وحرية التصرف فيه بجميع أنواع المعاملات، ووضع عقوبات رادعة لمن اعتدى عليه، ضمانا لهذا الحق الذي اهتمت به معظم الدساتير والتشريعات والمواثيق الدولية، وذلك بالتنصيص على ضرورة احترامه باعتباره من الحقوق الطبيعية واللصيقة بالأفراد، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص على أن " لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره ولا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا". وأوضح الوكيل العام، أن المشرع المغربي قد أعلن من خلال القوانين الصادرة حديثا، التي تناولت قضايا العقار، عن الإرادة الوطيدة في تأمين الملكية العقارية، بتوفير إطار قانوني، يضمن ضبط وتسريع الإجراءات المتعلقة بالعقار وحيازته والتصرف فيه وتعبئته، بهدف تطوير رصيد عقاري مستقر وثابت، خال من النزاعات، يحفز على تداول العقارات وتقوية الدور الإنمائي لها. واعتبر مداح أن المحافظة العقارية تعتبر الفاعل الأساسي في كل تنمية عقارية، إذ يعود لها الفضل في إخراج العقارات من حالة الجمود والاضطراب إلى حالة الاستقرار والإقلاع التنموي والاقتصادي، مضيفا أنها تسعى إلى إضفاء الوضوح والدقة على الوضعية العقارية وتوعية الملاك وإرشادهم لتسهيل عملية التحفيظ، لأن العقار المحفظ والخالي من الشوائب والنزاعات، يؤدي، في نظره، إلى استقرار الملكية العقارية وتثبيتها على أسس سليمة وتسهيل تداولها، وهو مايشجع عمليات البناء والتجزئة والتعمير، فيصبح أداة محورية في مسار التنمية وقطبا جذابا ورافعة أساسية لجلب الاستثمار. يذكر أن الندوة المنظمة على مدى يومين، شاركت فيها نخبة متميزة من رؤساء الغرف والمستشارين والمحامين العامين بمحكمة النقض، ومسؤولي محاكم المملكة وقضاتها المتخصصين في مجال العقار، والأساتذة الجامعيين والأطر العليا بالوكالة الوطنية والمحافظين العقاريين عبر ربوع الوطن، ومختلف المؤسسات والهيئات التي تعني بقضايا التحفيظ العقاري. وكان إدريس الضحاك، الأمين العام للحكومة، قد وجه كلمة توجيهية في بداية الجلسة الافتتاحية، أكد فيها على ضرورة، تضافر جهود القضاة والعاملين في مجال التحفيظ من أجل المساهمة في سد الثغرات القانونية التي تعاني منها النصوص التشريعية المنظمة للتحفيظ العقاري في المغرب، داعيا بالمناسبة، القضاة المغاربة وممثلي النيابة العامة وكبار المسؤولين العاملين في مختلف المحافظات العقارية إلى تقديم مقترحات وجيهة في هذا الشأن. وقال أيضا إن العقار أصبح تأثيره حاسما في ضمان النمو الاقتصادي. وتناولت أشغال الندوة أربعة محاور رئيسية كبرى، الأول يتعلق بالبعد الاقتصادي والاجتماعي للتحفيظ العقاري، والثاني بالاجتهاد القضائي والأمن القضائي، فيما خصص المحور الثالث لآليات تبسيط مسطرة التحفيظ، والرابع للحماية القانونية والقضائية للحقوق الناشئة عن التحفيظ العقاري. كما نظم على هامش فعاليات الندوة، الكتب الفقهية والقضائية المتخصصة في موضع العقار الصادرة عن مركز النشر والتوثيق القضائي بمحكمة النقض، ومختلف أدوات القياس والوثائق التي تبرز تاريخ التخطيط العقاري بالمغرب، ووثائق عقارية صحراوية.